شاهد بالفيديو.. "بدران" الدعم السريع يتعرض لأقوى "زنقة" ويحاول التخلص بتحريف منها أحاديث نبوية    شاهد بالفيديو.. ناشطة الدعم السريع "أم قرون" تهدد بفضح قيادات المليشيا بكشف ما حدث في 15 أبريل بعد أن رفضوا منحها حقوقها المالية: (أنا طالبة من الدولة ما من جيب أبو واحد فيكم وحميدتي ما بقدر يحميني حقي)    شاهد بالفيديو.. حسناء مغربية فائقة الجمال تتحدث اللهجة السودانية بطلاقة وتعلن دعمها الكامل للشعب السوداني وتؤكد (لا فرق عندي بين المغرب والسودان)    شاهد بالفيديو.. ناشطة الدعم السريع "أم قرون" تهدد بفضح قيادات المليشيا بكشف ما حدث في 15 أبريل بعد أن رفضوا منحها حقوقها المالية: (أنا طالبة من الدولة ما من جيب أبو واحد فيكم وحميدتي ما بقدر يحميني حقي)    شاهد بالفيديو.. حسناء مغربية فائقة الجمال تتحدث اللهجة السودانية بطلاقة وتعلن دعمها الكامل للشعب السوداني وتؤكد (لا فرق عندي بين المغرب والسودان)    شاهد بالفيديو.. "بدران" الدعم السريع يتعرض لأقوى "زنقة" ويحاول التخلص بتحريف منها أحاديث نبوية    مرسوم رئاسي يهزّ جنوب السودان..ماذا يجري؟    الحكومة السودانية تقدم أربع ملاحظات حاسمة على عرض الهدنة إلى الآلية التقنية للمجموعة الرباعية    السجن 15 عاما على مشارك مع قوات التمرد بأم درمان    تحرّك فعّال للتسوية..اجتماع مثير في تركيا حول حرب السودان    أبياه يستدعي السداسي والخماسي يغادر رواندا    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    أردوغان يعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة    اشتراطات الكاف تجبر المريخ على إزالات حول "القلعة الحمراء"    وزارة الصحة تناقش خطة العام 2026    العلم يكسب الشباب في دورة شهداء الكرامة برفاعة    إكتمال الترتيبات اللوجستية لتأهيل استاد حلفا الجديدة وسط ترقب كبير من الوسط الرياضي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    كأس العالم.. أسعار "ركن السيارات" تصدم عشاق الكرة    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(نعوم تشومسكي) : من يحكم العالم؟
نشر في حريات يوم 06 - 10 - 2016

من يحكُم العالم؟ يطرح «نعوم تشومسكي» ذلك السؤال في مقالٍ مقتبسٍ عن كتابه الجديد، الذي يحمل العنوان ذاته.
يقول «تشومسكي» إنّ عقولنا في محاولتها للإجابة على هذا السؤال، تقع أسيرةً لتصوّر مُسبقٍ يقضي بأن اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية هم بطبيعة الحال الدول الكُبرى، وأنّ أكبر العوامل المؤثرة في المشهد السياسي هي قرارات تلك الدول، وعلاقاتها.
على الرغم من أنّ هذا ليس تصورًا خاطئًا بالكلية، إلا أنّه يحمل في طيّاته اختصارًا مخلًا ومضللًا للمشهد، لأنّه يُهمل التأثير الساحق ل«أسياد البشرية»، كما سمّاهم «آدم سميث»، الفيلسوف ومؤلف كتاب «ثروة الأمم». ربّما يختلف المشهد الحالي قليلًا عما كان عليه في حياة «سميث»، لكن ما أشبه تُجّار إنجلترا في زمانه، بالشركات العملاقة متعددة الجنسية، والمؤسسات المالية الضخمة، في زماننا؛ خيثُ ما زال المبدأ واحدًا: «كل شيءٍ لنا، ولا شيء للآخرين».
تتمتّع هذه المؤسسات بنفوذٍ هائل، سواءً في موطنها الأم، الذي ترتكز عليه فيما يتعلّق بحماية قوّتها وتوفير الدعم الاقتصادي لها، أو على المستوى الدولي. يذكر «تشومسكي»، كمِثالٍ على ذلك، اتفاقية الشراكة العابرة للأطلنطي؛ واحدة من تلك الاتفاقيات التي «سُمّيت زورًا باتفاقيات التجارة الحرّة»، على حدّ تعبيره، في حين أنها تُناقَش في الغُرف المغلقة، ويكتب تفاصيلها الدقيقة مئات من مُحامي الشركات الكُبرى، بهدف تمريرها سريعًا بلا مناقشة حقيقية، أو مشاركة من الشعب، الذي عادةً ما يتم تهميشه.
يشير «تشومسكي» إلى هذا التهميش المتأصل في السياسات النيوليبرالية، التي ركّزت السُلطة في حفنة من الأيدي متجاهلة الديمقراطية الفاعلة. لكن الشعب غالبًا ما يرفض دور المشاهد، الذي تفرضه عليه السياسة الديمقراطية الليبرالية. تخسر الأحزاب الرئيسية في أوروبا مزيدًا من الأعضاء كل يوم لحساب حركات أكثر يمينية أو يسارية، فيما يراه المدير التنفيذي لمجموعة «أوروبا نوفا» EuropaNova البحثية «حالة من الغضب العاجز، نتيجةً لتركّز القوة الحقيقية في يدِ السوق، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والشركات الكبرى، بدلًا من القادة السياسيين الوطنيين». يترنّح الاتحاد الأوروبي بسبب سياسات التقشّف التي تلقى احتجاجاتٍ وانتقادات واسعة حتى من اقتصاديي صندوق النقد الدولي.
أمّا الدول التي تختار الرضوخ للرأي العام المحلي، فينصب عليها كثير من الغضب. لعل المثال الأبرز هو رفض الحكومة التركية طلب إدارة «بوش» بمشاركة تركيا في غزو العراق، استجابةً لرفض 95% من الأتراك للانضمام للتحالف الأمريكي البريطاني، ليثير ذلك غضب الحكومة الأمريكية بشدّة، ويوبّخ نائب وزير الدفاع آنذاك «بول وولفويتز» الجيش التركي على «سماحه» للحكومة التركية بمثل هذا الفعل الشائن، مطالبًا بالاعتذار. لكن الشعب التركي لم يكن وحده في معارضة العدوان، بل اندلعت احتجاجات ومظاهرات عالمية، وداخل الولايات المتحدة نفسها. ونادرًا ما تخطت نسبة الموافقة على خطة واشنطن 10% في أي من استطلاعات الرأي في العالم كله. لكن النظام الأمريكي مضى في طريقه متجاهلًا الانتقادات المتعالية لسعيه تجاه «نشر الديمقراطية»، وظنّه أن قوّة خارجية يمكنها فعل ذلك.
على الرغم من ذلك، لا يتفّق «تشومسكي» مع القائلين بأن الرفض الشعبي واسع النطاق لم يكن له تأثير على الإطلاق، ويتتبّع تاريخ رفض الرأي العام للحروب الأمريكية، بدءًا من حرب فييتنام، التي نجحت فيها الحركة المناهضة للحرب في هدفها لولا أن ذلك حدث في وقتٍ متأخر للغاية، ومرورًا بعدوان «رونالد ريجان» البشع على أمريكا الوسطى، والذي اضطر إلى التراجع عنه نظرًا للاحتجاج الشعبي الواسع، وانتهاءً بحرب العراق، التي يرى «تشومكسي» أنّ عواقبها شديدة البشاعة، لكن ربّما كانت لتصبح أسوأ بكثير.
لطالما أثار ذلك الرفض الشعبي قلق الطبقات المتسيّدة. في كتابه، «السياسة العنيفة»، يرى «ويليام بولك» أنّ الجنرال «جورج واشنطن» كان شديد الحرص على تهميش العامّة من أفراد الميليشيات الذين قاتلوا تحت إمرته، حتى كاد ذلك يكلّفه ثورته، لولا التدخّل الفرنسي. هذه المليشيات كانت تُحرز الانتصارات الأكبر في الثورة، على العكس من الجيش النظامي الذي تلقّى الهزيمة تلو الأخرى. على الرغم من ذلك، كان «واشنطن» يراهم «أناسًا كريهين، شديدي القذارة»، ويؤمن بتأصل الغباء في الطبقات الدُنيا، وربّما سمّاهم اليوم «إرهابيين»، على حدّ قول «تشومسكي».
يُسجّل «بولك» سمة تُميز الثورات الناجحة، وهي تهميش هؤلاء «الكريهين، شديدي القذارة»، الذين تسببوا في نجاح الثورة، بمجرد أن تنتهي الثورة وينفض عنهم الدعم الشعبي، خشية من تحدّيهم للطبقات العُليا. هذا الازدراء النخبوي عبّر عن نفسه بعدّة صور على مرّ السنين، أحدها كان في دعوة الليبراليين إلى «الاعتدال في الديمقراطية»، إثر انتشار الحركات الشعبية في الستينيات.
ينتقل «تشومسكي» إلى التحدّيات التي تواجهها القوى الغربية الكُبرى، في سعيها لبسط نفوذها على مزيدٍ من بقاع الأرض، مُستشهدًا ب«جدعون راتشمان»، الكاتب بجريدة «لندن فاينانشيال تايمز». يستعرض «راتشمان» التصور الغربي للنظام العالمي، حيث القوة العسكرية الغاشمة للولايات المتّحدة هي الحقيقة المركزية في هيكل السياسة الدولية. ولهذا أهميته البالغة في 3 مناطق: شرق آسيا، حيث تمرح البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ؛ وأوروبا حيث قوات الناتو، التي تتحمّل الولايات المتّحدة ثلاثة أرباع إنفاقها العسكري؛ والشرق الأوسط، حيث القواعد العسكرية الجوية والبحرية.
الآن، في 2016، تقف قوىً دولية أخرى في مواجهة الولايات المتّحدة في كل منطقة من هذه المناطق، مهددة النظام العالمي كما تخيله الغرب، حيث تنازع الصين الولايات المتّحدة على المحيط الهادئ، وتتدخل روسيا عسكريًا في أوكرانيا، وسوريا. يرى «راتشمان» أن الولايات المتّحدة، لأسباب تتعلّق بتوزيع القوة الاقتصادية في أنحاء العالم، وبشيءٍ من المنطق البسيط، عليها الرضوخ لحقيقة أنّ هناك قوىً أخرى يجب أن تحظى بنطاقٍ من النفوذ الخاص بها.
بدأت «الحرب العالمية على الإرهاب»، في الواقع، قبل إعلان الرئيس «جورج بوش» في 2001، عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية. يرى «تشومسكي» أنّ إدارة «ريجان» هي التي بدأت فعليًا الحرب على الإرهاب، لتطهير العالم من «وباءٍ ينشره أعداء الحضارة نفسها»، كما صرّح. تحولّت تلك الحرب إلى «حربٍ مدمّرة دموية على وسط أمريكا، وغرب إفريقيا، والشرق الأوسط، استمرت تداعياتها إلى يومنا هذا»، على حد قول «تشومسكي»، وأزيلت من التاريخ في هدوء.
ينتقل تشومسكي إلى 2001، حين بدأت الولايات المتّحدة قصف أفغانستان في أكتوبر (تشرين الثاني)، لرفض الأفغان تسليم «أسامة بن لادن» والمشتبه في تخطيطهم لهجمات 11 سبتمبر. لم يفهم الأمريكان رفض هؤلاء الفلاحين الفقراء للجائزة التي عرضتها لحكومة الأمريكية: 25 مليون دولار، لكن الأمر كان متعلّقًا بقانون حسن الضيافة عند القبائل الأفغانية، على الرغم من كراهيتهم لجماعة «بن لادن».
لكن هل كان التدخّل العسكري ضروريًا؟ يورد «تشومسكي» رأي القائد الأفغاني المُعارض لطالبان، «عبد الحق». يرى «عبد الحق»، ومع العديد من المعارضين، أن الهجوم الأمريكي أضاع مجهوداتهم لإسقاط طالبان من الداخل الأفغاني. اختارت الولايات المتّحدة العنف واسع النطاق، بدلًا من العمل الشُرطي من الداخل، أو حتى المفاوضات الدبلوماسية الجادة مع طالبان، والتي كان من الممكن أن تنجح. يرى «عبد الحق» أن الولايات المتّحدة ربما كانت «تحاول فقط إظهار عضلاتها، وتسجيل انتصارٍ يخيف الجميع في أنحاء العالم.، بلا اكتراث لمعاناة الأفغان، وكم منهم سيموت».
يؤكد وجهة نظر «عبد الحق» ما قاله «ريتشارد كلارك»، رئيس المجموعة الأمنية المناهضة للإرهاب بالبيت الأبيض، أثناء حكم «بوش»، عن الاجتماع الذي وضعت فيه خطط الهجوم على أفغانستان. عندما أخبر أحدهم الرئيس بأن مثل هذا الهجوم يعد انتهاكًا للقوانين الدولية، صرخ الرئيس قائلًا: «لا أكترث لما يقوله المحامون الدوليون؛ نحن سنركل بعض المؤخرات!». ولا حاجة بالطبع – يقول «تشومسكي» – إلى ذكر تبعات التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان المسكينة.
ثم جاء الدور على العراق. يعتبر «تشومسكي» الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق «جريمة القرن الواحد والعشرين الكبرى». كانت العراق تعاني بالفعل قبل الاحتلال من العقوبات الاقتصادية شديدة الوطأة، التي وُصفت بأنها «حملة إبادة» ضد الشعب العراقي، دمرت المجتمع وألحقت به الكثير من الخسائر. ثم جاء الاحتلال في 2003 ليقتل مئات الآلاف، ويشرد الملايين، ويبدأ صراعًا طائفيًا ما زال مشتعلًا حتى يومنا هذا في المنطقة. طبقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها البنتاجون ووزارة الدفاع البريطانية، لم يؤمن الشعب العراقي بشرعية التدخل العسكري في بلاده، ولا أراد بقاء قوات التحالف، بل وأيد الهجمات ضدها. وفي النهاية انسحبت القوات الأمريكية من العراق لتترك، على حد قول «تشومسكي»، فائزًا واحدًا: إيران.
ينتقل «تشومسكي» إلى ليبيا، التي قطعت فيها بريطانيا، فرنسا وأمريكا الأمل في احتمالية التسوية بين الثوار والحكومة، حين تدخّلت بقواتها الجوية إلى جانب الثوار، عام 2011، لترفع الخسائر البشرية إلى 10 أضعاف، وتنتهك قرار مجلس الأمن رقم 1973 بإنشاء منطقة حظر جويّ فوق ليبيا. لم يترك ذلك التدخّل ليبيا أنقاضًا وفقط، وإنما وفّر البيئة الممتازة لتنظيم الدول الإسلامية لتوسيع دائرة عملياته وانتشارها في المنطقة. تجاهلت القوى الكبرى مجددًا العروض الدبلوماسية المقدمة من الاتحاد الإفريقي، وتدفّق السلاح والجهاديون إلى الشام، وأُخرِج المزيد والمزيد من اللاجئين، انتصارٌ آخر ل«التدخل الإنساني»، على حد تعبير «تشومسكي» الساخر.
اليوم، بفضل السياسات العسكرية، انتشر الإرهاب الجهادي من أفغانستان إلى أنحاءٍ شتى، من إفريقيا إلى الشام إلى جنوب وجنوب شرق آسيا، إلى هجمات متفرقة على أوروبا والولايات المتّحدة. يقدّر خبراء أنّ حرب العراق تسببت في ارتفاع المعدلات السنوية للهجمات الجهادية إلى سبعة أضعاف. وفي دراسات أخرى أجراها معهد أوسلو لأبحاث السلام، نرى أنّ ثلثى نزاعات المنطقة نشأت عن خلافاتٍ داخلية حاولت جهات خارجية فرض حلول إجبارية لها، وأنّ 98% من الخسائر الناتجة عن هذه النزاعات حدثت بعد التدخل العسكري الخارجي.
يرى «بولك» في كتابه، «السياسة العنيفة»، أن التدخل الخارجي دائمًا ما يتبع نمطًا معيّنًا: يأتي الغزاة، ربّما بنوايا حسنة؛ يكرههم الشعب؛ يعصيهم، في البداية بطرق بسيطة؛ يستخدم المحتلّ القوة؛ تزداد المقاومة ويزداد داعموها؛ تدور دائرة العنف حتى يحدث أمر من اثنين: انسحاب المحتل، أو نجاحه في إخضاع الشعب بوسائل تقترب من الإبادة.
يستشهد «تشومسكي» بدراسات تؤكد أن هذا بالضبط ما تريده القاعدة، والدولة الإسلامية، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها يقدمونه لهم بكفاءة. تدريجيًا تنغمس هذه القوى في مستنقع الشرق الأوسط، استجابة لاستفزاز الجماعات، لتشتعل الحروب وتصبح المجتمعات بالشرق الأوسط ضعيفة بشدة، وهو ما يسمح للجهاديين بالتوسع والسيطرة على مزيد من الموارد، ورفع مستوى العنف، لتدور الدائرة التي تحدث عنها «بولك» في كتابه. يقول «سكوت آتران»، أحد أهم باحثي الحركات الجهادية، أن هجمات 11 سبتمبر، بمقياس التكلفة والعائد، حققت «نجاحًا ساحقًا يفوق حتى تصور بن لادن الأصلي لها».
أيضًا هناك اعتقاد خاطئ بأن هذه الجماعات المتمردة ستنهزم بمقتل زعمائها. توجد العديد من الأمثلة التي توضح خطأ مثل هذا الاعتقاد، يُستبدل فيها الزعيم المقتول بآخر أقل سنًا، وأكثر إصرارًا، وكفاءة، ووحشية. وفي الوضع الحالي، فإن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، الخليفة «أبو بكر البغدادي»، على خلاف مع زعيم تنظيم القاعدة، «أيمن الظواهري». وعليه، فإن مقتل «البغدادي» سيمهّد الطريق أمام تقارب المنظمتين، لتنشأ قوة إرهابية جبارة، تمتلك موارد غير مسبوقة.
أيضًا هناك «سايكس بيكو». لكثير من سكّان المنطقة، تمثّل «سايكس بيكو» مهزلة الإمبريالية الغربية، ووحشيّتها. ينقل «تشومسكي» عن «روبرت فيسك»، أن أحد أوائل المقاطع المصورة التي أنتجها تنظيم الدولة، تُظهر جرافة تزيل الحاجز الترابي الحدودي بين العراق وسوريا، ثم تتحول الكاميرا إلى لافتة ملقاة على الرمال، مكتوبٌ عليها بخط اليد: «نهاية سايكس بيكو». تلك الاتفاقية التي قسّمت المنطقة إلى عدة دولٍ مصطنعة بهدف تأمين المكاسب الاستعمارية للغرب، متجاهلةً اهتمامات سكان المنطقة أنفسهم، لتحوّل «مقاطعات الإمبراطورية العثمانية، الهادئة نسبيًا، إلى بعض من أقل الدول استقرارًا وأكثرها انفجارًا في العالم»، على حدّ قول «فيسك»، وهو ما يخدم تمامًا أغراض الإرهاب.
بعد اتفاقية «سايكس بيكو»، والتدخلات العسكرية الغربية المتكررة في المنطقة، والتي نشأت عنها أزمة اللاجئين حاليًا، يستقبل الغرب «البريء» الآن، على حد وصف «تشومسكي»، اللاجئين على مضضٍ، ويستوعبهم تفضلًا. قرّرت «ألمانيا» – البالغ عدد سكانها 80 مليونًا – في بادئ الأمر استقبال مليون لاجئ، بينما استقبلت لبنان مليونًا ونصف من اللاجئين السوريين، هم ربع سكانها الآن، بالإضافة إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني مُسجّل بوكالة «أونروا».
مترجم عنAmerican Power Under Challengeللكاتب Naom Chomsky
http://www.realclearworld.com/articles/2016/05/13/the_costs_of_violence_war_terror_111851.html


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.