أكدت مصادر سودانية مطلعة، أن ميناء بورتسودان تحول من شريان إنساني رئيسي إلى أداة حصار تُستخدم لعرقلة وصول الغذاء والدواء إلى أكثر من 25 مليون سوداني، وسط اتهامات للجيش السوداني بمنع دخول المساعدات لأسباب أمنية وسياسية. وأوضحت المصادر أن سلطات بورتسودان تربط الإمدادات بمعايير ولاءات إثنية وميدانية، وتخشى وصولها إلى مناطق تعتبرها حواضن لخصومها، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتعطيل القوافل والإمدادات الأممية. وبينت أن هذا المنع يمثل سياسة ممنهجة تُستخدم كورقة ضغط في خضم الصراع المتصاعد داخل البلاد. استثمار المعاناة في هذا الإطار، قال الخبير العسكري والأمني، النور حسن حمدان، إن ميناء بورتسودان يُعد نقطة حيوية لتدفق المساعدات الإنسانية إلى السودان، ومع ذلك، فإن قوات بورتسودان تمنع دخول هذه المساعدات لأسباب عديدة. وأضاف الخبير حمدان ل"إرم نيوز" أن السبب الأول يتعلق بسعي قوات بورتسودان بقيادة عبد الفتاح البرهان للسيطرة على أكبر مساحة من البلاد، حيث تعتبر أن إدخال المساعدات قد يسهم في تعزيز قدرات قوات الدعم السريع أو المعارضين. وأشار إلى أن من أسباب منع المساعدات ما هو مرتبط بتوجهات سياسية، حيث تحاول قوات بورتسودان فرض هيمنتها على الموارد والسلطة، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية. وفي أحيان أخرى، تُباع المساعدات الإنسانية في الأسواق بدلاً من توزيعها، ما يمثل مصدراً مهما لتمويل المجهود الحربي لقوات البرهان والميليشيات المتحالفة معه. وأوضح أن من جملة الأسباب أيضاً أن قوات بورتسودان ترى أن هذه المساعدات الإنسانية تتجه إلى حواضن الدعم السريع، مما يؤكد أن المساعدات الإنسانية بالنسبة لسلطة بورتسودان مسيّسة ومرتبطة بمعايير إثنية. واختتم حمدان حديثه بالإشارة إلى أن هذا الوضع يضع حياة الملايين في خطر، ويزيد من معاناتهم في ظل الأزمات الاقتصادية والصحية المتزايدة في البلاد. أداة حصار ورأى الكاتب والمحلل السياسي، عمار سعيد، أنه منذ اندلاع الحرب، تحول ميناء بورتسودان من معبر تجاري وبوابة السودان البحرية إلى أداة حصار تُستخدم لحرمان الملايين من المدنيين من الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية. وأضاف سعيد ل"إرم نيوز" أن كل الشحنات الإنسانية التي تمر عبر الميناء تُخضعها سلطة بورتسودان لرقابة سياسية لا علاقة لها بمعايير العمل الإنساني، بينما يتم تعطيل أو احتجاز أو إعادة الكثير منها بلا أسباب منطقية، في وقت يتجاوز عدد المحتاجين 25 مليون سوداني يواجهون الجوع والمجاعة. وأوضح أن قوات بورتسودان تدرك تماماً أن الطرق البديلة، سواء عبر الحدود الغربية من أدري والطينة وليبيا أو عبر جنوب السودان، شديدة الخطورة ومرتفعة التكاليف وذات قدرة محدودة، ولا تتحمل نقل الإمداد الكافي لإنقاذ ملايين السكان. ورغم ذلك، تواصل قيادة بورتسودان عرقلة عمل المنظمات الأممية وفرض قيود تعجيزية تهدف لخلق أزمة إنسانية خانقة يمكن استخدامها كورقة ضغط سياسية. سلاح المساعدات وأشار سعيد إلى أنه مع كل خسارة تتعرض لها قوات بورتسودان ميدانياً، خصوصاً عند خسارة مواقع استراتيجية، تعود هذه السلطة لتكرار الأمر ذاته: اتهام قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات، نشر بيانات غير مدعومة، ومحاولة صناعة رواية جديدة لصرف الأنظار عن الواقع العسكري على الأرض. وأكد سعيد أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى التغطية على الفشل العسكري عبر خلق ضجيج إعلامي، وإرباك المجتمع الدولي، ومنع تكوين صورة واضحة عن الطرف المتسبب في انهيار الوضع الإنساني. ولفت إلى أن الأمر لم يتوقف عند التعطيل الإداري، بل وصل إلى مستوى الاعتداء المسلح على القوافل التي تحمل شحنات الأممالمتحدة نفسها؛ إذ استهدفت قوات بورتسودان خلال الأشهر الماضية أكثر من قافلة إنسانية كانت في طريقها إلى الفاشر والمناطق الغربية، مؤكداً أن هذا القصف تم توثيقه، وأدى إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين وعمال الإغاثة، وتدمير شاحنات محملة بالغذاء والدواء، وتعليق أو إبطاء خطوط الإمداد الأممية لأسابيع. هذه الهجمات ليست حوادث منفصلة، بل جزء من تكتيك واضح يستخدمه الجيش لإبقاء المناطق الخارجة عن سيطرته في حالة جوع دائم، حتى يُستنزف سكانها وتضعف قدرتهم على الصمود. واختتم سعيد حديثه بالتأكيد على أن ما يجري ليس مجرد إهمال أو فساد إداري، بل هو نظام حصار إنساني كامل واتباع سياسة التجويع الممنهجة كأداة حرب.