ستنطلق يوم 17 يونيو لجنة المسابقات تختار الدامر للمرحلة الآخيرة للدوري العام    نهاية زمن (الاستعلاء الرياضي)    ضربات عسكرية ضدّ 5 قواعد في مالي    منظمة أطباء بلا حدود البلجيكية تسلم إمداد دوائي لوزارة الصحة بسنار    عبد الله علي إبراهيم يكتب: هل كامل إدريس مهدي التفاوض المنتظر؟    عثمان ميرغني يكتب: قبل سنوات..    بتعليمات من حفتر.. القوات المسلّحة الليبية تتّخذ خطوة تّجاه النازحين السودانيين ب"الكفرة"    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    رسايل الغاشي والماشي دي ما عندها طعم ولا روح    التضليل الإعلامي .. السلاح الخطير..!    حُلم العودة    رواندا تعلن انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا    الطاهر ساتي يكتب .. هلوسات الصيّاد    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    تفاصيل وخفايا معركة العوينات : تحالفات المرتزقة والارهاب    شَرْبوت رابِع يوم في العِيد!    شاهد بالفيديو.. مطرب وناشط سعودي يرقص على الطريقة السودانية ويشعل حفل غنائي على أنغام أغنية (فارقت بلالي)    شاهد بالصور والفيديو.. نجم المنتخب السوداني يتزوج من حسناء برومانيا    شاهد بالصور.. زواج الفنانة إيلاف عبد العزيز بالقاهرة يتصدر "الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان    أزمة في المريخ وقرار مفاجئ ل"النمير"    السودان.. الشرطة تعلن عن"امرأتين" داخل دفار    برلمانيون تشاديون: روسيا من شركائنا الرئيسيين وسنرد بالمثل على قرارات ترامب    تفاصيل اللحظات الأخيرة لأستاذ جامعي سعودي قتله عامل توصيل مصري    السعودية تنهي حلم البحرين.. وتحجز مقعدها بمحلق المونديال    شندي: السجن عشرين عاما لمتهم تعاون مع مليشيا الدعم السريع المتمردة    الشمالية.. أسعار الخراف بين 400 الف جنيه الى مليون جنيه    رونالدو والبرتغال إلى نهائي دوري الأمم بفوز تاريخي على ألمانيا    "لبنان وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال".. السيسي يلتقي محمد بن زايد في أبوظبي    تشمل دول إفريقية..ترامب يحظر دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة    شاهد بالفيديو.. المواطنون يقررون الاستمتاع بالعيد داخل منازلهم.. مئات البصات السفرية تغادر مدينة بورتسودان في يوم واحد صوب العاصمة الخرطوم وبعض الولايات    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    يامال: رقم 10 في برشلونة لا يشغلني والفوز 4 مرات على ريال مدريد ليس لقباً    روضة الحاج: وأصيح بالدنيا هنا الخرطوم ! هل نيلُنا ما زال يجري رائقاً هل في السماءِ سحائبٌ وغيومُ؟ هل وجهُ (بحري) مثل سابقِ عهدِه متألِّقٌ وعلى الجبينِ نجومُ ؟    وفاة الفنانة سميحة أيوب .. سيدة المسرح والسينما    عناوين الصحف السياسية السودانية الصادرة اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025    السودان.. السلطات تعلن القبض على"الشبكة الخطيرة"    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    تعرف على أسعار خراف الأضاحي بمدني وضعف في الشراء    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    نسرين طافش تستعرض أناقتها بفستان لافت| صور    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن حادثة سرقة ثمانية كيلو ذهب وتوقف المتهمين    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    بشاشة زرقاء.. "تيك توك" يساعد الشباب على أخذ استراحة من الهواتف    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    حبوب منع الحمل قد "تقتل" النساء    السلطات في بورتسودان تضبط تفشل المحاولة الخطيرة    ضمانا للخصوصية.. "واتساب" يطلق حملة التشفير الشامل    "رئيس إلى الأبد".. ترامب يثير الجدل بفيديو ساخر    ما هي محظورات الحج للنساء؟    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله علي إبراهيم يكتب: هل كامل إدريس مهدي التفاوض المنتظر؟
نشر في باج نيوز يوم 08 - 06 - 2025

مع أن خطوة تعيين رئيس وزراء لم تكن هي الخطوة المطلوبة في هذا الوقت، ولكنهم رغماً عن هذا، في قول نور الدين، سيمدون له يداً إن أعلن أنه جاء للسلام وأنه سيأخذ حكومة بورتسودان للتفاوض فالسلام. ولكن حقيقة الأمر خلافاً لهذا، فحكومة كامل لا يمكن إلا أن تكون حكومة حرب لجيش في غمرة حرب طاحنة، والسلام أو التفاوض ليس وظيفة مستقلة عن إحسان تعبئة موارد الأمة لتعزيز قواتها المسلحة في طريق النصر.
انعقد في دوائر الصفوة السياسة السودانية حفل الشواء التقليدي للدكتور كامل إدريس بعد تسميته من مجلس السيادة رئيساً للوزارة السودانية. وهو حفل أصله في تقاليد الأفندية في الأنس، فمتى أخذوا في اغتياب أحدهم قالوا، بلغتهم، "نفتح فايلو" (ملف خدمته)، أي سيرته. وبلغ هذا الشواء مبلغاً من الفضح حتى تحاذرت هذه الصفوة من تقلّد الوظيفة العامة التي انفتحت لهم باسم التكنوقراط في عهد الرئيس جعفر النميري (1969-1985)، فقال قائلهم إنه ما تسامع الآخرون عن انتداب المرء للوظيفة العامة حتى أخرجوا له خبيئة من عهده الباكر في الثانوي العام:
مهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
وكان كامل صيداً قريباً، فحفظوا ذائعة عنه خلال خدمته في المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تقلّد رئاستها ما بين 1997-2008، وأحسن الأداء، كما لم يستلطفوا منه خروجه للعمل العام منذ تركه تلك المنظمة حتى أنه ترشح لرئاسة الجمهورية في 2010، وحملوا ذلك محمل الإلحاح على نيل الوظيفة العامة لا مناص. وقال أحدهم إن كامل انتظر طويلاً حتى نال بتعيينه رئيساً للوزراء مبتغاه في خاتمة المطاف، وأولوا توزيعه للزهور في الطائرة لبعض مستقبليه بأنه "بمثابة كرامة" الجاه الجديد الذي وقع له بينما كانت باقات الزهر ما جاء بها طاقم الطائرة تحية له. وكان حين نزل أرض الوطن من الطائرة سجد لله فقالوا إنه حمد الله على الوصول إلى ما صبر طويلاً عليه لنيله، مع أن السجود وتقبيل أرض الوطن صار طقساً يومياً، ترى الأمهات يستقبلن به أبناءهنّ العائدين من جبهات القتال، وسبقه الفريق أول عبدالفتاح البرهان لذلك في زيارته الأولى بعد تحرير الخرطوم. ولمح معلق أحدهم في صحبة كامل في الطائرة فلم يقل إنه "كوز" فحسب، بل قال إنه من سيكون سكرتيراً لمكتبه أيضاً، وقِس على ذلك. وما لم يأتِ ذكره على لسان الشواة كتابين لكامل. عرض في "السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل" 2015، رؤيته لبلده، أما الآخر ففي الإنجليزية وعنوانه "أوديستي على النيل"، صمتوا عن الأول وسلقوه بألسنة حداد على الثاني ودليلهم عليه عرض للكتاب في موقع على النت، لا الكتاب نفسه.
جاء تعيين كامل من قبل مجلس السيادة على رأس الوزارة بالسؤال إن كانت البنية نفسها (مجلس سيادة ومجلس وزراء) صالحة في وقت الحرب. فبدأ الصحافي الطاهر ساتي بتثمين قرار مجلس السيادة الذي قضى بتعيين كامل وإلغاء قراره الإشراف على الأجهزة المدنية. وقال إن المجلس وفق في رفع ذلك الإشراف عنه لأنه خضع لابتزازات نافذين في الحركات المسلحة وزعامات قبلية وعشائرية أراد المجلس أن يأمن جانبها في حرب كأداء.
وساق هذا الطعن في مجلس السيادة محللاً سياسياً إلى مآخذ بنيوية في آلة الحكم الحالية في ظرف السودان الحالي، ودعا إلى إعادة نظر جذري فيها. فرأى الخطأ يكمن في الوثيقة الدستورية التي لا تزال هي مناط الشرعية منذ انعقادها بين "قوى الحرية والتغيير" والمجلس العسكري في 2019، فلم يتغير في قوله، الحال في البلد كثيراً فحسب، بل وتغيرت الوثيقة نفسها بالتعديل مراراً أيضاً، فتقلبت بالسودان الأحوال وما هو يزال أسير شريعة عفا عليها الدهر، بل صارت حجة على القائمين بالأمر لا لهم، فاتفق من عارضوا تعيين كامل على سدة الوزارة بأنه عطاء مَن لا يملك لمن لا يستحق، فأصاب العطب الوثيقة الدستورية في نظرهم منذ انقلاب العسكريين على الحكومة الانتقالية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 عطباً ذرى شرعيتها للرياح الأربع. وللتفكير خارج الوثيقة الدستورية التي نفدت اقترح هذا المحلل المختص بإلغائها وإصدار إعلان دستوري جديد، أو الحكم عبر المراسيم الدستورية الموقتة. وأراد بذلك أن يكون القائد العام البرهان رئيساً انتقالياً معززاً بمجلس وزراء رشيق. ووجد المحلل لهذا الوضع المقترح لآلة الحكم، شرعيته في صفة الدولة، منذ الحرب، كحكومة حرب تعبئ طاقة الأمة العسكرية والمدنية والمادية لكسب الحرب. فهي حكومة طوارئ وجد السودان نفسها فيها مكرهاً بينما كان يصطرع لأجل دولة مدنية ديمقراطية. وتلك أمة خلت، والبناء من فوق خيالها وأمانيها سيكون قصوراً من رمل تسفيه الرياح. وفي السلطات الاستثنائية الممنوحة لأولي الأمر في الحرب سواء في الوثيقة الدستورية أو دستور 2005 الانتقالي، بل وما سبقهما من دساتير، ما يجوز هذا الترتيب المبتكر.
بدا الخطاب الأول لكامل مشدوداً بين الحرب، حرب الكرامة في قوله، التي حيّا طوائفها من القوات المسلحة وحلفائها في القوى المشتركة والمقاومة الشعبية وجهاز الأمن والاستخبارات والشرطة، والتزم دعمها في انتصارها على المتمردين، وبين أنه برنامج انتخابي للشعب كأن الحرب واقعة مستقلة عن وعود برنامجه. فوعد بتوفير خدمات الإمداد الكهربائي والماء والصحة والتعليم التي هي كلها في عين عاصفة الحرب. فليست بالناقصة نقص إهمال، بل نقص عدوان. كما بدت وعوده بالتنمية المستدامة ومكافحة الفساد والفقر صدى محكياً عن السياسة العادية لا الحرب التي هي السياسة بطريق آخر. وقوله بمحاربة الفساد صائب لأنه فاح في الدوائر التي هو بصدد الجلوس في سدتها. ولكن الحرب "إفقار" لا فقر، واستدامة التنمية خطّ معلّق إذا كانت التنمية نفسها في عين الحرب. ورغب المرء لو أخذ كامل حقيقة الحرب التي جاء رئيساً لحكومتها بأفضل من صيغة "الحكومة الانتقالية" التي وصف بها حكومتها، وهي صيغة من مخلفات الثورة والثورة المضادة كما تقدم.
وقف كامل طويلاً كما صحّ له عند الدولة والقانون، وتحدث عنهما بعبارة رحبة بإعلائه القانون في الدولة من فوق قضاء ونيابة ومحكمة دستورية لتحقيق العدالة وإنفاذ مبادئ القانون والسلام. وهذا ما جرت العادة بقوله في شرط السلم، والحرب شرط غير. فمتى ما توطّن كامل في حقيقة أنه على سدّة حكومة حرب لجاء من الوثيقة الدستورية الخلافية، التي جاء بموجبها لرئاسة الوزارة، بالمواد من فصلها الثالث 2019 الحاكمة للدولة خلال حال طوارئ الحرب، وتكييف هذه الوثيقة للقانون في حال الحرب ليست في سخاء عبارة كامل عنه كما رأينا.
وليس من حرب إلا أثقلت على الحريات، لا مندوحة. وجدل الحريات المدنية ومقتضيات الحرب ذائع في الفكر السياسي الأميركي وتجدد أخيراً حول توظيف الرئيس دونالد ترمب قانون الأعداء الأجانب 1798 لتنفيذ سياسته في تفريغ أميركا من المهاجرين غير الشرعيين. وابتليت الحريات العامة في أميركا بلاءً شديداً خلال الحرب العالمية الأولى (1916-1919)، فصدر قانونا التجسس 1917، والتمرد 1918 لإخراس أصوات من قاوموا دخول أميركا الحرب. وقال الرئيس وودرو ويلسون إن من يعارضون المجهود الحربي لا بد من سحقهم. وقال القاضي بالمحكمة العليا أوليفر وندل هولمز إن العبارة التي تعترض على الحرب كأن صاحبها يصرخ: "الحريق الحريق" في مسرح حاشد بالناس. وتراجع عن ذلك التشدد لاحقاً وإليه نعزو مفهوم "سوق الأفكار" الذي أذن للمنافسة بين الفكرة جيدها ورديئها. وفي الحرب العالمية الثانية اعتبرت أميركا ترجيحها شاغل الأمن على شاغل كفالة الحرية المدنية في الحرب الأولى، وتعقلت في إدارة التوتر بينهما. ولم يمنع الحذر القدر، فكوّنت أميركا، مع ذلك، لجنة النشاطات المعادية لأميركا في 1938، ثم قانون تسجيل الأجانب 1990، الذي كان بمثابة تجديد لقانون التمرد 1918.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.