مشكلتنا كسودانيين أننا دائما ما نقع في تناقضات سهلة مع بديهيات. البديهي أن الثورات العظيمة والجذرية لا تتم مطلقا في أجواء مشحونة بطرائق وأساليب وتنافسات ومكايد السياسة وألاعيبها. قد يسرق السياسيون الثورات بعد نضوجها في اماكن واوقات أخرى لكنهم عندنا هنا وفي نضالنا السرمدي ضد هذا النظام الممعن في السوء والإجرام يأكلونها قبل أن تصل لنهايتها المنطقية باسقاط النظام. كان لابد من هذه المقدمة لتنبيه كثير من القراء الذين يعتقدون أن الثورة والسياسة كلمتين بينهما ترادف او اشتراك في المعنى أو بعضه إنهما منفصلتان تماما أما بالنسبة لما حدث مؤخرا بالجبهة الثورية فقد ظل الخبر يستفزني وما يتقافز حوله من أحداث وتداعيات لاكتب عنه ولأتجاهله بذات الشدة فأحاول الهروب بالكتابة تجاهلا أو بالتجاهل كتابة فهل يجدي؟ جميل جدا أن القوم صاروا يتداولون أخيرا ً في خطاباتهم ونقاشاتهم ومناحاتهم أدبيات واصطلاحات من أمثال التداول والتعاقب السلطوي على المؤسسات الحزبية والجبهوية وصولا للتداول والتعاقب السلطوي المؤسسي على سدة الوطن. وجميل لأنهم لم يكونوا يفعلون قبلها. كانوا إذا اختلفوا أو تباينت مواقفهم فجأة لجأوا سراعا إلى قواميس اسطورية مفزعة وفظيعة فالعافية درجات إذن. وجميل – أكثر – لأن هذا التداول المفاجيء سيحيلنا إلى أن نرجع البصر سبع كرّات ونصف ونتساءل : هل يلتزم القوم الآن – أو بعد قليل – بهذا التداول والتعاقب الواجب؟ لقد قالت حركات دارفور (المظلومة من النظام العدو والمراقب الشعب والأخ الأكبر الحاء شين – الحشاش الملا شبكتو – والظالمة أيضا لنفسها ولمن تتحدث وتكون وتغني وتحيا وتموت باسمهم – المهم !) أن الأخ الأكبر لم يلتزم بمبدأ تم اقراره في النصوص المؤسسة للجبهة الثورية يلزمه بتداول وتعاقب تلقائي لمنصب (أو تكليف) رئاسة الجبهة الثورية. ولا تنكر دفوعات الحاء شين – أو من يمثلونها سلطويا الآن – ذلك ولكنها تبرر التنصل من هذا الالتزام بمبررات لن ترقى على المستوي التاريخاني البعيد والمتوسط من إقصاء الملامة عنها وإن كان هؤلاء المبررون الحاشينيون السلطويون صادقين مائة بالمائة. فما باكم والأمر في أوله وآخره (سياسة) وليس (ثورة) [ يعني معقولة نحن لا بنعرف السياسة ولا بنعرف الثورة كمان؟ ] سوف لن تبتعد الملامة تمام الابتعاد عن الرفاق في حاء شين بداهة أن ثمة تداولا نقاشيا كثيفا وعالي الصوت قد تم حول (تداول السلطة) وهذا هو بهاء كامن في هذه المقادير والأحداث الكالحة لا يعلمه إلا الله والذات الجمعية لهذا الشعب والراسخون في العدل وقليل ما هم ! سيدعونا الأمر بتجلياته هذه إلى التساؤل المريض (بالغد) والعريض بغير حد : هل يلتزم القوم في الحركات الدارفورية وفي اختهم الكبرى حاء شين قدس الله سرها وسر خبراتها السياسية الباتعة بتداول سلمي ما للسلطة؟ هل يتسنم المثلث الرفاقي النبيل ع ع ح : عقار عرمان الحلو قمة السلطة والتحدث والكون والفعل باسم الحاء شين؛ أضخم وأقوى تنظيم سياسي سوداني الآن برضا وشرعية وتداول وقبول و "سلاسة" ؟ ليتسنى لهم ولا يصعب عليهم التصرف مع المكون الجبهوي الأكبر بما يوافق وجودهم السياسي السلطوي المعافى ذاك ؟ لا وألف لا. هكذا يقرر الواقع المرير متثائبا لينام مرة أخرى ويترك التساؤل مؤرقا متلفتا إلى تشكل الحركات الدارفورية الذي لا يحظى بكل تأكيد بما " بكى من انعدامه" في الجبهة الثورية. فإلى أين نحن جميعا ذاهبون إذا لم يكن هو محض (الثورة) بعيدا عن هذه الزقاقات (السياسية) التي لا تشبهها من قريب ولا من بعيد. ونحن هنا لا نتناقض. فالقوم في الجبهة الثورية ومكوناتها يمثلون عندنا اجسام سياسية وليست ثورية بالمعنى. لهذا نفرح بترقي الوعي السياسي لديهم. هذا الوعي الذي سيتنزل بالضرورة نورا على القواعد المرتبطة بهم انتماء او تعاطفا او محبة أو تاييدا الخ وبالتالي ستنتفتح ابواب كثيرة لقيام ثورة واعية تؤتي ثمارها خيرا وعدلا وسلاما ورفاهية على البلاد والعباد بكل تأكيد قلنا في مقام غير هذا أن التسويات والانشقاقات ما هي إلا ربيع للعاطلين من محبة الوطن ومحبة الخير والعدل لأهله أجمعين، وغواصات النظام، وأبواقه ومن لف لفه من الذين تعلمونهم أو لا تعلمونهم. مع ذلك لن نُذهب أنفسنا حسرات على حلم سوداني متكامل نام في دواخلنا اتخذ بعضا من ملامحه في اجتماع القوم على جبهة ثورية واحدة سواء حينا من الوقت. لقد كنا طيلة هذه السنوات القليلة ندعو ونتمنى أن يذهب هؤلاء المسلحون خطوات أخرى نحو الوطن ومصالحه العليا بالاتفاق على هيكلة نظامية موحدة لقواتهم وجيوشهم لفائدة الغد الوطني الذي لا يمرضنا ولا يقتلنا حرضا سواه. لكنهم بدلا من أن يفعلوا غرقوا في مواصفات تخصهم لا تنتمي لغير الأمس وأفاعيل الغواصات بداخلهم . وأيا يكن من أمر فهاهم يذهبون رغمنا ورغم بعضهم بعضا إلى ما لم يختاروه مريدين؛ سودان يعلي شئنا أم أبينا من معنى كامن في كلمات قديمة مفادها أن القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له. على الحاء شين ممثلة في هذه القيادة الانتقالية المكلفة، أو فيما يشاء مقبل أيامها، أن تراجع مواقفها الحالية من (ممثلي) الهامش السوداني الدارفوري وعلى ممثلي هذا الهامش (شديد المركزية) في تماسك ما بقي من وطن أن يعوا أن دارفور ليست الجنوب وفصلها عن السودان أشبه بفصله جميعه عن الوجود وعلى الجماهير السودانية الحليمة الحبيبة العظيمة أن تؤكد من جديد. مثلما فعلت في سبتمبر 2013 وفي ابريل 2015 أنها فوق جميع (الصغار) علينا جميعا الان أن نخرج مارد الثورة من قمقم السياسة لنكون وليكون السودان. والأطفال يا فاطمة بغنوا الأفراح لابد من ترجع والاحلام الدونك فاتت لو واصلنا صباحا بيطلع.