الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيدلوجيا الدين(3- 15): مظاهر و تجليات أسلمة ألمعرفة في مناهج التربية والتعليم في السودان
نشر في حريات يوم 09 - 03 - 2018

يُشَكَّل هذا المقال السانحة المناسبة لتسبيب وتوطين معضلة المعرفة في ذات 'رمال هويتنا السودانية‘, وذلك في بداية المقام, ومن ثم طرح تلك التجربة في إطار واقع التجربة المماثلة في أندونيسيا, والمُشابِه – المُعاكِسة, المتمثلة في "علمنة الإمبراطورية العثمانية", وأخيراً تناولها في إطار تجربة الأخر المختلف, المتمثلة في تجربة "العلمنة في الثقافة الغربية". ومن بعد سنقوم بعرض منفصل لعملية ألأدلجة والتلقين, تحت عنوان "اللغة وأدوات ألأدلجة" من قبل أن نقول برأينا، فيما عرفنا من حقيقة, في الختام, تحت عنوان "أين تكمن ألحقيقة".
للتدليل علي واقع محاولات أسلمة المعرفة في مناهج التربية والتعليم السودانية، سنقوم بإستطراد بعض النماذج من مظاهر و تجليات أسلمة مناهج التعليم في السودان التي وردت في مقال التجاني الحاج عبدالرحمن: "مداخل لفهم العنصرية في المناهج التعليمية بالسودان"، الواردة في موقع راديو دبنقا، بتاريخ 7/05/2015[1]،ومقال طارق نورالدين: "لا طريق أقصر إلى التشدد من التعليم السوداني"، المنشور في جريدة العرب الإلكترونية، وبتاريخ 11/10/2016[2].
إخترنا من مقال التجاني الحاج عبدالرحمن النموذجين التاليين:
نموذج (1): كتاب "المنهل في اللغة العربية"؛ الدرس الثالث؛ ص78 ؛ 'المسجد المدرسة الأولي‘.
نموذج (2): مادة الرياضيات؛ صفحة؛ 90‘ تمرين رقم 3: السؤال: سجادة صلاة طولها متر ونصف، فكم طول هذه السجادة بالسنتمتر؟[1].
أورد طارق نورالدين، في مقاله المذكور أعلاه، وعلي لسان وزير الدولة بوزارة التعليم العالي, خميس كجو كندة،خطة توجيه "تعزيز الأسلمة في المناهج السودانية"، والتي سنورد منها فقرات متتالية كأمثلة مقتبسة لمظاهر و تجليات أسلمة المعرفة في مناهج التربية والتعليم:
نموذج (3): في "اللغة العربية" و التوجه العام، ورد في خطاب خميس كجو كندة، "التأصيل عملية ملحة لأنه يحول دون الغزو الفكري وآثار العولمة. وأقترح الإقتباس من كتب 'الرحيق المختوم‘, تأليف صفي الرحمن المبارك ، و'ثقافة الداعية‘ من تأليف الداعية يوسف القرضاوي, و'قبسات من السنة‘ للكاتب الإسلامي الراحل محمد قطب، و'المعلم الداعية‘, من تأليف عبدالمنعم صبير."
نموذج (4): في منهج الأحياء: "…تطرح الخطة إعادة صياغة أهداف المقررات بطريقة تتفق وتتسق مع التوجه الإسلامي للأمة, من خلال الإستشهاد بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في متن المادة العلمية، في منهج الأحياء المقرر على المرحلة الثانية من الثانوية العامة."
نموذج (5): في علم التاريخ: "…ولتطوير منهج التاريخ, إعتماد القرآن والسنة كمصدرين للتاريخ، وأسلمة المصطلح التاريخي واعتماد التقويم الهجري وترسيخه مقابل التقويم الميلادي، والتركيز على التاريخ الإسلامي…"
نموذج (6): الجغرافيا والدراسات البيئية: "…طالبت الخطة بتزويد مناهجها بدروس تتناول التوحيد والرضاء بالقضاء والقدر والصبر على الابتلاء عند وقوع كارثة طبيعية.[2].
كما سبق أن ذكرنا، في مقال"أيدلوجيا الدين(1-15): المعرفة والإسلام السياسي في السودان"، أن قررت وزارة التربية والتعليم السودانية حذف بعض الدروس من مادة التربية الإسلامية لمرحلتي الأساس والثانوي, أهمها مادتي "تنقية العقيدة من الخرافات"، و"الإسلام دين التوحيد". وقد مثل جوهر هاتين المادتين المحذوفتين المنهج السلفي الذي يعتبر بعص الشعائر والممارسات التي يقرها المنهج الصوفي، من مثل التَمسُّح بالأضرِحة والتبرك بالأولياء ضرب من الشعوذة و الخُرافاتْ، وبدع دخيلة على الإسلام.
هذا فيما تَبَّدي علي مستوي توجه الدولة في محاولتها التوفيق بين توجهها الأيديولوجي، الإسلامي المعلن، وحاجات الواقع المادي والروحي، المتشابك والمعقد. أما في ما يتعلق بالتطبيق العملي لمفهوم أسلمة المعرفة فقد ظَللًّت حبيسة الأدراج، ولاتزال قيد الدراسة والبحث، علي الرغم من أهميتها في توجيه السياسات الرسمية للدولة لتحقيق "مشروعها الحضاري". في محاولة لفهم وتفسير عجز الإرادة السياسة في تطبيق إجتهادها في مشروع أسلمة المعرفة، في المؤسسات الرسمية للدولة السودانية، أورد قرشي عوض، في مقاله "بذور الإرهاب والتطرف في مناهج التربية الإسلامية في السودان"، المنشور في صحيفة التغيير الإلكترونية[3]، شكوك د. عمر يوسف الطيب، المحاضر بكلية الآداب جامعة النيلين، التي مفادها أن ظاهرة أسلمة مواد التربية والتعليم قد تسربيها وتطبيقها بواسطة كادر الخدمة المدنية من الإسلاميين والسلفيين المتغلغلين في شعبة المناهج بوزارة التربية والتعليم .
هذا علي مستوي واقع التعليم في مؤسسات الدولة الرسمية، أما علي مستوي أحكام فهم التربية والتعليم في الثقافة العامة، السائدة, في وجهة نظرنا, أن عملية الأسلمة 'التلقائية‘، الغير رسمية المشار إليها، تسربت من خلال عدم إكْتِراث الطبقة المتعلمة بطبيعة ونوع المعرفة الموجهة لجيلها الناشئ، والكيفيةالتي يتم بها نقلها وإيصالها لمتلقيها في مؤسسات الدولة والمجتمع، بمختلف أشكالها. فلا زالت وسائل العنف والقسر التربوي، وقضايا الفصل الجندري، وموقع الدين و العقيدة من هيكل مناهج التعليم، تاخذ الحيز الضيق والمهمش في العقل الجمعي للمجتمعات السودانية. وأيضاً، قد يكون تسرب 'الأسلمة التلقائية‘ بسبب غياب مشاركة المجتمع في صناعة سياسات التعليم الرسمية، أو لإحتمال تَيَقُّنه وركونه لحتمية نفاذ قيم ومثل سلطة الثقافة السائدة في تحديد شكلها ومضمونها. كذلك، قد يكون تسرب الأسلمة بسبب الإختلاف حول فلسفة عملية الأسلمة، أو صعوبات التطبيق العملي التي تتمثل في وجود كثير من معينات المعرفة المادية خارج الإرادة السياسية والمقدرات المادية للجهات المعنية بإنزال سياساتها علي أرض الواقع.
كل ما ورد في المقدمتين أو في النماذج الستة المقتبسةأعلاها، يمثل مشروع أسلمة مناهج التربية والتعليم الواردة في الخطاب الرسمي للدولة، والذي لم يبارح طور الرؤى والمقترحاتالتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد. أما الذي تمَّ تسريبه وتطبيقه في مناهج التربية والتعليم، ليسأكثر من محاولات مرتجلة وعشوائية وجدت طريقها إلي مشروع دولة الإسلام الحضاريبمجهود بعض الإسلاميين المتشددين، أو المتحمسين،الراغبين في ذلك.
وبعد هذا نجد أنفسنا نكرهُأن نفكر في أنيكون ما آل إليه حال التربية والتعليمفي السودان، أحد إنعكاساتتمركز المتعلمين/ات حول ذواتهم/هن، وحالة 'اللامبالاة الفكرية‘بنوع وطبيعة المعرفة التي تُعْلي من قيمة الإنسان ورجاحة عقله، و تفيد أسباب تحرر الإنسان وتوظيف علمه ومعرفته لصالح الحداثةوالإستنارة.
إذا غضينا النظر عن مادة التربية الإسلامية، وتمعنا في جوهر بقية المناهجالمتوفرة لديمؤسسات التربية والتعليم الرسمية، فسوف نجدها لا تختلف في جوهرها عن المواد المتوفرة لنظم التعليمفي بعض البلدان الأخري، ولاكن في الكثير من مقدماتها وبعض حواشيهاالتي أقحمت فيها النصوص القرانية والأحاديث النبوية قسراً وإعتباطاً، من دون أن تمس الغرض الأكاديمي لمحتواها. علي سبيل المثال، تصدير مادة الرياضيات بآية قرآنية أو حديث نبوي، لن يغير من نتيجة حاصل عملية الجمع أو الطرح الحسابية، ولاكن قصد منه التذكير والتأكيد علي سلطة الدين وشمول نصه لكل أنواع المعرفة وفروعها التي من ضمنها علم الرياضيات. بالإضافة إلي أن عملية الأسلمة العشوائية هذه، قصد منها تقييد عمليةالبحث والتفكير حتي لا يتجرأ منهجها بالتعدي علي حدود النص المقدس،وفهم وتفسير القائمين بالوصاية علي أمر الدينوحمايته.
"ثم شرعت الإنقاذ في تغيير المناهج الدراسية بلا أساس علمي ووفق منظور أيديولوجي مغلق وجامد وأحادي ينبني على الحفظ والتلقين والإجترار ولا يشجع على النقد والإبداع والإبتكار." هكذا فهم ولخص ألأستاذ بابكر فيصل بابكر عملية ألأسلمة التي تصورها عقل الإسلام السياسي في السودان، في مقاله "مأساة ألتعليم"، الوارد في صحيفة سودانايل ألإلكترونية، بتاريخ 08/06/2017[4].
في النموذج رقم (1)، واضحمن عنوان الدرس، "المسجد المدرسة الأولي"،الإرتباط الوثيق بين مفهوم المعرفة وطقوس وشعائر العبادة.فالأسلمة هناتشير إلي أن المعرفة،الدين،المسجد واللغة العربيةتوجد في علاقة ترابط عضوي وثيق، بدونه يغيب العلم وتضعف العقيدة والإيمان.
فيما يخص التمرين الحسابي الوارد في النموذج رقم (2)، والمربوط بطقس 'الصلاة‘والمتمثل في رمزها 'السجادة‘،هدف منه تغييب أو تغبيش معلومة مبدأ التجريد في علم الرياضيات ودوره المحوري في بناء الإستنتاج المنطقي والعقل النقدي المستقل. عملية تغييب التفكير المجرد، و من أي نوعأو أسلوب كانت،تمهد لمنهج الحفظ والتلقين التي تفرضها طبيعة المعرفة الدينية. فعلي الرغم من صعوبة تجريد الرمز الديني من تبعات العقيدة والإيمان، نجد أنفسنا نقول أنه لاغضاضة في أن تكون السجادة موضوعاً لإيجاد أبعاد المساحات والأحجام الحسابية, ولاكن من خلال التأطير الواضح والصريح لبديهيات التجريد في علم الحساب والرياضيات، بشكل خاص، وعملية إيصال المعرفة، بشكل عام.
في النموذج رقم (3)، الوارد في إقتباس مقال طارق نورالدين، وردت خطة الأسلمةفي إطار مادة اللغة العربية من أجل التأكيد علي علاقة 'الترابط المعرفي‘ بين الإسلام واللغة العربية. فالمعرفة الصحيحة، في قصدمفهوم الأسلمة الوارد في الأمثلة أعلاها، تُسْتَمدمن الكتاب المقدسالذي تَنزَّلباللغة العربية. وهكذا، بتفاعل وتداخل النص واللغة تتوحد الذات والهوية،وتتهيأ الروح وتستعد لتلقي الإيحاء بالعلم والحكمة. من الواضح أيضاً،هنا، أن مقاربة التأصيلالديني المقترحة في هذا النموذج ترفض كل مصادر المعارف الأخري،وذلك من قبل أن تعي، تفهم، أو تحدد الفارق النوعي أوبين المعرفة الإسلامية وغيرها من المعارف. وفي ذلك تذهبأبعد من ذلك لتقرر أن المعرفة المستمدة من الدين تُحَصِّن عقل المتلقي – الناشئ ضد العلمنة والغزو الفكري الأتي من باب الثقافة الغربية، الغير مسلمة، بطبيعة الحال.
في هذا الصدد، نجد انفسنا مأخوذين ببعض الفضول والإهتمام بأهمية دور اللغة في إكتساب معرفة العقيدة والإيمان، ولذلك قمنا بإيراد مقاربةولاية 'بافاريا‘، في دولة ألمانيا العلمانيةالصرفة، لتدريس مادة التربية الإسلاميةبغرض تسهيل إندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني العريض والمتعدد الديانات. ولاكن،تدريس مادة التربية الإسلامية، يجب أن يتم بعد تحقيق شرط معرفة وإتقان اللغة الألمانية،والتي في عقل القائم بأمر التعليم، في تلك الولاية الألمانية، مثلت القاسم المشترك، والأداة الأهم والأشمل في عملية الإندماج الحضاري والثقافي. وهنا، قد نحتاج لوقفة طويلة لتذكير أنفسنا بحقيقة بداية التاريخ في صباح ميلاد الكتابة ، ونوء كاهل اللغة بحمل عبء وقصور الثقافة العَتِيدُ.
أما خطة أسلمة منهج علوم ألأحياء, الواردة في النموذج رقم (4) فهي لتأكيدتتطابق وملائمة ظواهر طبيعية مع قصة الخلق والتكوين, وتهيئة العقل للتسليم بقبول مظاهر تحورها وتجلياتها علي أنها تقع خارج حدود تفكير الإنسان، والتي قد تشكل محاولة فهمها،أوالتدخل من أجل تغيير مسارها المحتوم، تشكيك في قدرية الخلق ومبدأ الفناء ويوم الحساب.
النموذج رقم (5) يتعامل مع المعرفة في إطار عامل الزمن الذي بدأ مع بداية قصة الخلق عندما اُنْزِلَ أدم إلي كوكب الأرضعقاباً لما قطفتيداه من ثمرة الشجرة المحرمة– فالزمن قبل ذلك سرمدي بلا بداية. وحتي يتم التأكيد علي ملائمة التاريخ مع مغزي ومحتوي عملية تسلسل الخلق والتكوين، وتفادي تناقضها مععقيدة الإيمان باليوم الأخر، تم تحديد بداية التاريخ ومعالم نهايته،ولاكن من دون أية معالجة عقلانيةتماثل، في شكلها أو مضمونها، مقاربة المعتزلة في تبنيهم لمبدأ خلق القرآن لمصالةالتأريخ مع تأويل النص المقدس. وبمقاربة مختلفة، ولاكن بنفس ترتيب المقدمات،والأخذ في الإعتبارالتفاوت المعرفي في ألأديان السماوية الثلاثة: اليهودية, المسيحية, والإسلام، وذلك علي الرغم من تَوَحُدها حول قصة الخلق الآدمي، فلابد من القول بأن قراءة التاريخ التي تتجاهل وحدة الأصل في ألإنسان وتاريخ صيرورته، تتناقض مع مبدأ وحدة وشمول عملية الخلق الإلهي، بمنطق نفس عقيدتها،وأيضا تتناقض مع طبيعة تنوع المعرفة وتجددها، بمنطق صيرورتها في الزمان والمكان. فإن المعرفة التي تقول ب"…إعتماد القرآن والسنة كمصدرين للتاريخ…واعتماد التقويم الهجري وترسيخه مقابل التقويم الميلادي…" تحاول أن تري الإسلام في أوقاتيتيمة، منبتة الأصل، تختار، وبمحض إرادتها، البقاء خارج عملية التاريخالتي لاتنفك عن محاولة إحتكارها لنفسها – وحدها.
في النموذج رقم (6) سندع خطة أسلمة الجغرافيا والدراسات البيئية وحالها لتحدثنا عن نفسها: "طالبت الخطة بتزويد مناهجها بدروس تتناول التوحيد والرضاء بالقضاء والقدر والصبر على الابتلاء عند وقوع كارثة طبيعية".
وبعد كل هذا، وعلي الرغم من التجربة الراسخة في إفادة حيادية المعلومة للمعرفة ، فلا مناص من الإشارة إلي أن مبدأ 'ديمقراطية المعرفة والثقافة‘ يتطلب الإعتراف بالدورالمهم الذي تقوم به العقيدة في توجيه الحياة الروحية للمجتمع. وإذا إفترضنا، جدلاً، حتمية ضرورة تدريس مادتي "تنقية العقيدة من الخرافات"، و"الإسلام دين التوحيد"، فلنا توقع أن يتم ذلك بأسلوب تدريسيتماشى مع روح التوحيد العقائدي في بعده المتسامح، وقصد الإبتعاد عن أسلوب الإستقطاب والتدجين للعقول الناشئة والطرية.
تجربة تدريس مادة التربية الإسلامية من ضمن "علم الأديان المقارن"، نقول، ويقول البعض، تقفت بها علي مسافة متساوية من الديان الأخري وتعيدصياغتها في صورة منهج علمي يبعدها عن أحادية التفكيرودوغما اللاهوت، ويقربها، كذلك، من إطار التجريد المعرفي الذي يعفيها من حرج التناقض المنطقي، وأيضاً، يجعلها في تناسق وتكامل مع بقية العلوم والمناهج.الجدير بالذكر، أن عملية "التَناصْ" في مفهوم شرح وتأويلالنصوص الدينية التي ترث بعض أو كل صفات الأصول،قصد منهاتحريرالنص من قيود سياق زمنه القديم والباليحتي يتمكن من تبادل المعاني والدلالات مع معاصريه من مجموعات النصوصالدينية والثقافية ألأخري.بالإضافة إلي أن "التناص" عند المفكر الجزائري- الفرنسي محمد أركون، يمثل فلسفة قراءة النص التي تبرر أنسنة العقيدة، وضرورةوأهمية قراءتها وفهمها بالمقارنة مع الأديان الأخري[5].وبذلك، يمكن القول بأن مفهوم "أنسنة العقيدة" يتمحور إهتمامه حول 'الإنسان الكوني‘ الذي يساهم في خلق ذاكرة جمعية تكرس للتسامح وإحترام الرأي الأخر؛ وتحتفي بوحدة أصل نوعها وتعدد وإختلاف عرقها وفكرها[6].
أما إذا إخذنا برأي ماكس وَيبَرالذي مفاده أن إنتقال مسؤولية التربية والتعليم، من نطاق الأسرة والمجتمع المحدود، إلي مؤسسات الدولة الحديثة، تقود إلي "تقليص الضمير الجمعي" الذي يخرج الفرد من دائرة التنميط الثقافي، ويحرره من قيود 'الإتساق والتجانس الإجتماعي اللصيق‘[7]، وبالتالي يقود إلي إنتاج عقل حر ومنفتح علي ألرأي الأخر، ومُتَفهِّم ومُتَقبِّل لعقيدة الأخرين، بتماثل معاكس، يمكننا إفتراض أن حصر توصيل المعرفة في طريقة أومذهب ديني بعينه، ناهيك عن الإقصاء المتبادل للطرق والمذاهب التي تتوحد في تقديس نفس الإله، تقود إلي النتيجة المعاكسةلعملية تقليص الضمير الجمعي،وتضع المزيد من القيود والمحاذير حول عملية التساؤل والبحث، وتؤسس، في النهاية،لعملية لرفد المجتمع بعقول متكلسة ومتعصبةلآرائها ومواقفها. وفي هذا، إذا أحذنا بضرورة مبدأ 'الحياد التربوي والتعليمي‘ فسنجده يتداخل ويتكامل مع مفهوم 'شعوبية وديمقراطية التعليم‘ويؤسس لمبدأ ضرورة إفادة المعرفة 'لمتلازمة التحرر الإستنارة‘. وأيضا كذلك، أذا أخذنا في الإعتبار ضرورة سلامة الإرث الثقافي لعملية التغيير الثقافي، فسنجد أن التعايش الديني، بمفهومه العريض، يضمن تأقلم وبقاء المعرفة لحين توريث جيناتها الهجين، المُحَسَّنة،لأجيال المستقبل.
يتبع: أيدلوجيا ألدين(4-15): أصل ومفهوم أسلمة المعرفة
مصادر
[1] ا. ا. عبدالرحمن، "ألأخبار،" 7 مايو 2015. [متصل]. . Available: https://www.dabangasudan.org/ar/all-news/article/. [تاريخ الوصول 3 أكتوبر 2017].
[2] ط. نورالدين، "لا طريق أقصر إلى التشدد من التعليم السوداني،" 11 10 2016. [متصل]. Available: http://thearabdaily.co.uk/article/91941/manifest.html. [تاريخ الوصول 15 اكتوبر 2017].
[3] ق. عوض، "بذور الإرهاب والتطرف في مناهج التربية الإسلامية في السودان،" 19 سبتمبر 2017. [متصل]. Available: https://www.altaghyeer.info/2017/09/19/AF/. [تاريخ الوصول 3 سبتمبر 2017].
[4] ب. ف. بابكر، "مأساة ألتعليم،" 8 يونيو 2017. [متصل]. Available: http://www.sudanile.com/99683. [تاريخ الوصول 3 سبتمبر 2017].
[5] م. أركون، "نزعة الأنسنة في الفكر العربي،" 1997. [متصل]. Available: https://docs.google.com/file/d/0B4tdKbWs3AxXY21kN0RZU2s4Q3M/edit. [تاريخ الوصول 24 فبراير 2018].
[6] د. ك. مصطفى، "الأنسنة و التأويل في فكر محمد أركون،" 2007-2008. [متصل]. Available: https://bu.umc.edu.dz/theses/philosophie/AKIH2524.pdf. [تاريخ الوصول 24 فبراير 2018].
[7] M. D. Max Weber، "The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism،" Routledge، 1992.
[8] alrakoba.net، "إعمال ألإجتهاد الفكري وفقاً للقيم الدينية والثقافية،" 17 December 2017. [متصل]. Available: https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-293949.htm. [تاريخ الوصول 17 December 2017].
[9] "السودان الان: مقرر الاسلام دين التوحيد – جدل السلفية والصوفية،" 21 أغسطس 2017. [متصل]. Available: https://www.sudanakhbar.com/104786.
د. عثمان عابدين عثمان
[email protected]
www.facebook.com/oosman51/notes?lst


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.