بعد حالة من الترقب سادت الشارع تم الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد، ورغم تباين الرؤى حول الحكومة الجديدة إلا أن تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية يجعل مهام الحكومة القادمة تندرج تحت طائلة المهام الجسام. غير أن قيادات الحكومة والمؤتمر الوطني تبدو متفائلة بإمكانية تجاوز تلك العقبات عبر توافق أجهزة السلطة، ويؤكد مستشار الرئيس بروفيسور إبراهيم أحمد عمر أن حل القضايا السياسية والعسكرية في أي دولة ضرورة لا تتأتي الا بتآزر السلطات التشريعية والتنفيذية ووضع حلول للعقبات السياسية وفق عمل مؤسسي لحل الأزمات وتقديم حلول عملية للجهاز التنفيذي والعمل على حل هذه القضايا بتضافر الجهود. وحول التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة أوضح أن الحكومة العريضة هي محاولة لجمع الشمل الوطني والتعاضد لمواجهة التحديات الراهنة والاستفادة من الرأي الجماعي، مشيرا إلى أنها محاولة لجمع الأحزاب السياسية وخدمة مصلحة البلاد، مؤكدا ضرورة تجاوب المواطنين مع هذه السياسات لحل الأزمة الاقتصادية. باب الحل ويرى مراقبون أن حل المشكلة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا هو باب لحل جميع القضايا العالقة سياسية كانت أم غيرها، مشيرين إلى أن السودان دولة غنية بالموارد الكفيلة بحل الأزمات الاقتصادية لاسيما بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال استخراج الموارد والثروات والاستفادة منها والاستعانة بخبرات وكفاءات مؤهلة وعقليات اقتصادية لإدارة موارد البلاد، مشددين على اتخاذ قرارات صارمة للعمل على حل هذه الأزمات. ويقول أستاذ العلوم السياسية د. صلاح كرار إنه لا يمكن تخطي المصاعب والتحديات في أي دولة دونما الاستفادة من التاريخ السياسي. وأضاف : إذا أردنا أن نتفادى جميع الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية الناشئة في كل من النيل الأزرق ودارفور وجبال النوبة، ويضيف ل(السوداني) "علينا أن نقرأ الأحداث التاريخية السابقة قراءة صحيحة حتى لا تتكرر هذه الأحداث، أما المشكلات الاقتصادية فلا يمكن تخطيها إلا باختيار الرجال المناسبين القادرين على مواجهة الأزمات الاقتصادية بوضوح وشفافية وواقعية". وحذر كرار من أي تأخير في إيجاد حلول للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، موضحا الدور الكبير الذي قامت به حكومة الإنقاذ منذ العام 89 في معالجة الوضع الاقتصادي الذي كان أكثر سوءاً وضرورة قيادة الأزمات بمسؤولية ووضوح وشفافية وتمليك المواطن الحقائق وإن كانت مُرة. تدابير وعقبات وقد طالب الخبراء والمحللون باتخاذ مزيد من التدابير على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للتخلص من عقبات التنمية ومواجهة جميع التحديات الاقتصادية، وإجراء إصلاح شامل للبنيات المكونة للمؤسسات وتقليص النظام الإداري وتقليل مخصصاته والمحافظة على مكتسبات البلاد من ثروات طبيعية وموارد، إضافة لمراعاة الجوانب البيئية المؤثرة على التنمية المستدامة، مؤكدين على أن المشاكل الاقتصادية سببها الأساسي الاعتماد الكامل على النفط في تمويل الإنفاق العام بشكل مباشر أو غير مباشر والذي ساهم بحوالي 50% من الإيرادات العامة بشكل مباشر، أما ال 50% الأخرى فهي مرتبطة بشكل وثيق بالنفط سواء أكانت في شكل إيرادات ضريبية أم غير ضريبية. في المقابل يؤكد المحلل السياسي د. عمر عبد العزيز ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي وإعادة دولة المؤسسات وتفعيل قيمة الشفافية والمحاسبة في العمل العام لا سيما توسيع دائرة المشاركة في الحكم، ودراسة الأحداث التاريخية والسياسية التي مر بها السودان خلال الأعوام الماضية والوقوف على سلبياتها وايجابياتها، وشدد عمر في حديثه على ضرورة مكافحة الفساد ومساعدة الحكومة في هذا الملف، موضحا أن الفترة المقبلة في السودان تتطلب اختيار القيادات المناسبة في المكان المناسب وإيجاد دماء جديدة في التشكيل الوزاري. وفيما يتعلق بالتطورات السياسية والعسكرية أكد عمر عبد العزيز في حديثه ل(السوداني) ضرورة توحيد الصف الداخلي، وحل الأزمة الاقتصادية الداخلية والتي تولدت نتيجة لفقدان العملة الصعبة ووضع خطط لحل الأزمة الراهنة ووقف الصرف غير المرشد. وقال إن حكومة الإنقاذ كانت قدوة للشعب في إدارة المال على قلته ولا بد من العمل بهذه السياسة وخفض المخصصات ومحاسبة الفاسدين والعابثين بالمال العام وعلاج الترهل الإداري بشكل يجابه الأزمة الراهنة. خفض الأعباء وفي ذات السياق يتوقع المحلل السياسي د. صفوت فانوس أن تعمل الحكومة المقبلة على خفض الأعباء المالية ولكن ليس بالشكل الكبير وبنسب ضعيفة لا تتجاوز 1-3%، مشيرا إلى أن تخفيض مخصصات الوزراء لن يحدث أثرا في الموازنة العامة وهي عملية رمزية. ويضيف فانوس في حديثه ل(السوداني) أن هناك العديد من المطلوبات من الحكومة المقبلة والتي على رأسها التقليل من الإنفاق الحكومي بصفة عامة، وتقليل الإنفاق على الاحتفالات والمسيرات، وفي المقابل زيادة الإنتاج ودعم الإنتاج المحلي وتحفيزه من خلال خفض الجبايات والرسوم والعوائد التي تعيق المنتج وتتسبب في ارتفاع الأسعار، مطالباً بإحداث ثبات في السياسات المالية وعدم التغيير فيها، موضحا أن عدم استقرار السياسات المالية من شأنه أن يُحدث حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي بالبلاد، داعيا أيضا إلى ترشيد الواردات وتوفير السلع الأساسية منها فقط والاعتماد على الإنتاج الوطني. من جهة أخرى يقول الخبير الاقتصادي د. محمد الناير إن تخفيف جسم الدولة وهيكلها لن يخفف من الإنفاق الحكومي إلا اذا تقلصت الوزارت إلى حوالي 15 وزارة فقط. وفي ظل مشاركة الأحزاب السياسية في الحكومة الجديدة توقع الناير ارتفاع عدد الوزارت إلى 24 وزارة، مشيرا إلى أن من أهم الآليات التي من شأنها خفض الأعباء الاقتصادية عن الحكومة هو إلغاء دور وزراء الدولة ومنح صلاحيات أكبر لوكلاء الوزارات والأمناء العامين. وإشار الناير في حديثه ل(السوداني) إلى ضرورة أن يشمل تقليص الوزارات حتى الولايات مضيا في درب الولاية الشمالية التي بادرت بالتخفيض، مطالبا بضرورة مراجعة العقودات الخاصة وإلغاء دور المستشارين والخبراء الوطنيين ومراجعة هياكل المؤسسات الحكومية، كل هذه الآليات من شأنها أن تحدث فجوات وتقلل من عجز الموازنة وتقليل الإنفاق العام، وأضاف الناير قائلا : نتمنى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، وفي الشأن الاقتصادي هناك من يجيد إدارة اقتصاد الندرة، وآخرون يجيدون إدارة اقتصاد الوفرة ولكل سياساته، مؤكدا أن المرحلة المقبلة تتطلب اتخاذ القرارات في الوزارت الاقتصادية والمفصلية وفقا للشورى والدراسات الاقتصادية ودراسات الجدوى وترجيح اتخاذ القرار من عدمه. وطالب الناير بضرورة وجود تجانس وتنسيق تام بين أعضاء الحكومة ومؤسساتها بعيدا عن تسييس العلاقات وذلك من شأنه أن يسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني.