[email protected] إسقاط الحكام! الكتاب خير جليس، وأجد متعة في قراءة ما تيسّر من إصدارات، تربط ماضينا بحاضرنا، وخاصة ما تتناول «ساس يسوس». قرأت مؤخراً لشيخ جليل من سوريا، هو عمر عبيد حسنه، قرأت كتابه «الحاكمية في الإسلام بين الديني والمدني»، وبعيداً عن جدل المصطلح اللغوي والفقهي بشأن الحاكمية، وقفت أمام مسألة «الخروج على الحاكم»، وربط ذلك بما تشهده منطقتنا من «ثورات الربيع العربي»، خروجهم على من «فهم» شعبه، بعد أن فقد حكمه، وأيضا الذي «لم يكن ينتوي الترشح للرئاسة»، وهو الذي بلغ من العمر عتياً، أو من وصف شعبه ب«الجرذان»، وتوعدهم بالزحف «من الصحراء إلى الصحراء»، ومطاردتهم «بيت بيت .. زنقة زنقة»، فالخروج على الحكام جائز، وعلى الأخص حكام الجور والظلم، لأن الحاكم أو الإمام أو الرئيس أو ولي الأمر، هم من البشر، خاضعون لكل ما يخضع له البشر من الخطأ والصواب، لذلك من الطبيعي أن يكونوا محلاً للنقد والنصح والمراجعة والتغيير، وإن اختلفت الآراء حيال تقويم أعمالهم، وحسن أدائهم، ووسائل معارضتهم، والخروج عليهم، وإسقاطهم، وهكذا مصارع الطغاة. إن البعد السياسي - الذي يتضمن القيم والأحكام والتشريعات المتعلقة بمسيرة الأمة والدولة والتحاكم إليها، وتنزيلها على واقع الناس - هو أحد الأبعاد والدلالات اللغوية والشرعية لمفهوم «الحاكمية»، والمعنى الأقرب لحاكمية القيم: تحكيمها وتحكمها في إدارة شئون الناس بالمساواة بينهم، والفصل في خصوماتهم، والقضاء بينهم بالعدل، وحماية حقوقهم، وحفظ كرامتهم وإنسانيتهم ، والدفاع عنهم، واستمرار المسئولية والرقابة الدائمة، لتنزيل هذه القيم على واقع الناس بالاجتهاد والتجديد والتقويم والمراجعة، ونفي نوابت السوء، ذلك أن الأشخاص - حكاماً ومحكومين - هم محل تطبيق وتحكيم هذه القيم، ومحل التكليف في وضع برامج وخطط لتنزيلها على واقع الناس، ومراقبة هذا التنزيل، وتصويبه في ضوء تلك القيم والمعايير، والسعي للارتقاء بالاستطاعات المؤهلة لهذه التكاليف، واستكمال تطبيقها في حياة الناس، حيث العدل والحرية قيم أساسية، ومن دروسها، حينما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني)، فقال له رجل من بين الناس:(إذا أخطأت قومناك بسيوفنا)، ونحن نقوم حكامنا ب«أقلامنا»، فهل يعدلون؟.