انطفأ نجم القاعدة ليسطع في سمائنا الكئيبة نجم داعش. كان هناك يوما ما عرب افغان، اليوم صار علينا ان نستقبل في ديارنا المنتهكة والمسبية الافغان العرب. سيل من الضربات صارت تسقط على رؤوسنا في كل مكان من هذا الشرق الذي لم يعد مكانا صالحا للعيش الآمن لأهله التاريخيين، وهو الغني بثرواته الطبيعية التي سبق له وأن استثمرها في الفساد وتخريب الضمائر واشاعة الحروب الاهلية. فيما ظل التعليم يتعثر والمجتمع المدني مغيب وصحة الناس تتدهور والفقر يعشعش في العقول وبين طيات الثياب وفي العيون والافواه. في ما مضى أقمت لسنوات في الدوحة ورأيت بام عيني كيف كان ائمة المساجد يجمعون الاموال من اجل دعم طالبان. فعلوا ذلك من أجل عيني الشيخ اسامة بن لادن الذي حين قُتل لم يذكره أحد منهم. كرهوا الروس وأحبوا بن لادن. هل تستقيم معادلة من هذا النوع؟ كان الرجل الحاقد على الحياة الحديثة ينطق باسم الشر كله وهو الذي قسم البشر بين جبهتين، قتالهما قدر الهي. وهو بالضبط ما آمن به جورج بوش الابن وهو يعلن عن نظريته المشؤومة "مَن لم يكن معنا فهو عدونا". لقد ولدت يومها كذبة الارهاب وكذبة الحرب عليه. لم يكن الحياد ممكنا. كان على العالم أن يختار أحد الشرين: اما مع بن لادن وأما مع جورج بوش الابن. أقتيد العالم مثل خروف إلى الذبح في مجزرة يتقاسم ملكيتها الرجلان اللذان زرعا القنابل في أحذية المسافرين. كان بن لادن قد نجح في أسطرة مروره القبيح بالتاريخ رجلا كرهته البشرية التي لم تحب عدوه للأسباب نفسها. لقد ترك بوش حين غادر البيت الابيض وراءه مئات الالوف من القتلى والارامل والايتام وبلدين لن تقوم لهما قائمة، بعد أن صارا نهبا للفساد والفوضى وفكرة القتل المفتوح. كانا عدوين في الأقوال وصديقين في الافعال. لقد حملا العالم كله عبء حرب ليست لها اهداف محددة لتنتهي بتحققها. حرب خُطط لها أن لا تُختم بانتصار أو هزيمة. وكما يبدو فان أحدا من طرفي تلك الحرب لن يستغني عن الآخر. وهي حرب لا تغادر الخرائط التي رُسمت لها. بعد مقتل بن لادن والذي عده الرئيس الاميركي اوباما نصرا في لحظة نفاق نادرة في تاريخه الشخصي فقد تنظيم القاعدة بريقه. لم تنفع خطابات الظواهري في استعادة شيء من ذلك البريق. طالبان وحدها كانت تكفي لملء المشهد المأساوي في أفغانستان. ولإن المشهد في سورياوالعراق كان ناقصا فقد جرى الاتفاق على ملء ذلك النقص بداعش، وهو وارث القاعدة وممثلها في بلاد ما بين النهرين. انتهى عصر القاعدة ليبدأ عصر داعش. جيل جديد من المجاهدين الذين تم تجميعهم من مختلف انحاء العالم ليكونوا رسلا للموت والظلام والفقر والقمع والتمييز الديني إلى مناطق كانت تاريخيا تنعم بتنوعها الديني والعرقي والمذهبي. سيذكر التاريخ أن العالم العربي برمته عاش عصر داعش الذي إن طال أو قصر فانه سيكون مؤشرا على حالة الانهيار الداخلي التي عاشها العرب بعد أن فقدوا القدرة المستقلة على صنع مصائرهم بأنفسهم. كانوا تابعين في كل شيء فجاءهم تنظيم داعش ليرهق وجودهم بالمزيد من التبعية. وإلا ما معنى أن يستنجد بلد مثل العراق يفوق عدد سكانه الثلاثين مليونا بالأمم المتحدة لانقاذ مواطنيه الذين وقعوا في قبضة داعش؟ هل يستحق بلد من ذلك النوع أن ينظر إليه باعتباره دولة مستقلة، ذات سيادة؟ لقد أثبت تنظيم داعش أن تلك السيادة لم تكن سوى كذبة. في ظل تلك السيادة الصورية كانت القاعدة قد سلمت مصائر الناس الغارقين في خرافاتهم إلى داعش التي قد تسلمهم إلى تنظيم جهادي جديد سيتم استخراجه من ثقافتهم الدينية الصدئة. يُخيل إلي لو أن مجرمي داعش كانوا يعيثون في الارض فسادا بعيدا عنا لهب ائمة المساجد لجمع الاموال لهم. فاروق يوسف