معتصم الشعدينابي.. [email protected] لا نكتب عن معاناة الطفلة عائشة عز الدين عبد العال، من باب المواكبة لموجة الهجوم أو الثورة على الأطباء ووزير الصحة فقط، وإنما محاولة لصد الهجوم المتواصل من الدولة وأجهزتها الصحية ابتداء من ابوقردة في الاتحادية الى سامية في نهر النيل ومامون حميدة في الخرطوم، على المواطن من عمر يوم الى 100 عام. وللأسف فإن ما يكتبه الصحفيون في الصحف والمجموعات المتخصصة والصفحات العامة على الانترنت، أصبح لا يؤثر كثيراً على المسؤولين في الدولة على أعلى المستويات والذين لا يقدرون هذه المسؤولية. فتحولنا نحن الصحفيين الى مجرد (عرضحالجية) يفشون غبينة أهلهم واقاربهم وبعض القراء ولا يوجد اي صدى لكتاباتهم سوى تعليقات (ولايكات) على الفيس بوك، بالرغم من ان كل المسؤولين يقرأون الصحف لكنهم يحتفظون بحق الرد كعادتهم في الهزائم والانتهاكات الكبيرة. فالإهمال الطبي الذي تفشى في البلاد سببه الرئيس عدم المساءلة والمحاسبة وعدم المحاسبة هذا يعود بالطبع لفساد المسؤولين المشغولين بفضاءاتهم واستثماراتهم الخاصة التي لا يحتملون إغفالها ولو لبضع دقائق ولا يكلفون انفسهم حتى عناء الرد على الاحتجاجات. معاناة الطفلة عائشة بدأت بمنطقة المسياب بالدامر وهي ذات المنطقة التي يعيش فيها والي نهر النيل الفريق الهادي عبد الله، والدامر هي عاصمة ولاية نهر النيل. وبدأت رحلة الألم للطفلة عائشة بإبتلاعها لحبة فولة او نصفها دخلت في الرئة واحدثت ضيقاً في التنفس، فنقلها أهلها الى مستشفى الدامر الحديث والذي احتفل والي نهر النيل بافتتاحه على يد رئيس الجمهورية قبل أيام، وما كان من الفتيات المناوبات الا ان وجهن بتحويل المريضة الى عطبرة لعجزهن عن فعل أي شئ لإنقاذ الطفلة التي تزداد حالتها سوءا مع كل محاولة للتنفس ولم يفعل أطباء مستشفى عطبرة شيئاً سوى كتابة وريقة صغيرة هي عبارة عن أمر تحويل لحوادث مستشفى الأنف والأذن والحنجرة بالخرطوم، علماً بأن المسافة بين عطبرةوالخرطوم تزيد عن (300) كيلو متر ، قطعتها اسرة عائشة في ذات المساء تسابق انفاسها علها تجد الشفاء في العاصمة. وبعد ان وصلت الطفلة الى حوادث الانف والاذن والحنجرة بالخرطوم بعد منتصف الليل لم يتم اسعافها سوى بحقنة واحدة نالتها بعد (مساسقة) طويلة بين مكتب الطبيب المناوب والممرضات والعنبر والصيدلية. وبعد كل هذه المعاناة ورحلة السفر قرر المختصون ان يتم تنويم الطفلة بهذه الحالة (وللصباح الله كريم) وبعد ان قبلت الاسرة مضطرة هذا الحل لم تجد لها سريراً حيث كان (كل الناس اتنين اتنين) في السراير .والأدهى ان الطبيب (المناوم) اقصد المناوب رفض ان يفتح باب غرفته ويقطع نومته ليستمع لشكوى اهل المريضة من جديد وكيف لطبيب مثله ان يلتقي المريض اكثر من مرة، ولم تجد الاسرة حلاً فعادت بها بعد كل هذه المعاناة الى المنزل وكان هذا مساء الثلاثاء 26 فبراير 2013م. وكانت عائشة حتى ذلك الوقت تعاني وتبحث عن (جرة نفس) والحمد لله الذي كتب لها مواصلة الحياة بصورة مريحة بعد ان اجريت لها عملية جراحية مستعجلة بمستشفى الدوحةبالخرطوم صباح الأربعاء وهي تتمتع الآن بنعمة الصحة وتنفست اسرتها الصعداء. ولكن كم من عائشة فارقت الحياة لأن اسرتها لا تستطيع دفع رسوم العملية في مستشفى خاص؟ ولو أن الأمر بيد مامون حميدة ووالي الخرطوم لماتت عائشة في ظل هذا الاهمال المتنامي، ولو ان الامر بيد والي نهر النيل الذي يبحث عن استثمارات جديدة للولاية في الخليج واطفال ولايته لا يجدون من يسعفهم لما عاشت عائشة لساعات، أما كان الأجدر بالوالي ان يستثمر في الحقل الطبي لينقذ مواطني ولايته الموبوءة بدلا من هذه الاتفاقيات الوهمية التي لا نرى لها أثرا على ارض الواقع، وكيف تحتفل الدولة بإعادة افتتاح مستشفى لا يستطيع إخراج فولة من رئة طفلة فتعيد لها الحياة، ترى من سيوقف هدير قطار الاستهتار الصحي بالعباد وهل ستكون الطفلة عائشة هي المحطة الاخيرة؟ لا أظن.