جاء في صحيفة الواشنطن بوست الثلاثاء 91 أبريل بان البنك الدولي ذكر ان الاسعار في العالم ارتفعت بنسبة 63% خلال عام مما يدفع بالناس نحو الفقر.. وذكر ان اكثر الاقاليم معاناة هي افريقيا حيث بلغت نسبة ارتفاع الاسعار في الثلاثة اشهر الماضية نسبة 78% في السودان وحوالي 52% في كل من كينيا ويوغندا والصومال وموزمبيق. قالت لي محدثتي عندما نبهتها الى الخبر.. انك تكثرين من الكتابة عن الفقر والجوع قبل ان تقرأين هذا الخبر.. واضافت اين هذا الفقر والجوع اللذان يستحقان كل هذه الضجة.. اندهشت لتعليقها وكأنها لا تحس تصاعد الاسعار الذي فاق حد التصور.. وكانت اجابتي.. نعم اكثر من الكتابة عن الجوع والفقر لانهما الحقيقة الوحيدة الملموسة والتي نعيشها لانها تسد الافق امامنا وتسد الطريق على التنمية والتطور وعلى الحياة الآمنة الكريمة.. فالفقر هو الجوع والمرض والانكسار والجريمة والسقوط. وحشو البطن بالسخينة والبوش ومرقة ماجي لا يعني الشبع ولا يعني الغذاء.. بل هو الطريق لسوء التغذية وامراضها القاتلة وعلى رأسها السل الرئوي الذي اطل برأسه من جديد بعد ان تراجع في كل العالم وزحف نحو قطاع التلاميذ والطلاب والشباب نصف الحاضر وكل المستقبل. مهم جداً ان نقف عند تصاعد الاسعار وعند الفقر والموت جوعاً حتى لا يتهمنا البعض باننا نهول من المسألة ونلونها حسب هوانا بدافع التقليل من شأن حكومة الانقاذ في توفير الغذاء لاهل السودان او جعله في ايدي الناس باسعار معقولة. قبل ثلاثة عشر عاما قال مركز الدراسات الاستراتيجية في تقريره لعام 8991م وبعد دراسات علمية «لقد اصبح واضحاً حتى للمراقب العادي ان يلحظ ان توزيع الدخل في السودان قد تغير بسرعة مذهلة اذ اصبحت الكثرة الغالبة هم الفقراء والقلة هم الاغنياء وكادت الطبقة الوسطى ان تختفي من المجتمع هذا ما جعل الفقر موضع اهتمام كثير من المراقبين والمؤسسات البحثية والحكومات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية». الفقر هو حالة من الحرمان وقد عرفه البنك الدولي على انه عدم المقدرة على الحصول على مستوى معيشي ادنى.. هذا التعريف بدوره يتطلب تعريفاً آخر.. اي تعريف المستوى الادنى خلال المأكل والمشرب والملبس والسكن والخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم وغيرها. يوجد اختلاف كبير حول طبيعة مفهوم الفقر.. هل هو مفهوم نسبي ام مفهوم مطلق.. يعرف الفقر النسبي على ان بعض الناس افقر من البعض الآخر.. ويصير الفقر النسبي مشكلة حقيقية اذا ادى الفارق الكبير بين الفقراء والاغنياء الى تعديل النسيج الاجتماعي بينهم وبين الاغنياء ويكون الناس فقراء نسبياً اذا احسوا بالفارق بينهم وبين الاغنياء حتى اذا كانت دخولهم كافية لاعاشتهم. اما الفقر المطلق هو الفقر في صورته الخام.. اي انه حالة من الحرمان تنعدم فيها ابسط ضروريات الحياة ويكون الفرد غير قادر على الايفاء بمعظم حاجياته الاساسية.. وذلك لقلة الدخل او انعدام الثروة هذا بغض النظر عن حالة الآخرين. نلاحظ في معظم الدراسات التطبيقية ان مفهوم الفقر المطلق يستخدم في الدول النامية بينما يستخدم مفهوم الفقر النسبي بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة. وبما قاله التقرير حول الفقر ووجوده في حياة الفرد السوداني ونشهده من حولنا من خلال ظواهر طفحت على سطح الحياة كتزايد المتسولين والمتسولات في الطرقات من مختلف الاعمار والقبائل لا سيما بين الاطفال والنساء وتزايد الشكوى بالصوت المرتفع من ضنك الحياة وكانت هذه نادرة وسط السودانيين الذين فضلوا الموت جوعاً من التسول.. وهناك روايات تناقلها الناس منذ مجاعة سنة ستة في عهد الخليفة عبد الله ومنها ان بعض الاسر اوثقت ابناءها بالحبال على العناقريب حتى لا يخرجوا الى التسول في الطرقات.. مع مثل هذا التراث.. نجد ان مرارة الفقر دفعت بالذين لسعتهم الحاجة الى الطرقات يتسولون في انكسار. مع هذا كله يصبح الحديث المتكرر عن الفقر وعن الموت جوعاً وعن الغلاء ليس من باب التهويل ولا من باب شيل حال حكومة الانقاذ او حكومة الوحدة الوطنية كما يحلو للبعض.. بل يجب ان يتصاعد هذا الحديث حتى ينتبه اهل الشأن في الحكومة وفي المعارضة فالفقر وسوء التغذية والجوع هم ألد أعداء الحياة. هذا مع تحياتي وشكري