كمال كرار اجتمع مسؤولو الزراعة في الجزيرة مع نظرائهم في سنار بحضور مراقبين من البحوث الزراعية وخبراء يابانيين ، فماذا يا تري بحث هذا الاجتماع العاجل والهام في هذا المنعطف الزراعي ( التاريخي) ؟! قد يقول المتفائلون أن الاجتماع كان مخصصاً لإخراج القطن من كبوته ، وأن علماء البحوث السودانيين واليابانيين اكتشفوا طرقاً جديدة لتقليل تكاليف القطن طويل التيلة وزيادة إنتاجيته ، وقد يقول آخرون أن اليابان اكتشفت فوائد ( البليلة) الصحية ، وأن برنامج اليابان لمكافحة الملاريا في العالم يعتمد علي حبة ( العدسي) بدلاً عن الكلوروكوين ، وأن الاجتماع المذكور ناقش مسألة تحوير بذرة العدسي ، أسوة بالقطن المحور الذي يراد به أن يوسّد المزارعين الباردة كما توسدها الهنود من قبلهم . لسوء الحظ لم يناقش الاجتماع أياً من الموضوعين ولكنه ناقش مسألة تطوير زراعة الأرز – يعني الرز بالدارجي – ولأن السدنة لاتعنيهم قضية تنويع الأنماط الاستهلاكية ، وليس في بالهم أن يأكل ناس الجزيرة (محشي) بدلاً عن العصيدة ، أو أن يفطر ناس سنار بالفتة والكبسة بدلاً عن الملاح والكسرة ، فإن الاجتماع ( قطع شك) ذو علاقة بتوفير الغذاء للشعب الياباني . وعلي ذلك فإن استراتيجية السدنة والتنابلة الزراعية تقوم علي فكرة إجبار المزارعين علي زراعة الأرز من أجل التصدير لطوكيو ، ويمكن لمن يشتهي العصيدة بعد ذلك أن يحصل علي ( الفتريتة ) من البقالات الراقية بسعر خرافي . وبينما ستحصد الملاريا سكان سنار والجزيرة بسبب أسراب البعوض التي تحب السكن في مياه حقول الأرز ، سيستمتع الموردون والمصدرون بفوائض القيمة ، وسماسرة آخرون سيستمتعون بالعمولات التي ستدفع لهم بالين الياباني ، وبعض الأرزقية سيفتحون فصولاً لتعليم اللغة اليابانية لغير الناطقين بها في بركات والحاج عبدالله . ولو قال أي زول لماذا ننتج الغذاء للآخرين ونستورد القوت الضروري من الخارج فسيعتبر طابوراً خامساً يهدد مصالح السدنة وطموحاتهم السياسية والمالية . يقول الإنقاذيون في مجالسهم الخاصة أن الثورة لا يصنعها الفقراء و ( الشحادين) وبالتالي فهم في مأمن من التغيير ، ولكنهم نسوا قصة روبسبير ، الذي كان يهوي الإعدامات وبيوت الأشباح ، كما كان يحب أكل التفاح . رووا أن ذلك السفاح أعدم ستة ألف زول في ستة أسابيع ، فلما زنقوه في دار البلدية لم تنفعه زوبة اللهلوبة ولا علوية الساكنة في المنشية ، ولا الجملة الاعتراضية التي تقول ( إذهب إلي القصر رئيساً وأنا سأذهب إلي القطية )