د. فيصل عوض حسن وفقاً ل(سونا) وغيرها من وسائل الإعلام، احتفل المجلس القومى للصحافة والمطبوعات يوم الأربعاء الثالث من سبتمبر 2014، بإعلان ما وصفوه ب(جوائز) ال(تفوُّق) ال(صحفي)، بحضور أحمد بلال عثمان وعلي شمو و(الفاتح عروة)، وبعضٌ ممن يُطلق عليهم (قادة) العمل الإعلامي والصحفي والأكاديميين والخبراء ورؤساء التحرير والصحفيين! تحدث أحمد بلال ك(عادته) حديثاً (خيالياً) و(بعيداً) عن الواقع، مشيراً ل(تحديات) تواجه صناعة العمل الصحفي (دون تحديدها تفصيلاً)، (مُتَّهماً) كثافة المعلومات وتقدم الاتصالات ب(أكبر) مهددات الصحافة والأمن المجتمعي! ولم يبعد علي شمو (كثيراً) عن (سابقه) بلال بالحديث العام (غير المحدد)، كالحديث عن ال(تقنية) وال(مضمون) وال(عدد) وال(تأثير)! وغيرها من المُصطلحات العامة، ومن ذلك ما ذكره (نصاً): الأوضاع الاقتصادية التي يجب العمل (على تطويرها) حتى تصبح المؤسسة الإعلامية مؤسسة متكاملة! و(ضرورة) قيام الحكومة بمساعدة الصحافة ل(بناء) مؤسساتها، حتى تتفرغ للأهداف التي تلعبها كبناء الأجيال التي تسهم في تكوين بيئة متكاملة ومتنوعة! دون إشارة إلى كيفية هذا (لا صراحةً ولا ضمناً)! بذات ال(سبهللية) تحدث الفاتح عروة عن ال(دور) ال(رائد) لل(صحافة) السودانية في التثقيف والتعليم، و(تطوير) الأنماط السلوكية للمجتمعات! بما (يدفع) ل(تكريم) ال(متفوقين) تقديراً لما (يؤدونه من أعمال ذات أهمية وكبيرة)!! منبهاً ل(أهمية) مُجابهة الفضاء الإلكتروني والشبكات العنكبويتة التي أصبحت ذات تأثير سالب على ال(دور) ال(خبري) لل(صحافة)! أما قمة ال(تضليل) وال(لعب) بالألفاظ، فقد مارسه رئيس لجنة الجوائز بمجلس الصحافة، حين ذكر (نصاً) بأن الجوائز أضحت معلماً بارزاً وثمرة من ثمار أعمال هذه الدورة (يمدح مجلسه)! وتقف (شاهداً) على (رسوخ) ال(معايير) التي وضعها خبراء واكاديميون لتطوير الطرق الموضوعة لإختيار المتفوقين! الأمر الذي انعكس على تنامي الإقبال على الجائزة و(رعايتها) من قبل جهات متعددة (كبرى)، تسهم في تطوير الأداء الصحفي المهني!! بربكم ماذا فهمتم من هذا؟! تساءلت مع نفسي، ألا يرى صانعو ال(دهشة) بالعصابة الحاكمة في السودان، والذين أفقدونا القدرة على الدهشة، ما يفعلونه من تشوهات واختلالات في القيم والمفاهيم والأصول الإنسانية عامة، والسودانية بنحوٍ خاص؟! ألم (يَأنِ) لهم الوقوف ولو (لمرة) واحدة في لحظة صدق مع ذواتهم ويسألوها و(يحاسبوها) عما فعلوه (بها) و(بنا)؟! نقول للذين نافقوا في الكلمات أعلاه، ما هي ملامح ال(تفوُّق) التي حققها من أحتفيتم بهم ومدى مُساهمتها في مُعالجة ال(اختلالات) وال(تراجعات) التي يشهدها السودان في كافة المجالات والأصعدة؟! وما هي المعايير التي وضعها أولئك ال(خُبراء) المزعومون ومدى ارتباطها بالرسالة ال(حقيقية) للصحافة بالمنظور ال(شرعي) والإسلامي الذي تتدثرون خلفه وتحت غطائه (زوراً) و(بُهتاناً)! أو من المنظور الوضعي والإنساني وال(أكاديمي) وال(مهني) وال(صحفي) العام؟! فالصحافة ال(إسلامية) ال(حقيقية)، يتحتم عليها اعتماد ال(صدق) منهاجاً، والابتعاد عن ال(نفاق)! وعليها ال(دفاع) عن قضايا الأمة وكشف نقاط الضعف والقوة، وتوعية وتثقيف وتوجيه المواطنين! على أن يتولى أمر هذه ال(صحافة) الأكفاء (شرعياً) و(أخلاقياً) و(مهنياً) و(أكاديمياً). فالصحافة وفق المنظور الإسلامي، تعمل على تصحيح المفاهيم وغرس القيم ومخاطبة العقول، وتعبر عن آمال المُجتمع وطموحاته. ومن المنظور ال(مهني) وال(أكاديمي)، فإنَّ الصحافة من أهمَّ أدوات التأثير على المجتمع بمختلف فئاته ومشاربه، كمهنة رسالية سامية تخدم كافة قطاعات المجتمع بما فيها ال(سلطة)، من خلال النقد وتسليط الأضواء على النواقص وكشف التجاوزات وأوجه القصور، ثم طرح المعالجات والمقترحات بالآراء المستنيرة والأفكار البنَّاءة والرصينة للإعلاميين والقراء (أفراد المجتمع) على حدٍ سواء، وتوسعة قاعدة المشاركة. وما جرى من مسرحية (سخيفة) و(سيئة) ال(إخراج) تحت مُسمَّى (جائزة التفوُّق الصحفي) يدفعنا (دفعاً) لنتساءل عن رؤية الدولة والقائمين عليها وفهمها ل(مفهوم) الصحافة ومهامها؟!. فبالعودة للأنباء أو القضايا التي نشرتها الصحف خلال الفترة الماضية، نلحظ غيابها (أي الصحف) الواضح عن (واقع) الوطن ال(جريح) وال(مُتراجع) في كافة الأصعدة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ورياضياً وصحياً، نتيجة للارتباط الوثيق بين عصابة الخرطوم الحاكمة وبين الصحف، حيث تنتقي العصابة ما تصفهم بال(خُبراء/خوابير) وال(مُحلِّلين) ل(يتناولوا) توافه ال(أمور) و(ساقط) الأحداث والمواقف، بإيعاز منها وتحت مراقبتها وإشرافها (أي العصابة الحاكمة)! وبمُجرَّد إشارة (بعض) ال(شرفاء) لل(حقائق) التي تعمل العصابة وآلتها الإعلامية على إخفائها، نتلمَّس و(بوضوح) ضيق (صدر) هذه العصابة و(أذنابها)، بما يُعزٍّز القناعة ب(انحطاط) الصحافة و(عدم) قيامها بمهامها الرقابية والإصلاحية! فعصابة الخرطوم الحاكمة بقيادة البشير ومن تبعه، هم المسيطرون الفعليون على مسار الإعلام بوجهٍ عام، وبالتالي مهام ورسالة الصحافة، التي دمروها تماماً و(رسَّخوا) لقيم أكثر (انحطاطاً) لها، بدايةً باختيار قيادات غير مُؤهَّلة (أخلاقياً) و(شرعياً) و(أكاديمياً) و(مهنياً) لتسيير و(إدارة) مؤسسات الإعلام عامة، والصحافة بوجهٍ خاص، مما انعكس على الأداء العام للصحافة السودانية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: 1. التعاطي الإعلامي عموماً وال(صحفي) بوجهٍ خاص، مع أحداث سبتمبر الماضية وذكراها السنوية حالياً. 2. تعاطي الصحافة مع المُشكلة الاقتصادية للسودان. 3. تعاطي الصحافة مع النزاعات القبلية والجهوية بالسودان وآخرها بين المعاليا والرزيقات. 4. تعاطي الصحافة مع اعتقال الصحفيين وإغلاق الصحف. 5. في ما عدا الأستاذ محجوب محمد صالح، كم هم رُؤساء التحرير ال(مُؤهلون) علمياً ومهنياً لهذا المنصب؟!! 6. وزير الإعلام نفسه هل هو مُؤهل (مهنياً) و(أخلاقياً) لهذا المنصب؟! 7. الانحطاط المهني المُزري للصحافة ممثلاً في التطبيل وال(نفاق) لمن هم في السلطة ثم الانقلاب عليهم.. ولي في هذا تجربة (شخصية) مع أحد الذين أصبحوا (رُؤساء) تحرير في غفلة من الزمان، أو فلنقل زمان الانحطاط، وثمَّة شهود لا يزالون أحياءً وفي صحيفة مشهورة ومعروفة! قالها لي بالحرف (أرجوك يادكتور ما عايزين أي كلام ضد فلان دة وكان وزيراً يعتمد في عمله على الإعلام)، وفي الأسبوع الثاني للإطاحة به من الوزارة كتبت ذات الصحيفة (مين شييت) :…. تكشف عن تجاوزات مالية وإدارية في وزارة …..!!!!!!!!!!! 8. تعاطي الصحف مع تجاوزات (وقلة أدب) أفراد ورموز عصابة الخرطوم الحاكمة في حق الشعب السوداني (وما أكثرها)، ومن أبرزهم وزير الصحة بولاية الخرطوم، بعدما استنكر كل ذي بصيرة و(أخلاق) أحاديثه و(وقاحاته) ال(مُتعددة) وال(مُتكررة)، بدايةً بتسبُّبه في موت آلاف الأنفس البريئة من أطفالنا، وفلذات أكبادنا وتشتيت شملهم وشمل من يرعاهم (صحياً)، مروراً بالقصور الإداري والمهني الواضح الذي يعتري المؤسسات الصحية، ليس فقط بولاية الخرطوم، وإنما التي يمتلكها هو نفسه (أي الوزير)، انتهاءً بحديثه ال(وقح) عن أكل الضفادع وسخريته من التعاطي الأسفيري لها، مع خزي وتراجع وصمت قبيح ومُخجل لما يسمى صحافة! من غير الذكاء جعل الصحافة نصيرة للسُلطة الحاكمة، لأنها بالأساس سلطة رقابية ولا يستقيم عمل السلطة الرقابية تحت ظل السلطة التنفيذية، وهو أمرٌ لا يستقيم حتى في إطار المؤسسات الخاصة فما بالكم بالدول؟! وبدلاً ال(حركات) ال(هايفة) تحت مسمى (جائزة التفوق الصحفي) وغيرها، قوموا ب(تقييم) و(تقويم) الصحافة، وفقاً للمعايير الموضوعية التي وضعها العالم ال(محترم) في هذا الخصوص! وهذا لا يعني إطلاقاً أنَّنا (نرغب) في صحافة جامدة دون تنوع أو تغيير، بقدر ما نسعى لصحافة (نزيهة) و(مُتقدِّمة) و(مُتطورة) وتعمل في إطارٍ من قيم الحق والخير والصدق والجمال، لا تؤذي عقلاً، ولا تهضم حقاً، ولا تجرح نفساً.