سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بمناسبة الذكرى 58 لاستقلال السودان : بروفيسور السر أحمد العراقي : من أهم مخططات بريطانيا في السودان تفكيكه وتفتيته
الوعي القومي كان السبب الأساسي في نجاح الديمقراطية الأولى ولكن..!
من المحرر : بعث البروفيسور السر أحمد العراقي بهذا المقال الرصين إلى «صحيفة الوطن» ورأيت من المناسب إدراجه في ملف (رواق الأربعاء) وفي صفحة (ذاكرة الأيام) والمقال محاولة لاسترجاع تأريخنا الوطني وبلادنا تحتفل هذه الأيام بالذكرى الثامنة والخمسين للإستقلال المجيد. كفاح السودانيين 1899 - 1956م شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قيام الأمبراطورية الاستعمارية واصطدمت المصالح الاستعمارية الأوروبية في قارة أفريقيا وتأريخ أفريقيا الاستعمار الأوروبي لأفريقيا مليء بالمآسي كما إنه مليء بالبطولات الوطنية والدينية الفذة، وهي التي خلدها التأريخ خلال مراحل الكفاح الوطني والجهاد الديني، وقد انتهج الاستعمار وسائل شتى لتثبيت نفوذه في أفريقيا. ونجحت المؤامرات الاستعمارية في تدعيم سلطاته وسيطرته ردحاً من الزمن. والمعروف أن بريطانيا قد نالت النصيب الأكبر ممتدة بوجودها وسيطرتها على حزام يبدأ من مصر في شمال القارة وينتهي في أقصى جنوبها عند جنوبي أفريقيا، وبنهاية القرن التاسع عشر سيطرت الدول الأوروبية على كل أصقاع أفريقيا وتقسمتها فيما بينها باستثناء ليبيا والحبشة. مقاومة السودانيين للمستعمر : قاوم السودانيون المستعمر البريطاني مثل الخليفة عبد الله بلغت آلاف الضحايا من الشهداء من حلفا وعطبرة النخيلة وكرري وأم دبيكرات، بلغت آلافاً من الشهداء وكان السودانيون قد كبدوا بريطانيا وأعوانها إبان اندلاع ثورة الإمام محمد أحمد المهدي خسائر فادحة في الأرواح، بلغت آلاف القتلى من الجزيرة أبا وشيكان. أهداف حملة كتشنر : من أهداف الحملة الانتقام وروح التشفي واستعادة السودان خلال عامي 1898 و 1899 بجانب الأهداف الاستعمارية الأخرى- سياسية واقتصادية ودينية وإستراتيجية. مما لا جدال فيه أن هدف الاستعمار في السودان كان الامتلاك والسيطرة فلذا استغرقت جهود الإنجليز لاستعمار البلاد فترة الخمسين عاماً التي قضوها شرع المستعمر من خلالها في تركيز وتقوية مركزه خاصة في السنوات الأولى والهدف الأساس هو تركيز النظام والأمن دون خسائر مادية كبيرة. مخططات بريطانيا الاستعمارية : كان من أهم مخططات بريطانيا في السودان هو تفتيت وتفكيك السودان إلى قبائل حتى لا يقوى على الوحدة والتماسك والتصدي للمخططات والمؤامرات الاستعمارية والتبشيرية كما إن الاستعمار على دراية واسعة بأن الإسلام كان ولا يزال عاملاً رئيساً للوحدة في شمال السودان، الذي أصبح منذ القرن الخامس عشر عربياً من الناحيتين الثقافية والسياسية فلذا فهو يخشى على جنوب السودان وأفريقيا السوداء من حوله من خطر الإسلام وتسرب الثقافة الإسلامية جنوباً. ظهور الجمعيات والأحزاب الوطنية : ظهرت الجمعيات الوطنية وقد تبلور كفاح هذه الجمعيات، واتحدت مع جمعية الاتحاد السوداني، ثم اتحدت جميعها في جمعية اللواء الأبيض ثم ثورة عام 1924م وكانت كل هذه الجمعيات تعمل بالتضامن مع المصريين ضد الإنجليز وكانت بريطانيا تعمل ألف حساب لمكانة الزعامة الدينية وتتفهم دورها وهيبتها ومكانتها بل تستشير في كثير من الأحيان هذه الزعامة في كثير من الأمور التي تتعلق بمستقبل البلاد و.... تتجه إلى السيدين أحمد الميرغني وأخيه السيد علي الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي والشريف يوسف الهندي وكبار زعماء القبائل. حركة المقاومة في الثلاثينيات وظهور الأحزاب : أخذت حركة المقاومة في التوسع والتطور، وتمثل ذلك في أحزاب المثقفين في مطلع الثلاثينيات ثم مؤتمر الخريجين في الجزء الأخير من الثلاثينيات عام 1938م حتى قيام الأحزاب السياسية في مطلع الأربعينات. الحركة الوطنية في الأربعينات : تميّزت فترة الأربعينات بتطور الحركة الوطنية في البلاد، وظهور الأحزاب السياسية بعضها يسمى باسم الأحزاب الاتحادية التي تنادي بالاتحاد مع مصر وعلى رأسها حزب الأشقاء، والبعض الآخر الأحزاب الاستقلالية التي تنادي بالاستقلال التام وعلى رأس هذه الأحزاب حزب الأمة وقد تمثلت الأحزاب الاتحادية التي شغلت المساحة السياسية في البلاد خلال تلك الفترة وحتى مطلع الخمسينيات في ثمانية أحزاب اتحدت جميعها في حزب واحد هو الحزب الوطني الاتحادي، وذلك برعاية حكومة ثورة 23 يوليو 1952م ورئيسها اللواء محمد نجيب وهذه الأحزاب هي حزب الأشقاء جناح الأزهري، حزب مؤتمر السودان، وحزب الأشقاء (جناح محمد نور الدين) حزب وحدة وادي النيل، حزب الاتحاديين، حزب الأحرار الاتحاديين وحزب مؤتمر الخريجين. وقد وافق رؤساء الأحزاب والهيئات الثمانية على قيام الحزب الواحد في اجتماع عقد بالقاهرة مساء يوم 31 أكتوبر 1952م واستمر حتى الساعات الأولى من صباح الأول من نوفمبر 1952م، وأجيز دستور الحزب الواحد على تسمية الحزب بالحزب الوطني الاتحادي، وهو الحزب الموحد الذي شهد فترة تقرير المصير مع حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي، فاستمر الوضع بهذا الشكل حتى إعلان استقلال السودان في يناير 1956م. حق تقرير المصير للسودانيين : وافق رؤساء الأحزاب والهيئات الاتحادية الثمانية على قيام الحزب الواحد وعهدوا إلى لجنة ثلاثية وضع أسس الحزب واختيار هيئته العامة ولجنته التنفيذية، ثم أجيز دستور الحزب وتم التوقيع عليه في اجتماع عقد بمنزل الرئيس محمد نجيب رئيس جمهورية مصر بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م وبعده تم الاتفاق بين الحزب الواحد وحكومة الثورة المصرية بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان. كان النظام المصري الجديد قد أبدى استعداده لمناقشة مسألة السودان بمفردها مع بريطانيا كما قبل مبدأ الحكم الذاتي للسودان وحق السودانيين في تقرير مصيرهم وقد ضمنت هذه المبادئ في اتفاق عقدته مصر في يناير العام 1953م مع الأحزاب السياسية الرئيسة الثلاثة- حزب الوطني الاتحادي ، حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي- وإزاء هذا الموقف الموحد بين مصر والأحزاب السودانية لم تجد بريطانيا مخرجاً سوى أن تعقد مع مصر في 12 يناير 1953م الاتفاقية المصرية والبريطانية الخاصة بالحكم الذاتي. أول انتخابات وطنية في السودان وتكوين حكومة عقدت أول انتخابات وطنية في البلاد في نهاية العام 1953م وقد أسفرت عن فوز الحزب الوطني الاتحادي بأغلبية المقاعد في مجلس النواب والشيوخ وكون السيد رسماعيل الأزهري أول حكومة وطنية في البلاد وقرأت بعض الدوائر نتيجة هذه الانتخابات بأنها انتصار للوحدة مع مصر، ولكنها كانت في الواقع انتصاراً لرغبة السودانيين الملحة في الخلاص من السيطرة البريطانية فقد نصر الناخبون الحزب الوطني الاتحادي لعدائه السافر لبريطانيا وكان الناخب السوداني في تلك الانتخابات يأخذ على حزب الأمة والجمهوري الاشتراكي وتعاونهما مع بريطانيا وقد وضح إجماع السودانيين على رغبتهم في الاستقلال عندما أعلن البرلمان بالإجماع استقلال السودان في 19 ديسمبر العام 1955م، وأصبح السودان بلداً مستقلاً منذ أول يناير من العام 1956م. نجاح التجربة الديمقراطية في السودان : وكان الوعي القومي ومشاعر الناس الوطنية والسياسية أحد العوامل التي ساعدت على نجاح التجربة الديمقراطية الأولى في البلاد والإقبال على صناديق الاقتراع بقوة وحماس. وكانت الشعارات التي يرفعها السودانيون والهتافات التي يرددونها والليالي التي ينظمونها خير شاهد على انتشار الوعي واليقظة في البلاد وأعظم دليل على نجاح التجربة الديمقراطية. وبعد إعلان الاستقلال في الأول من يناير 1956م انتقلت الإدارة إلى أبناء السودانيين وتمت سودنة الوظائف بكفاءة عالية ومقدرة فائقة تدعو إلى الفخر والاعتزاز، وتولى الإدارة في البلاد عدد كبير من أصحاب الخبرة الإدارية والتجربة الكبيرة في مجال الإدارة والخدمة المدنية وذلك في مناصب الوزارة والمديرية في مديريات البلاد المختلفة أو نوابهم أو أعوانهم الآخرين.