أعلن تحالف الدعم السريع عن حكومته في مدينة نيالا. وفي ظهور نادر (مثير للجدل العبثي كالعادة) أمسك قائد الجنجويد، جلاد مذابح دارفور، ومسعر الحرب، ومرتكب الجرائم ضد الإنسانية، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) بيد زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، القائد عبدالعزيز الحلو، محتفيين بإعلان الحكومة الموازية! رئيس وزراء حكومة الدعم السريع عضو مجلس السيادة الأسبق، والمناضل الطلابي القديم، محمد حسن التعايشي أعلن عن تسمية مبعوثٍ لحكومته إلى الأممالمتحدة. وهي بداية تبدو نكتةً لا تستثير الضحك، إنما تستدرّ الشفقة. فالحكومة المعلنة تلقّت تحذيرات أممية ودولية ومحلية من خطوتها المقسّمة للبلد الذي انفجر. لكن حلف "الدعم السريع" لا يعبأ بذلك. فإن كان عجز عن حكم كل السودان، فسيكتفي بالجزء الغربي. وهو هدفٌ لا يزعج الحركة الإسلامية السودانية التي لها النفوذ الأكبر في أجهزة الدولة، العسكرية والأمنية والمدنية، وتتحرّك في مساحة من التحالفات القديمة وشبكات المصالح التي رعاها الفساد 30 عاماً. كما لا يزعج حمَلة أفكار اليمين القومي، الذين يتضاعف عددهم كل يوم، من كل الفئات حتى اليسار. تنتشر أفكار اليمين القومي المتطرّف بسرعة في الجزء المتبقي الذي يمكن أن نسميه دولة السودان. تتفق مصالح هذه الجهات على تقسيم البلاد. وكان أحد اقتصاديي نظام الحركة الإسلامية قد أشار إلى ما أسماه المثلث المفيد، وعُرف بعدها باسمه، مثلث حمدي. تعيش داخل هذا المثلث المجموعات العربية النيلية بشكل رئيسي. وخارجه تنزوي دارفور، وجنوب السودان الذي استقلّ لاحقاً. لذلك، ورغم اعتماد الحركة الإسلامية وقتاً طويلاً على أبناء غرب السودان، إلا أن الانشقاق الذي أحدثه الانقلاب الأبيض على زعيمها الراحل حسن الترابي كرّس نزاعاً بين المجموعات النيلية والمجموعات الدارفورية. ما أطلق لاحقاً الحرب الأهلية في الإقليم عام 2003. خلال السنوات العشرين التالية، أصبح شرخ الحركة الإسلامية أزمة المجتمع كله. وبدأ الحديث عن الحركات المسلحة المموّلة من إسرائيل لمحاربة المشروع الإسلامي في السودان، والتي تريد إقامة دولة عنصرية غرب البلاد لقبيلة الزغاوة. وهي الاتهامات نفسها التي كانت تطلق على الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائدها الراحل جون قرنق. التمويل من إسرائيل، ومن مجلس الكنائس العالمي، والسعي إلى قتل كل العرب في السودان مثلما حدث في زنزبار في 1964. ودفعت الحركة الإسلامية الطلاب والشباب إلى القتال في الحرب الأهلية بالدعوة وبالقوة، تحت مسمّى الجهاد الديني لقتال أعداء الله وأعداء الإسلام. لاحقاً سحبت كل هذه الاتهامات، وحان موعد توجيهها إلى "الدعم السريع". وكما كان التخلّص من جنوب السودان حلّ الحركة الإسلامية القديم منذ الثمانينيات، إذ دعت إلى أسلمة الجنوب أو فصله في حال فشل الأسلمة، ثم لمّا انتهى الجهاد إلى لا شيء، منح الجنوب حقّ الحكم الذاتي ثم مورست ضد ممثليه مضايقاتٌ ممنهجةٌ في الفترة الانتقالية انتهت بإعلان الاستقلال في 2011، كذلك يبدو التخلّص من دارفور حلاً مناسباً للحركة بعد فشلها في الإقليم نتيجة الصراعات العنصرية داخلها. وإذ يقدم حميدتي، الحليف القديم للحركة الإسلامية قبل أن تبول بينهما الثعالب، والحامي للرئيس الأسبق عمر البشير قبل أن يغدر به، واليد الباطشة للجيش في دارفور ضد الحركات المسلّحة والمجتمعات الأفريقية قبل أن يطالب برأس قائد الجيش ويحاصره في مبنى قيادة الجيش، يقدّم هذا الحل الذهبي لخصومه، فإنه يأمل أن يقبلوا به، فقد بلغ الرجل في مغامراته أبعد مما كان يتخيّل. ولم تعد خياراته واسعة كما كانت، إنما ضاقت على عنقه. لذلك يقدم على مناورته الأخيرة، بذوبان "الدعم السريع" في "جيش حكومة السلام"، حكومته التي لها مبعوثٌ في الأممالمتحدة، من دون اعتراف من الأممالمتحدة! مثل ولاة الجيش وولاة "الدعم السريع" الذين لا يسيطر أحدهم على مساحةٍ يقف عليها في الولاية التي يحكمها اسمياً. لكن حميدتي، كعادته، يقدّم عروضه مصحوبة بتهديد "هذا أو الفوضى". لذلك يسابق الزمن في تسليح قواته، وإنْ صحّ أنه أجرى صفقة طيران، فهذا فصل جديد من الخراب.