صباح محمد الحسن طيف أول: كلمة للدكتور عبد الله حمدوك لخّصت مشاعر الإنسانية التي تتوق إلى وطن آمن لا يجوع فيه الناس ولا يعرَوا، دعوةً صادقة لقادة طرفي الحرب للاستجابة للرباعية لإنقاذ الأرواح، وضرورة الإصغاء إلى صوت الشعب ورغبته في السلام!! واتجاه خطوات الحكومة التنفيذية في بورتسودان إلى هاوية الضياع لا تعود أسبابه إلى أنّها شيّدت برجها على أساس انقلاب وسرقت من الثورة حكمها وقطعت عليها طريقها، وليس لأنها أشعلت الحرب وتسببت في دمار البلاد، ولكن لأن فساد الحكومة كان هو المرض الذي ينخر في عظمها. لذلك فإنّ حماية الفساد داخل وزارات حكومة بورتسودان والمؤسسات الأخرى هي التي تُذكي حالة التناحر والتنافر بين القيادة والوزراء. وقبل يومين تحدّثنا عن ملف خطير يتعلّق بفساد وزارة الدفاع، إثر اختفاء مبالغ مالية ضخمة خُصّصت لعملية الدمج إبّان الاتفاق الإطاري. ومع اندلاع الحرب لم تُسترد تلك الأموال إلى خزينة الدولة، مما دفع الوزير الحالي إلى تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة مصيرها. ولا شك أنّ المسؤولية تقع على عاتق الوزير السابق، الذي غادر منصبه دون أن يترك الأموال وراءه، وقد أكدت لجنة التحقيق التي شُكّلت داخل الوزارة أنّ المبالغ مفقودة بالفعل. ومن المؤكد أنّ فتح بلاغ ضد وزير الدفاع السابق أمر طالبت به اللجنة، غير أنّ مصادر مطلعة كشفت أنّ شخصيات نافذة داخل الحكومة تسعى لحمايته، وقد عمدت إلى حفظ الشكوى. ومع توقعات استقالة رئيس الوزراء كامل إدريس التي ربما تسبق قرار إقالته، إلا أنّ القوات المسلحة نشرت بالأمس بيانًا عن استقالة وزير الدفاع ثم سارعت إلى حذفه، جاء فيه: "بعد تقديم السيد الفريق الركن حسن داؤود كبرون استقالته من منصبه كوزير للدفاع، وبالاطلاع على القوانين واللوائح المعمول بها، تقرر قبول استقالته اعتبارًا من تاريخه." لكن حذف البيان يؤكد إمّا أنّ الوزير تراجع عن استقالته، أو أنّ الحكومة رأت أنّ قبولها سيكشف المستور. وبذلك فإنّ الاستقالة ترتبط مباشرة بملف الفساد في وزارة الدفاع، الذي حاولت السلطة الفاسدة التستر عليه، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن تصدّع حكومة بورتسودان الآيلة للسقوط. أما الوزير السابق، فربما يجد نفسه أمام اتهامات ثقيلة، إذ تؤكد المصادر أنّ مظاهر الثراء التي يعيشها هذه الأيام تفوق بكثير استحقاقات نهاية الخدمة. فقد اختار أحد الأحياء الراقية في مدينة إسطنبول، واشترى فيلا فخمة هناك، كما اقتنى عددًا من الشقق السكنية في إحدى دول الجوار. ويبدو أن لجنة كشف الفساد بقيادة كبرون تصرّ على فضح هذه التجاوزات، غير أنّ العقبة الكبرى تكمن في كبار اللصوص داخل الحكومة الذين يرفضون محاسبته، وهو ما دفع الوزير إلى تقديم استقالته. إنّ السلطة التي تأخذ المبالغ من خزينة الدولة إلى خزينة وزارة الدفاع لغرض دمج قوات الدعم السريع والقوات الأخرى في الجيش، ثم تشعل حربًا لتعود وتنهب تلك الأموال، لا شك أن فسادها لا يقتصر على وزارة الدفاع وحدها. فما حجم الأموال المرصودة لإصلاح المؤسسة العسكرية وتنفيذ بنود الاتفاق الإطاري التي بدّدت في جيوب النافذين؟ لقد أصبح ثراء السلطة العسكرية الحاكمة في الخارج فاحشًا، يثير التندر والسخرية؛ كيف لأصحاب الفلل والقصور أن يكونوا أنفسهم من يخوضون حربًا ضد المواطن، حربًا خلّفت الجوع، والبؤس، والمرض، والتشريد!! إنّ فساد السلطة اليوم لم يعد بحاجة إلى بحث أو تدقيق؛ فإذا اختلف اللصوص ظهر المسروق. وهكذا فإنّ الخلافات داخل هرم السلطة ستنعكس على المنصات الإعلامية الكيزانية، التي ستتكفّل بكشف ملفات الفساد في بورتسودان وخارجها دون قصد، إذ إنّ علاقات المصالح حين تتقاطع عند نقطة خلاف لا تصمد طويلًا أمام الكتمان. إذن، هل يصمت الوزير الجديد على فساد اكتشفه ويعود لمكتبه، أم أنّه سيغادر منصبه، أم أنّ مافيا الفساد ستجبره على أن يواصل عمله في مكاتب تفوح منها رائحة الفساد!! الجريدة