بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ آدم أحمد يوسف نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي 5يناير2018م الموافق 18 ربيع ثاني 1438ه الخطبة الأولى قال تعالي: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). الانسان خليفة الله في ارضة مكرم فهو مخلوق فيه قبس من روح الله قال تعالي: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ميز الله الانسان بالعقل وخصاه بالإرادة وخلقة حرا يتصرف بكامل ارادته. ومن نعم الله على الانسان ان رفع عنه القلم في الفترات التي لا يكون فيها حرا قال صلي الله عليه وسلم رُفع القلم عن ثلاثة الصبي حتى يحتلم والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفوق. وتجاوز الله عن المستكرهين, فاذا استكره المرء علي فعل شيء لا يعاقب عليه. هكذا خُلق الانسان حرا بكامل ارادته. وفضله الله على سائر مخلوقاته بل خلق الطبيعة لتخدمه. جاء الانسان الي كوكب الأرض فوجده معدا اعدادا جيدا ليقوم فيه بدور الخلافة. وأودع الله قوانين الطبيعة في الأرض وجعلها متاحة لكل انسان عاقل. لا تحابي مؤمن علي كافر قال تعالي: (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِوَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا). في بعض الفترات الظلامية طغي الانسان على اخية الانسان واستعبد الأقوياء الضعفاء واسترقوهم وسخروهم لخدمتهم فكان الرق لقرون عديدة. وعندما جاء الإسلام وجد ذلك واقع معاش ففتح الإسلام أبواب التحرير وشجع علي فك الرقاب بل جعل ذلك اكثر أبواب الجنة وحرص الإسلام علي ان تكون الحرية شرط من شروط صحته فلا يقبل اسلام المكرة قال تعالي: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ومنذ القرن السادس عشر الميلادي بدأ تكوين الدولة القطرية في أوروبا فكر الاوروبيون في استعمار قارات العالم الأخرى وذلك لاستغلال مواردها الطبيعية والبشرية لبناء دولهم القطرية التي نشأت فدخلوا في حروب فيما بينهم وتحالفوا ضد بعضهم فغزوا معظم دول اسيا وكل افريقيا وأستراليا ودول أمريكا اللاتينية. وكانت بريطانيا تمثل رأس رمح دول الاستعمار الأوروبية فطوعت الصين والهند وجنوب افريقيا وكثيرا من دول العالم الأخرى. وكان سوداننا الحبيب واحد من تلك الامصار التي وقعت فريسة في يد الاستعمار البريطاني. السودان قطر امره عجيب الدولة التي دخلها الإسلام سلما لا حربا فانتشر الإسلام واستعرب اهل السودان كذلك سلما وهذه الخاصية جعلت انسان السودان فريد في المنطقة التي حوله سواء كانت افريقية او عربية فامتاز انسان السودان بأشياء سماها الامام الصادق المهدي (انسانيات سودانية) قلما توجد في أي مواطن افريقي او عربي جارا للسودان لذلك كانت الاستجابة المنقطعة النظير لنداء الامام المهدي عليه السلام عندما اعلن مهديته فترك كثيرا من الناس اوطارهم واهليهم استجابة لداعي التحرير الذي بايعوه علي قص الرقبة فكان تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885م في وقت لم تعرف كثير من دول العالم معني الخروج علي الغزاة فكان سودان الحرية والكرامة. وبعد ان عاد الغزاة للمرة الثانية ثأرا على الهزيمة النكراء التي لحقتهم من قبل أنصار الله. أيضا كان الاجماع الرائع الذي توافق عليه اهل السودان الذين رفعوا شعار السودان للسودانيين والذين رفعوا شعار السودان تحت التاج المصري كانت لحظة الوفاق في مؤتمر (بان دونق) والذي فاجأ فيه الزعيم الازهري حلفاءه وذلك عندما قال السودان للسودانيين. ان زيارة الازهري لكردفان هي التي كشفت حقيقة ان اهل السودان غالبيتهم شعارهم هو الشعار الذي رفعة الامام عبد الرحمن المهدي وخلفة ارتالا من الخريجين والاستقلالين فكانوا هم بحق صناع الاستقلال الثاني في مطلع يناير 1956م فكان الامام عبد الرحمن المهدي ربان السفينة وكان حادي الركب وكان مهندس وصانع استقلال السودان الذي بزل فيه كل غال ونفيس. الخطبة الثانية أن اعتراف النظام بالدولار الجمركي ثمانية عشر جنيها وفي حقيقة أمرها هي ثمانية عشر ألف جنية لهو إشارة واضحة للسوق أن يرتفع هذا الارتفاع الجنوني والذي جعل المواطن في حيرة من امره. هذا الاعتراف بالدولار الجمركي بان يكون ثمانية عشر ألف جنيها جعل كل المستورد بعيد المنال للمواطن وانعكس ذلك حتى على المنتجات المحلية لأنها مرتبطة بصورة أو أخري بالمستورد وذلك في مدخلات الإنتاج وغيره من بعض السلع. الشعارات التي كان يرفعها حزب الجبهة القومية الإسلامية والذي سطى على النظام الديمقراطي كان شعار رفع المعاناة عن كاهل المواطن وكثيرا ما كانت صحف الجبهة الإسلامية القومية تكتب عن هموم المعيشة وحياة المواطن في الوقت الذي كان فيه الوضع لم يكن بما يصورونه للناس. فقد كانت الحياة كلها طبيعية بل كانت تسير بكل سهوله ويسر. ولكن اليوم ما من مواطن الا ويشكي صعوبة المعيشة وسوء حال الأوضاع الاجتماعية والتدهور الاقتصادي والتردي في كل مناحي الحياة. تصدرت البلاد قائمة الإرهاب الدولي وصوت مجلس الأمن ضد النظام تحت الفصل السابع لعدة مرات. وانتظمت الحروب الأهلية معظم الولايات الطرفية. ودار فور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وهجر سكان الريف قراهم وبواديهم وريفوا المدن المختلفة حتى ان العاصمة أصبحت كقرية كبيرة مترامية الأطراف. وتعطلت كل مشاريع التنمية وعلى رأسها عظم ظهر البلاد مشروع الجزيرة وتوقف الإنتاج بكل اشكاله وانواعه واعتمدت البلاد على الاستيراد مما شجع الارتفاع الجنوني للعملات الصعبة فأصبح المستورد حتى بعض المأكولات والحلوى . وشجعت الحكومة على تنقيب الذهب بطريقة عشوائية وذلك لصرف الناس عن صعوبة المعيشة حتى تضمن الحكومة انشغال الناس بالتنقيب العشوائي عن المظاهرات او التجمعات ضد سياسات النظام الخاطئة وهذا التنقيب للذهب بتلك الطريقة العشوائية صرف كثيرا من العمال عن اعمال الإنتاج الزراعي او الرعوي فذهب الناس لتنقيب الذهب واهملت الزراعة وارتفعت تكاليف الإنتاج الزراعي حتى أن بعض المحاصيل الزراعية تركها أصحابها لعدم وجود عمال الحصاد. والمستغرب الارتفاع لكل السلع يوميا واحجام كثير من التجار عن بيع مال لديهم من بضاعة وذلك لعدم استقرار العملة الصعبة والمسؤول الأول عن كل ذلك هو سياسة نظام الإنقاذ التي أوصلت البلاد الي هذه الحالة السيئة التي ما كانت تخطر على خيالهم هم حتى أن قائلهم قال لولا مجيء الإنقاذ لوصل سعر صرف الدولار الي 20 جنيها وجاءت الإنقاذ وأعترفت بسعر صرف الدولار مقابل الجنية الي ثمانية عشر ألف جنية جمركي والذي وصل الي ثلاثين ألف جنية خارج المصرف. وكان وقتها سعر جوال الدقيق لا يتعدى الأربعين جنيه وكان وزن قطعة الخبز 200 جرام وسعرها قرشاً واحداً . أما اليوم فحدث ولا حرج فقد وصل سعر جوال الدقيق الى أربعمائة وخمسون جنيها (450ج) ووزن قطعة الخبز يساوي خمسين جرام ( 50 جم) وسعرها الف جنية (1000) يعني سعر قطعة الخبز الواحدة اليوم كان يمكن أن يشترى به المواطن أربعمائة الف (400.000) قطعة خبز ومقارنة بما مضي أيضاً يمكن أن نقول أن سعر رطل اللبن اليوم كان في الماضي يمكن أن يُشتري به حظيرة من الأبقار. وهذا يعكس مدي تدهور القوة الشرائية للجنية وبذلك يمكن للمرء تصور كل التدهور الذي أصاب البلاد وانعكس سلباً علي اخلاق العباد وتلك هي معادلة تقول كل ما تدهور وضع الناس اقتصادياً انعكس ذلك على سلوكهم الاجتماعية وهذا معني الجوع اخو الكفر. حقيقة اذا جاع الانسان باع دينة والقاعدة الفقهية مصلحة الأبدان مقدمة علي مصلحة الأديان فاذا كان للإنسان ماء قليل وجاء وقت الصلاة فعليه التيمم وشرب الماء بل أكثر من ذلك فالقران الكريم يقول صراحة: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ومعني ذلك من احتاج الي تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالي لضرورة الجأته الي ذلك فله تناوله والله غفور رحيم. نرجع ونقول ان النظام بسياساته الخاطئة قد أوصل كثير من المواطنين الي تلك الضرورات التي جعلت بعض الناس يقتاتون من أماكن مكب النفايات وبقايا السلخانات في أطراف المدينة. فهناك مناظر مألوفة تنافس بعض المحتاجين مع القطط والكلاب الضالة في تلك النفايات والتي من بينها الميتة وهذه المشاهد نقلتها لنا كاميرات بعض الصحفيين عبر الصحف السيارة. والباحث في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا يفاجأ بأحداث تشيب رؤوس الولدان. فالأوضاع الاقتصادية المتردية أوصلت بعض الناس لارتكاب جرائم لا تقتفر مثل هجرة عدد من الشباب والشابات الي خارج الحدود وذلك بقصد بيع اعضائهم ليسدوا رمق العيش والبعض الاخر امتهن الرزيلة وباع شرفة وشرف اسرته وهو لا يبالي بل البعض الحد وأنكر وجود الخالق والبعض الاخر بحث عن دين يعيش تحت كنف اتباعه الذين يرجوا منهم الرعاية وتسهيل سبل العيش وهكذا فُتن الناس في دينهم (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). اللهم أرحمنا وأرحم ابناءنا وأمهاتنا، وأهدينا وأهدي أبناءنا وبناتنا وجنب بلاد الفتن ما ظهر منها وبطن، (إنك سيمع قريب مجيب الدعاء).