[email protected] والعبارة مخزنة في ذاكرتي لسنين عديدة وقد استعصت علىّ بالفهم في حينها ولإعتقادي بأن كل ما أعمله سأجده دون إيجاد مبررات ومصوغات تلازم المفردة، والحكمة ليست في فهم العبارة بل المدلول الذي ترمي إليه بإعتبار أن هذا التعبير القصير والمفيد يشمل عدة خصائص للسلوك البشري في التعامل مع نفسه والآخرين، ودائرة تحمل عدداً من المحاور لا يمكن الإستغناء عنها. سقت المقدمة لأرمي ما كنت أتخيل لمعنى العبارة أو المثل وما المردود الذي يعود علىّ أو على غيري من تلك الجملة أو الفعلة أو ذلك السلوك الذي يتم بحسن نية أو دونه. وهل كل ما نعمله سيعود علينا مباشرة أو من خلال المشاركة في المنافع، إما يؤجل إلى حين أو إلى أجل غير معلوم ، تلك الرسالة القصيرة الحروف والكثيرة الدلائل لابد من التعامل معها بحذر شديد، ومبدأ ذلك التأكد مما تقدم من أفعال أو أعمال مسرود لك نتائجه والعبارات الدالة على نهاية الفعلة التي تقود إلى مراجعات قبل البدء أو الشروع في التطبيق ، قدم السبت تلقى الأحد ، أزرع معروفاً وأتركه، أصرف مافي الجيب وأنت لا تعلم الغيب ، تعلم أن تعطي ولا تتوقع مردود فوري ، أزرع الحسنة ستكسب عشرات منها ، سد حاجة أخوك تلقى ذلك ولو إلى حين معاملة كريمة ومعروف محفوظ ، وتعود بي الذاكرة إلى الوراء حيث سمعت هذا النداء (تسوي ...تلقاه) من رجل ما زالت ملامحه صورة ماثلة أمامي ، وكأني أراه الآن ، في منطقة ما من حينا العريق، ذلك الحي الشعبي الذي يسكنه أناس كثر ، وقبائل شتى وبالطبع عادات وسلوك متنوع ، يأتي من فترة إلى أخرى رث الثياب يحمل في يده مسبحة قصيرة ، ينتعل حذاء يسمى حينها (تموت تخلي ) وشوال متهرئ على كتفيه يتميز بالصوت الدافئ ، الجهور والمسموع ، المخارج سليمة لا رطانة فيها أو إعوجاج ذقنه ليست بالطويلة أو القصيرة شعره كثيف دون غطاء ، يتبعه كلب جربان ، كأنك ترى عظامه ، لا أدري لماذا تذكرته الآن بعد سنين عددا وربطت بينه و السلوك الذي نمارسه في حياتنا اليومية والتوقعات التي نجدها من جراء ما نعمل خيراً كانت أو شراً . والناظر للمفردة يستلهم منها وبقراءة ناصحة مرآة ما نعمل من أفعال ولماذا أختار هذا الإنسان هذه المفردة دون غيرها ، ولماذا يظل يرددها لسنوات طويلة حتى اختفى من حينا الشعبي ، أين كلبه ، أين عفشه الذي كان يحمله معه أثناء تجواله ، أين مقتنياته التي تحصل عليها خلال رحلته لحينا ، بين معطي له وممسك عنة و أين أهلة وعشيرته والأصح من أين أتى وإلى أين ذهب؟ ولماذا أتذكره كلما لمت بي الخطوب و الإحن و تشعبت مناحيها ولماذا يزداد الآن اقتناعي بهذه العبارة الاخاذة والتي تحمل العديد من الدروس والعبر أليست النتائج من هذه الوصية أن يصبح منهجاً انسانياً يدرس ويكون ضمن المناهج التربوية للتلاميذ، مدرسة لا تعرف الترقب الأتي للأفعال ، مدرسة يتعلم فيها الصغار معنى الإفادات والجمل المحكومة بالعمل المقدم انتظاراً للنتائج ، مدرسة فصولها الحياة السوية ونتائجها مبادئ تحكمها العلاقات المتوازنة بين الناس ترمي بعيداً وبثقة تامة فالهدف مرصود بالتهديف والإتقان والتصويب الجيد والإرتكاز المتمكن على دلالات متساوية في الأدب والأركان ، ما المعني أن نعطي وننتظر نتائج ذلك العطاء في حينها ، أزرع بذرة تحصد ثمراً، أحرث أرضاً بوراً وأعمل على نظافتها وصيانتها وترقب الحصاد فكل دور قمت به يظهر ولو إلى حين ... تلك هي المبادئ الإنسانية الرفيعة في التعامل .. ومازال ذلك الصوت الشجي يلهمني الثبات في المواقف، ولقد تعلمت منه الكثير وكيف أن العبرة والصبر هي مدارس متعددة المناهج في التعامل الحياتي بيني وبين من ألقاهم صفوفاً راكزة تقدم كل هو خير وكل ما هو مفيد دون إنتظار كلمة شكر أو هتاف عالي يسمعه القاصي والداني وبكل الوسائل ولكن النتائج حرث في السراب وهدف طاش لم يصب إلا صاحبه والحكمة ضالة المؤمن ... أعملوا.. أعملوا.. دون ضوضاء ..... آخر سطر: أهدتني الأستاذة الرائعة عائشة موسى السعيد رفيقة درب الأديب الراحل د. محمد عبدالحى إصدارة مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي (تجليات الشعر الانجليزي والامريكي في الشعر العربي الرومانسي ) والتي راجعها كل من أ .د . عبد الله علي إبراهيم واحمد صادق وترجمتها الأستاذة / عائشة موسى السعيد ودققها الأستاذ / منتصر أحمد النور. والإصدارة جديرة بالإطلاع لما تحتويه من روعة الكلم والقوافي والمعاني الدالة على عمق أدب الراحل د. محمد عبدالحي.. والتقدير للمخرج المبدع معمر مكي عمر والذي عمل على التصميم والإخراج الفني وإنها دعوة لكل محبي وتلاميذ الأديب الراحل د. محمد عبدالحي طيب الله ثراه للتزود بالدرر والمعاني لهذه الإصدارة النادرة والتجربة المجودة في الترجمة. إلى أن نلتقي ... يبقى الود بيننا [email protected]