السودان.. خبر سعيد للمزارعين    معتصم جعفر يصل مروي ويعلّق على الحدث التاريخي    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    البرهان يضع طلبًا على منضدة المجتمع الدولي    بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم رقصة مثيرة أثناء إحيائها حفل خاص وتتفاجأ بأحدهم قام بتصوير اللقطة.. شاهد ردة فعلها المضحكة    الدعم السريع يشدد حصار الفاشر بحفر خنادق عميقة حول المدينة    بحضور رئيس مجلس الوزراء ووالي ولاية البحر الأحمر... "زين" ترعى انطلاقة برنامج "قرع الجرس" لبداية امتحانات الشهادة السودانية    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه "مالك"    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    تمت تصفية أحد جنود المليشيا داخل مدينة نيالا بعد أن وجه إنتقادات حادة للمجرم عبدالرحيم دقلو    ذكري 30 يونيو 1989م    دبابيس ودالشريف    ملك أسبانيا يستقبل رئيس مجلس السيادة السوداني    باريس سان جيرمان يكتسح إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    السجن المؤبد عشرين عاما لمؤيدة ومتعاونة مع مليشيا الدعم السريع المتمردة    وصول الطاقم الفني للمريخ برفقة الثلاثي الأجنبي    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    بعد ظهور غريب..لاعب الهلال السوداني يثير جدلاً كبيرًا    "مخدرات في طحين الإغاثة".. مغردون يفضحون المساعدات الأميركية لغزة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    الجَمْع بَينَ البُطُولَتين    رونالدو: الدوري السعودي أحد أفضل 5 دوريات في العالم    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    حادثة هزت مصر.. تفاصيل حزينة لمأساة "فتيات العنب"    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تغازل عازفها الجديد في إحدى حفلاتها الأخيرة وجمهورها يرد: (مؤدبة ومهذبة ومحتشمة)    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    "سيستمر إلى الأبد".. ترمب يعلن بدء وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجموعة السودانية للديمقراطية اولاً : اللحوم (الكيري) بمدينة ود مدني: إهمال وفساد
نشر في حريات يوم 18 - 11 - 2015

اللحوم (الكيري) بمدينة ود مدني: إهمال وفساد
تحتل اللحوم الحمراء وخاصة لحوم الأبقار والضأن مركزاً متميزاً في الثقافة الغذائية السودانية، الأمر الذي قاد إلى الإقبال الكثيف على شرائها بالرغم من ارتفاع أسعارها قياساً بمستوى دخل الفرد في السودان. فمدينة ود مدني (موضوع هذه القصة) تستهلك في اليوم عدد 14285 كيلو من اللحوم الحمراء، تمثل لحوم العجّالي 79% من جملة هذا الاستهلاك، بينما تبلغ نسبة لحوم الضأن 21%، بحسب تصريح مسؤول في اتحاد الجزارين بالمدينة.
هذه اللحوم قبل أن تصل إلى المستهلك يفترض أن تخضع إلى الكثير من التدابير والإجراءات التي نص عليها قانون تفتيش اللحوم لسنة 1997 الصادر من مجلس ولاية الجزيرة التشريعي، فهذا القانون يمنع في المادة رقم (4) الفقرة (1) ذبح أي لحوم معدة للاستهلاك الغذائي خارج المسالخ والتي تعرف في السودان اصطلاحاً ب"السلخانات"، كما يمنع في نفس المادة في الفقرة (4) ذبح الإناث من الحيوانات إلا في حالات خاصة. كذلك يحظر هذا القانون في المادة (5) عرض أي لحوم للبيع ما لم تخضع للفحص البيطري وتحمل الختم الرسمي للسلطات البيطرية، ويقر هذا القانون عقوبات على مخالفة مواده تصل إلى السجن لمدة لا تتجاوز العام بالإضافة للغرامة المالية التي يحددها القاضي، مع إبادة اللحوم موضوع المخالفة.
ولكن بالرغم من هذه النصوص القانونية المحكمة رصدنا بمدينة ود مدني بولاية الجزيرة وضعية إفسادية في هذا المجال، تتلخص في قيام بعض متاجر اللحوم (الجزارات) بعمليات ذبيح خاصة خارج المسلخ والأماكن المخصصة للذبيح، وعرض اللحوم الناتجة من هذه العمليات للبيع دون أن تخضع للفحص البيطري وهي ما يعرف اصطلاحا ب"اللحوم الكيري"، حيث تتم عمليات الذبيح في أماكن خاصة بهذه المتاجر دون أن تتعرض هذه المتاجر لأي مساءلة من السلطات البيطرية في المدينة، بسبب الإهمال الحكومي أحياناً، وبسبب تواطؤ وفساد أفراد السلطات البيطرية المسئولين عن التفتيش الميداني لمتاجر اللحوم والمطاعم أحيانا أخرى.
تعرض هذه اللحوم للبيع بواسطة العديد من متاجر اللحوم بالمدينة، حيث استطعنا رصد 7 متاجر منها موزعة على مختلف أحياء المدينة، معتمدين في ذلك الرصد على الجولات الميدانية التي أجريناها، وعلى المعلومات التي تحصلنا عليها من مصادرنا الموثوقة. هذا بالإضافة إلى كل عمليات الذبح التي تتم في القرى فيما عدا أربع مناطق.
الجدير بالذكر بأن محلية ود مدني الكبرى بها مسلخ واحد ومسطبة ذبح واحدة بقرية فداسي شمال المدينة بالإضافة إلى ثلاث مناطق للذبيح الأرضي دون مسطبة لكنها تخضع للإشراف البيطري موزعة على قرى شرق النيل بالمدينة.
في سبيل البحث والتقصي حول هذه الوضعية الإفسادية، توجهنا بالسؤال لأحد تجار اللحوم المذبوحة بطريقة غير قانونية وهو يملك متجر ضخم وشهير يرتاده كثير من الزبائن، ويقوم بعمليات الذبح في سور ملاصق لمتجره، عن أسباب عدم تعامله مع المسلخ، وكيف له أن يتعرف على اللحوم المصابة بالأمراض وهي لم تخضع للفحص البيطري. تردد كثيرا قبل أن يجيب على تساؤلاتنا مشترطاً عدم ذكر اسمه أو عنوان متجره، فأجابنا بأنه يذبح حيوانات جيدة الصحة وذات لحوم ممتازة ولا يقوم بذبح إناث الحيوانات، وذكر بأن من زبائنه أطباء بيطريون وضباط شرطة وكلهم يعلم أنه يذبح بجوار متجره وخارج المسلخ، ورغم ذلك يفضلون الشراء منه لجودة اللحوم التي يعرضها. وأضاف أن المسالخ تهدر الكثير من الوقت وتتحصل رسوماً عالية دون أن تقدم في مقابل ذلك أي خدمات ملموسة، وأن البيئة الصحية فيها متردية ومتسخة وتعج بالذباب والكلاب الضالة، كما أشار أيضاً إلى أن الذبح الخاص الذي يقوم به خارجها يتم في بيئة نظيفة وصحية مقارنة بالوضع في هذه المسالخ، وذكر بأن الحيوانات واللحوم في المسالخ لا تخضع لفحص بيطري دقيق، إذ يتم فحصها خارجياً ولا تخضع لأي فحوصات معملية.
وقال أيضاً إن بوسعه القيام بهذا الكشف بنفسه بتلك الطريقة التي يتم بها في المسالخ، ولديه خبرة في معرفة اللحوم المصابة بالأمراض ويقوم بإبعادها وإبادتها، وأفاد بان حملات السلطات البيطرية على اللحوم المذبوحة بطريقة غير قانونية تكاد تكون معدومة. وذكر بأنه يتمتع بعلاقات جيدة مع أفراد السلطات البيطرية المسئولين عن تفتيش اللحوم وأغلبهم من زبائنه، فهو يمنحهم ميزات خاصة كحصولهم على اللحوم بأسعار رمزية وأحياناً يحصلون عليها مجاناً إذا كانت أحوالهم المادية سيئة. وأضاف بأنه يعرض لحومه للبيع رغماً عن جودتها بأسعار ممتازة تقل عن الأسعار في المتاجر الأخرى، وذلك لأن تكلفة إنتاجها لا تتضمن المبالغ التي تدفع كرسوم لاستخدام المسلخ والفحص البيطري، بالإضافة لقيمة عمال المسلخ والترحيل من المسلخ إلى المتجر، فأفاد بأنه يبيع الكيلو من اللحوم العجّالي الممتازة بمبلغ 45 جنيها، ويعرض اللحوم بدون عظم بمبلغ 55 جنيهاً للكيلو، بينما اللحوم المذبوحة بالمسلخ تباع بمبلغ 50 جنيها للكيلو و60 جنيها لكيلو اللحم بدون عظم برغم عدم جودتها، ويعرض الكيلو من لحوم الضأن بمبلغ 65 جنيهاً، بينما تعرضه المتاجر الأخرى بمبلغ 70 جنيهاً.
الجدير بالذكر بان مسلخ محلية مدني يتقاضى رسوماً نظير استخدامه والقيام بالفحص البيطري تبلغ 40 جنيها للرأس من الأبقار، و27 جنيهاً للرأس من الضأن. فيما تختلف قيمة العمالة داخل المسلخ حسب الاتفاق الذي يبرمه كل تاجر، فأحياناً تقل هذه القيمة إذا تضمن الاتفاق منح العمالة الأحشاء أو الأرجل (الكوارع)، ولكن في المتوسط تتقاضى العمالة مبلغ 50 جنيها عن رأس الأبقار، و20 جنيها عن رأس الضأن. أما الترحيل من المسلخ إلى المتجر فتختلف قيمته وفقاً للمسافة بين المسلخ والمتجر، وفي المتوسط يتم ترحيل الرأس من البقر بمبلغ 40 جنيهاً، والرأس من الضأن بمبلغ 15 جنيهاً.
التاجر (أ.ع) ذكر بأنه يذبح لحوم عجالي ممتازة في منزله المجاور لمتجره وهي أفضل بكثير من اللحوم التي تذبح في المسلخ، الذي يرتاده تجار الإجمالي لأنه يشكل لهم مركزاً هاماً للبيع، فهؤلاء التجار يقومون بعمليات ذبيح هي في الغالب لأبقار كبيرة في السن يوزعون لحومها على زبائنهم من تجار التجزئة لأنها تعطي أوزان عالية، والمسلخ لا يحاسبهم بالكيلو إنما بالرأس. وأضاف بان المسالخ في ولاية الجزيرة لا تعمل في يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع، وفقاً للقرار الصادر أبّان فترة حكم الرئيس (جعفر نميري)، والذي ظل سارياً بالولاية منذ ذلك الحين حتى الآن، وكل اللحوم التي تعرض خلال هذين اليومين تكون محفوظة بالثلاجات، والكثير من الزبائن يفضلون اللحوم الطازجة والتي لن يحصلوا عليها خلال هذين اليومين إلا منهم، وأضاف بأنه حريص على ذبح حيوانات جيدة الصحة ولا يقوم بذبح إناث الحيوانات للحفاظ على زبائنه، ولأنه هو وأسرته يتناولون هذه اللحوم أيضاً، وذكر بان له خبرة جيدة في تمييز اللحوم المريضة ويقوم باستبعادها وإبادتها، وأضاف بان الفحص البيطري الذي تخضع له اللحوم في المسلخ فحص شكلي وكل الغرض منه الحصول على الرسوم المفروضة لإجرائه. وفي أجابته على سؤالنا المتعلق بالحملات البيطرية المخصصة لتفتيش اللحوم المذبوحة بطريقة مخالفة للقانون ضحك ساخراً وقال إن آخر حملات منظمة تم تسييرها كانت في العام 2007 عند انتشار مرض الحمى النزفية في بعض مدن البلاد، وظهور بعض الحالات في بعض مدن الولاية، مما أدي إلى رعب المواطنين وإحجامهم عن شراء اللحوم. وكانت السلطات الصحية والبيطرية قد حذرت في ذلك الوقت من تناول اللحوم المذبوحة خارج المسالخ وقامت بتسيير تلك الحملات. وذكر أن أفراد السلطات البيطرية المسئولين عن تفتيش متاجر اللحوم يحضرون إلى متجره والى كل المتاجر التي تعرض اللحوم المذبوحة بطريقة مخالفة للقانون في شكل أشبه بالتسول منه إلى الحملة، إذ يحضرون بشكل فردي ويحصلون في الغالب على لحوم مجانية أو بأسعار منخفضة جداً.
أحد الفنيين البيطريين من الذين يعملون في تفتيش اللحوم بمسلخ محلية ود مدني، والذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد أن الحملات الميدانية على تفتيش اللحوم متوقفة منذ زمن طويل، وأن عمل السلطات البيطرية في تفتيش اللحوم ينحصر في الكشف على الحيوانات قبل ذبحها وهو ما يعرف بالكشف "الحي" ومن ثم الكشف على اللحوم بعد الذبح وختمها بختم السلطات البيطرية. وأفاد بان الكشف البيطري على الحيوانات واللحوم كشف خارجي ولا توجد فحوصات معملية، ولكن السلطات البيطرية برغم ذلك تتمتع بخبرات واسعة في اكتشاف اللحوم المصابة، وإنهم يوميا يقومون بإبادة الكثير من اللحوم المصابة، وان أكثر حالات الإبادة تتم على الأحشاء وأكباد الحيوانات باعتبارها الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وأكثر ما يصادفهم من أمراض هو الديدان خاصة الديدان الشريطية، أضاف بأنهم في بعض الأحيان يقومون بإبادة كامل لحوم الحيوان المذبوح في حالة مرض اليرقان وهو ما يعرف محليا ب(الصفير) حيث تكتسي اللحوم المصابة بهذا المرض باللون الأصفر.
وذكر بان توقف الحملات يعود إلى قلة الإمكانيات المادية والبشرية بالمحلية. وأكد صحة ما ذكره التجار عن حصوله هو شخصياً وبعض زملائه على بعض المزايا من التجار الذين يبيعون اللحوم المذبوحة بطريقة مخالفة للقانون، ولكن رفض أن يكون ذلك على سبيل الرشوة وذكر بأن هؤلاء التجار يعطون هذه المزايا لهم من تلقاء أنفسهم دون أن يطلبوا هم ذلك، أو يقومون بأي مساومة في سبيل الحصول عليها. وأشار إلى أن هذه المزايا لا تتعدى الحصول على كيلو من اللحم مجاناً أو بنصف قيمته وهذا يعود في المقام الأول إلى العلاقات الجيدة التي تربطهم بهؤلاء التجار وتقديرهم للظروف المعيشية الصعبة، وعلمهم بتدني رواتبهم الشهرية.
هذه الوضعية الإفسادية تترتب عليها الكثير من الآثار، ذلك أن ذبح اللحوم خارج المسالخ المخصصة بدون خضوعها للفحص البيطري من شأنه أن يؤدي إلى انتشار أمراض فتاكة تنتقل من الحيوان إلى الإنسان. إذ أفاد طبيب بيطري يعمل في مجال أعلاف التسمين بأن هناك كثير من الأمراض يصعب حصرها يمكن أن تصيب الإنسان بسبب استهلاك اللحوم، وذكر منها على سبيل المثال بعض الأمراض الجرثومية التي تنتقل عن طريق اللحوم مثل (السل البقري–البروسيلا، التي تعرف بالحمى المالطية–الجمرة الخبيثة التي تعرف أيضاً بالحمى الفحمية –التسمم النقانقي– السالمونيلا –التهاب الحلق الانتاني).
كما أفاد بأن هناك أمراضاً فيروسية كثيرة يمكن أن تصيب الإنسان وتنتقل إليه عبر اللحوم منها على سبيل المثال حمى الوادي المتصدع، والحمى القلاعية، والتهاب الكبد الفيروسي من النوع E وغيرها من الأمراض الفيروسية. وأضاف قائلاً إن أكثر ما ينتقل من الحيوان إلى الإنسان عبر اللحوم هو الديدان التي تصيب الجهاز الهضمي للإنسان مثل الديدان الأسطوانية والديدان الشريطية التي قد تصيب الإنسان بفقر الدم وسوء التغذية وفقدان الوزن.
وفيما يختص بإفادات تجار اللحوم المشار إليها أعلاه حول الكشف البيطري على اللحوم ووصفه بالخارجي والشكلي، وبمقدرتهم على إجرائه، أفاد بأن الكشف الخارجي على اللحوم يتم وفقاً لدراسة علمية وخبرة عملية في العمل البيطري، ولا يمكن أن يكون تاجر اللحوم (الجزار) على نفس العلم والدراية التي يتمتع بها الطبيب البيطري الذي نال دراسة جامعية ويتمتع بخبرة عملية في هذا المجال.
ومن آثار هذه الوضعية الإفسادية أيضاً هو فقدان الدولة كثير من إيراداتها المالية المفروضة على الذبيح بموجب القانون واللوائح، كما أن الذبيح خارج المسالخ والأماكن المخصصة يفقدها السيطرة على معرفة الأرقام الحقيقة للذبيح في المحلية والولاية وبالبلاد، وبالتالي يصعب إعداد إحصائيات دقيقة عنه.
أيضاً الذبيح خارج المسالخ يقود إلى فقدان السيطرة على ضبط ذبح إناث الحيوانات كما ورد بقانون تفتيش اللحوم، مما يضر بمستقبل الثروة الحيوانية بالبلاد. كما أن انخفاض سعر اللحوم المذبوحة بطريقة غير قانونية، بسبب خلو تكلفة إنتاجها من قيمة استخدام المسلخ والفحص البيطري وقيمة العمالة والترحيل، يمثل منافسة غير شريفة بين المتاجر التي التزمت بالقانون وتلك التي لم تلتزم به، مما يعطي الأفضلية لغير الملتزمين بالقانون.
انتشار ظاهرة اللحوم المذبوحة بطريقة غير قانونية والإهمال في مكافحتها من شانه أن يؤدي إلى تطورها إلى مناحي أخرى أكثر خطورة، إذ من المحتمل أن يتطور الأمر ليصل إلى حد ذبح حيوانات محرمة لحومها دينياً أو لا يستساغ تناول لحومها كالكلاب والحمير، فلحوم الحمير لا يمكن تمييزها عن لحوم الأبقار إلا بعد فحص دقيق ومتخصص كما أفاد بذلك الدكتور عبد الرزاق يوسف عميد كلية الطب البيطري بجامعة كفر الشيخ (صحيفة إيلاف الإلكترونية بتاريخ 21/2/2013). وفي مدينة ود مدني سبق أن تم ضبط مطعم بالسوق الشعبي في أبريل من العام 2013 يقوم بعرض مشويات شعبية تعرف ب"الأقاشي" معدّة من لحوم الكلاب.
هذه الوضعية الإفسادية على درجة عالية من الخطورة يتطلب الوقوف في وجهها ومقاومتها تضافر الكثير من الجهود، ولكن أهم هذه الجهود هو جهد الدولة، إذ لا يعقل أن تشرع الدولة القوانين المتعلقة بصحة المواطن وتضع الضوابط، دون أن توفر الوسائل التي تضمن بها تنفيذ هذه القوانين، فيجب على السلطات المحلية أن تسير حملات يومية على متاجر اللحوم والمطاعم لضبط أي لحوم مذبوحة بطريقة غير قانونية لم تخضع للفحص البيطري وتقديم المخالفين للمساءلة القانونية. وتجدر الإشارة هنا إلى عدم صحة ما يقال عن قلة إمكانيات السلطات المحلية فالجميع يشاهدون يومياً مركباتها وموظفيها وشرطتها وهي تطارد الباعة الجائلين وبائعات الشاي وأماكن تدخين (الشيشة)، وتجول مركباتها وموظفيها في الأحياء وقيامهم بإغلاق المتاجر والمحلات التي لم تتحصل على تراخيص المحلية.
ومن الواضح أن المشكلة ليست مشكلة إمكانيات وإنما هي إهمال وعدم اكتراث سببه عدم استشعار الخطورة بسبب العادة ونمط الحياة في المجتمع السوداني، فالعادة طغت على القانون فبرغم نصوص قانون تفتيش اللحوم الولائي المشار إليه سابقا التي تحظر ذبح اللحوم الخاصة بالاستهلاك الغذائي خارج المسالخ، بما يعني أن ذلك النص يشمل الذبيح الخاص بالمناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية، إلا أن الذبيح في المسالخ ينحصر فقط في اللحوم المعدة للبيع وأنواع الذبيح الأخرى يتم التعامل معها منزلياً بحكم العادة وبالمخالفة للقانون.
كذلك على الدولة تأهيل ونظافة المسالخ الموجودة، وإنشاء مسالخ جديدة وفقا للمواصفات العالمية بدلاً عن مساطب الذبيح والذبيح الأرضي، وألا تترك هذه المسالخ مرتعا للقاذورات والذباب والكلاب الضالة، فوجود بيئة نظيفة ومهيأة من أقوى وسائل مقاومة هذه الوضعية الإفسادية.
ويترتب على الدولة أيضا أن تعمل على الاهتمام بقطاع الثروة الحيوانية الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية بالبلاد، وذلك عبر تأهيل وتدريب كوادر الثروة الحيوانية من الأطباء البيطريين والفنيين، وتزويدهم بالأجهزة الحديثة والمعامل المجهزة بالمعدات اللازمة، لكي يتمكنوا من إنجاز مهامهم وواجباتهم على النحو المطلوب.
كما يتعين على وسائل الإعلام كافة أن تسلط الضوء على هذه الوضعية الإفسادية وتوضح للمواطنين مدى خطورتها على الصحة والاقتصاد ومستقبل الثروة الحيوانية بالبلاد، وتوضيح وشرح الأمراض التي قد تنتقل من الحيوان إلى الإنسان عبر اللحوم المصابة، ويحث الدولة على القيام بواجباتها في حماية المواطنين ومراقبة تنفيذ القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية.
كما يجب على المواطنين عدم شراء أي لحوم مذبوحة خارج المسالخ ولم تخضع للفحص البيطري، والإبلاغ عن المعروض منها للبيع أو للاستخدام في المطاعم، فمقاطعة شراء هذه اللحوم من أنجع وسائل مقاومة هذه الوضعية الإفسادية، كما يجب على الموظفين العموميين خاصة الذين ترتبط مهامهم الوظيفية بشكل أو بآخر بهذه الوضعية الإفسادية، عدم التعامل مع الأمر بسلبية وعدم اكتراث، فالأمانة الوظيفية تفرض عليهم التعامل مع هذه الوضعية الإفسادية وفقاً لنصوص القوانين الصادرة بدلا عن تغليب العادة على حكم القانون، إلى أن وصل الأمر إلى حد مجاهرة التجار بمخالفة القانون، بل والتباهي بأن من بين زبائنهم ضباط شرطة وأطباء بيطريين وهم على علم بحقيقة هذه اللحوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.