حوارمع عبد العزيز حسين الصاوي : من القومي الي الديمقراطي (الحلقة الاخيرة) حوار أحمد محمود أحمد *اشارة*: في هذه الحلقة الاخيرة يجيب الاستاذ عبد العزيز حسين الصاوي علي سؤالين يرتبطان بالديمقراطية المستحيلة و علاقة حزب البعث في السودان بالاحزاب العربية ولنواصل قراءة هذا الحوار. *تقديم*: عبد العزيز حسين الصاوي(محمد بشير أحمد) من المفكرين السودانيين الذين تحاوروا مع الواقع علي اسس جدلية منتجة لوعي جديد و مختلف. فمنذ اختياره الانتماء الحزبي و تحديدا لحزب البعث عبر مرحلة الستينيات، اتخذ لنفسه خطا يتصل بتعميق المعرفة و الاشتغال علي الجانب الفكري لادراكه الحتمي بأن لا تغيير دون منتوج فكري يقرأ الواقع و يحلل معطياته. و هذه مهمة ليست باليسيرة في مجتمع تتحكم فيه ثقافة المشافهة من جهة و من جهة أخري ميالة نخبه لتشابكات اليومي- السياسي. لكن و بوعي متوثب استطاع عبد العزيز حسين الصاوي الي تحويل طاقاته نحو المجال الفكري دون ان يتنحي عن السياسي اليومي, و هيأه ذلك أن يوفر منتوجا غزيرا تشهد به كتبه العديدة التي تملأ رفوف المكتبة السودانية و العربية كذلك، ومنها: أزمة المصير السوداني، مناقشات حول التاريخ و المجتمع والسياسة- مركز الدراسات السودانية 1999، 2004. حوارات الهوية و الوحدة الوطنية في السودان- مركزالدراسات السودانية 1994 .العلاقة الناصرية البعثية- بيروت1995. مراجعات نقدية للحركة القومية، عودة جديدة من السودان لموضوع قديم 1999. في الفكر السياسي، ديمقراطية بلا أستنارة- مركز عبد الكريم ميرغني2010. من القومي الي الديمقراطي-تجربة البعث في السودان-بيروت2010 . الديمقراطية المستحيلة، معا نحو عصر تنوير سوداني- دار عزة للنشر و التوزيع-الخرطوم 2012. هذا علي سبيل المثال و ليس الحصر. عبد العزيز حسين الصاوي يشتغل بصمت و يبتعد عن الأضواء وتلك طبيعة الباحث الأصيل، فهو دوما عندما يظهر في مكان ما ليتحدث، يقول دوما انه يجد نفسه مندغما مع الورق و ليس خارجه، فكما قال النفري كلما اتسعت الفكرة ضاقت العبارة، و الاقلال من الكلام هو نوع من التواضع و البعد عن اعلان الذات و هذه صفات الشخص الذي ينتج معرفة. هذا الحوار تأسس علي خلفية ظهور الأستاذ الصاوي في ندوة في شهر اكتوبر 2017 اقيمت خصيصا لمناقشة كتابه من القومي الي الديمقراطي والتي طرح عبرها أفكارا جريئة والتي تحدث فيها حول قضاياعديدة و من ضمنها تجربته الحزبية. ما لفت انتباهي تراجع الصاوي عن التجربة التنظيمية نتيجة لعدم جدواها وهنا اتحدث عن تجربة البعث السوداني و الذي اسهم في تأسيسه مع الراحل محمد علي جادين ، اذن هذا الحديث الواضح من قبل الأستاذ الصاوي جعلني اطرح اسئلة جوهرية و عديدة هي لب هذا الحوار و الذي سيكون متسلسلا. هذا الحوار غير تقليدي، اذ وضعت اسئلة عديدة أمام الأستاذ الصاوي أجاب عليها وفق مخطط منهجي، و بعدها سيكون هنالك تعقيب كلي من قبل المحاور من اجل التأسيس لأفكار جديدة حول تجربة الصاوي و من ثم تجربة حزب البعث في السودان، و هذه الأسئلة هي: أولا: هل فقد الأستاذ الصاوي الايمان بكافة الأشكال التنظيمية الحزبية بما فيها تنظيم البعث السوداني؟ ثانيا: هل كان ظهور حزب البعث لضرورة تاريخية تطلبتها مرحلة الستينيات، أم هو كان فقط نتاج لفعل مثقفين يبحثون عن دور لهم؟ السؤال الثالث: اذا كانت الديمقراطية مستحيلة كما ذكر الأستاذ الصاوي اذن فما هو الحل؟ السؤال الرابع: أليس الأفضل للبعث في السودان الارتباط بالأحزاب القومية من أجل الاستفادة من التجربة الحزبية العربية في تطوير ذاته بدلا من الدوران حول الأحزاب السودانية فارغة المحتوي؟ . ++++++++ *السؤال الثالث*؛ اذا كانت الديمقراطية مستحيلة في الواقع السوداني و كما ذكرت انت فما هو الحل؟ *الصاوي* :العنوان الكامل للكتاب الذي وردت فيه هذه العباره هو " الديموقراطية المستحيلة ، معا نحو عصر تنوير سوداني " والشق الفرعي من العنوان هو الذي يجيب علي السؤال. التجربة الاوروبية تدلنا علي الشرط الواجب توفره لكي تنجح الصيغة الديموقراطية وهو انعتاق الفرد من الانساق الاجتماعية والثقافية الموروثة بدرجة تجعل من قدرته علي ممارسة حرية الاختيار المادة الوحيدة الصالحة لبناء الصرح الديموقراطي عليها. في اوروبا تولد هذا الشرط عبر مايسمي " عصر التنوير " الذي هو في الواقع نتاج تراكمات تنويرية حضارية عربية واسلامية وهندية وصينية الخ.. الخ..هو النسخة النهائية من سعي البشرية لانتاج النظام السياسي الافضل من غيره لانه يبقي المجال مفتوحا لتحسينه الي درجة إمكانية إستبداله بغيره. وعصر تنويرنا السوداني يتجه لنفس الغايه ولكنه غير اوروبي بمعني أساسي لانه يشق طريقه الخاص الي توفير شرط الانعتاق في ظروف تاريخية زمانية ومكانية مختلفة. إذا لم تلتزم الجهود المبذولة لتأسيس نظام ديموقراطي في السودان كبديل للنظام الراهن ، باستراتيجية تتضمن في صلبها توفير هذا الشرط ، فان الديموقراطية ستبقي مستحيلة كما بقيت حتي الان لأن هذا الالتزام ظل مفقودا في الجهود التي انتجت اكتوبر 64 وابريل 85 . شرحت ما وسعني تصوراتي هذه في مجموعة مقالات نشرت في جزئين من كتاب بعنوان " ديموقراطية بلا استناره ؟ " تشكل مع الكتاب المشار اليه ثلاثية حول أزمة الديموقراطية تطرح ماتيسر لي من افكار بشأن جذورها وتقييما للاداء المعارض ضد الانظمة الشمولية الثلاثة وتصورا للمخرج بما في ذلك كيفية توليد شرط التنوير سودانيا. ++++ *السؤال الرابع*: اليس الافضل للبعث في السودان الارتباط بالاحزاب القومية من اجل الاستفادة من التجربة الحزبية العربية في تطوير ذاته بدلا من الدوران حول الاحزاب السودانية فارغة المحتوي؟ *الصاوي*: جهودي في محاولة إنجاح صيغة" حزب البعث السوداني " تنقيبا عن مقومات نشوء البعث خلال الاربعينيات الغنية بالمحتوي الديموقراطي فكرا وتطبيقا، تنطوي علي إجابة بالنفي للافتراض الذي يقوم عليه السؤال.. من حق الاخرين طبعا الانتماء الي احزاب يعتبرونها قوميه لذلك ،بهذا المعني، هي موجودة ولكن قناعتي المتواضعة ان المعني الحقيقي لوجود حزب قومي او غير قومي هو مدي ديموقراطيته فكرا وتنظيما وسلوكا لانه بغير ذلك يفقد مبرر وجوده الوحيد وهو كونه وسيلة او أداة تفعيل الارادة السياسية للفرد العادي، كما أشرت سابقا… وبالنسبة للاحزاب القومية العلامة الرئيسية الاولي والاوليه لامكانية تطورها بهذا الاتجاه هو المدي الذي تذهب اليه في ممارسة النقد الذاتي. هو مدي عظيم وكبير عظم وكبر المسئولية التي تحملتها في تشكيل الحياة السياسية والفكرية والدولتية العربية لفترة تجاوزت العقود الثلاثة من الزمان ولاتزال تلقي بظلالها علي الحاضر ..في ظروف تاريخية معينة هذه الاحزاب وخاصة البعث العربي الاشتراكي والناصرية ، شكلا المصدر الرئيسي للحط من شأن الديموقراطية السياسية ثقافة وفكرا وتطبيقا ، هذا كان الوجه الثاني لانجازات مرحلة التحرر من الاستعمار القديم ومواجهة الحديث ثم الاعمار الاقتصادي بمشاريع البني التحتيه والصناعه وغيره.. ولكن من اخطر نتائج عدم تدارك الجانب الاول لاحقا، ان تلك الانجازات باتت مصدرا لنقيضها .الاجيال الاصغر التي تحررت بفضل الاصلاح الزراعي والتصنيع اضحت بيئة خصبة لانتشار حركات الاسلام السياسي مغرقة في التطرف الي الحد الداعشي لان النظام التعليمي المغلق، محاكياً انغلاق النظام السياسي جعلها فريسة سهلة للتدين الخام اللاعقلاني والشعاراتي . يمكن ان نتحدث عن مبررات ..تسويغات الخ ..الخ.. في المرحلة الاولي لنشوء هذه الانظمة ولكن مايقفز للذهن الان بعد مرور هذا الزمان الطويل من التجارب البعثية والناصرية في السلطة وخارجها والاتضاح الصارخ لنتائج ضعف الثقافة الديموقراطية، عندما يأتي ذكر هذه الاحزاب والتيارات ليس المراجعات النقدية لتجربتها..البعث في السودان كانت لديه حساسية زائده تجاه هذا الموضوع لانه نشأ في ظل احتدام الصراع البعثي- الناصري اوائل الستينيات مصوبا انتقاداته للناصرية حول لاديموقراطية نظامها السياسي .. وأذكر ان مقابلة لي مع رفاق عراقيين في بيروت في الطور النهائي تمهيدا لانقلاب 68 انتهت الى اختلاف واضح.. ومعروف ان الاستاذ عفلق وقيادة الحزب القومية ظلت متحفظة لفترة طويله بعد وقوعه. صحيح انه لا المجتمع العربي ولا الحزب كانا مهيئين لتأسيس انظمة ديموقراطية وقتذاك.. ولكن استدراك الامر كان ممكنا لاسيما بعد بداية تصدع الانظمة الشمولية الشرقية منذ منتصف الثمانينيات وتصاعد المد الديموقراطي في العالم الثالث وبطبيعة الحال لايمكن الحديث الان عن وجود احزاب قوميه، بالمعني الذي شرحته، بحيث يمكن الاستفادة منها بعد مرور مايتجاوز العقود الثلاثة من تلك الفتره دون ان يظهر عليها مايدل علي إعادة نظر جديه. ربما العكس هو الصحيح : تجربة البعثيين السودانيين ممثلة في "حزب البعث السوداني " هي النموذج الاصلح للاقتداء من قبل القوميين الاخرين سودانيين وغير سودانيين .. علي الاقل كانت خطوة علي الطريق الصحيح حتي لو لم تكتمل.