شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيدلوجيا الدين(3- 15): مظاهر و تجليات أسلمة ألمعرفة في مناهج التربية والتعليم في السودان .. بقلم: د. عثمان عابدين عثمان
نشر في سودانيل يوم 09 - 03 - 2018

يُشَكَّل هذا المقال السانحة المناسبة لتسبيب وتوطين معضلة المعرفة في ذات 'رمال هويتنا السودانية‘, وذلك في بداية المقام, ومن ثم طرح تلك التجربة في إطار واقع التجربة المماثلة في أندونيسيا, والمُشابِه – المُعاكِسة, المتمثلة في "علمنة الإمبراطورية العثمانية", وأخيراً تناولها في إطار تجربة الأخر المختلف, المتمثلة في تجربة "العلمنة في الثقافة الغربية". ومن بعد سنقوم بعرض منفصل لعملية ألأدلجة والتلقين, تحت عنوان "اللغة وأدوات ألأدلجة" من قبل أن نقول برأينا، فيما عرفنا من حقيقة, في الختام, تحت عنوان "أين تكمن ألحقيقة".
للتدليل علي واقع محاولات أسلمة المعرفة في مناهج التربية والتعليم السودانية، سنقوم بإستطراد بعض النماذج من مظاهر و تجليات أسلمة مناهج التعليم في السودان التي وردت في مقال التجاني الحاج عبد الرحمن: "مداخل لفهم العنصرية في المناهج التعليمية بالسودان"، الواردة في موقع راديو دبنقا، بتاريخ 7/05/2015 [1]، ومقال طارق نور الدين: "لا طريق أقصر إلى التشدد من التعليم السوداني"، المنشور في جريدة العرب الإلكترونية، وبتاريخ 11/10/2016 [2].
إخترنا من مقال التجاني الحاج عبد الرحمن النموذجين التاليين:
نموذج (1): كتاب "المنهل في اللغة العربية"؛ الدرس الثالث؛ ص78 ؛ 'المسجد المدرسة الأولي‘.
نموذج (2): مادة الرياضيات؛ صفحة؛ 90‘ تمرين رقم 3: السؤال: سجادة صلاة طولها متر ونصف، فكم طول هذه السجادة بالسنتمتر؟ [1] .
أورد طارق نور الدين، في مقاله المذكور أعلاه، وعلي لسان وزير الدولة بوزارة التعليم العالي, خميس كجو كندة، خطة توجيه "تعزيز الأسلمة في المناهج السودانية"، والتي سنورد منها فقرات متتالية كأمثلة مقتبسة لمظاهر و تجليات أسلمة المعرفة في مناهج التربية والتعليم:
نموذج (3): في "اللغة العربية" و التوجه العام، ورد في خطاب خميس كجو كندة، "التأصيل عملية ملحة لأنه يحول دون الغزو الفكري وآثار العولمة. وأقترح الإقتباس من كتب 'الرحيق المختوم‘, تأليف صفي الرحمن المبارك ، و'ثقافة الداعية‘ من تأليف الداعية يوسف القرضاوي, و'قبسات من السنة‘ للكاتب الإسلامي الراحل محمد قطب، و'المعلم الداعية‘, من تأليف عبد المنعم صبير."
نموذج (4): في منهج الأحياء: "...تطرح الخطة إعادة صياغة أهداف المقررات بطريقة تتفق وتتسق مع التوجه الإسلامي للأمة, من خلال الإستشهاد بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في متن المادة العلمية، في منهج الأحياء المقرر على المرحلة الثانية من الثانوية العامة."
نموذج (5): في علم التاريخ: "...ولتطوير منهج التاريخ, إعتماد القرآن والسنة كمصدرين للتاريخ، وأسلمة المصطلح التاريخي واعتماد التقويم الهجري وترسيخه مقابل التقويم الميلادي، والتركيز على التاريخ الإسلامي..."
نموذج (6): الجغرافيا والدراسات البيئية: "...طالبت الخطة بتزويد مناهجها بدروس تتناول التوحيد والرضاء بالقضاء والقدر والصبر على الابتلاء عند وقوع كارثة طبيعية. [2].
كما سبق أن ذكرنا، في مقال "أيدلوجيا الدين (1-15): المعرفة والإسلام السياسي في السودان"، أن قررت وزارة التربية والتعليم السودانية حذف بعض الدروس من مادة التربية الإسلامية لمرحلتي الأساس والثانوي, أهمها مادتي "تنقية العقيدة من الخرافات"، و"الإسلام دين التوحيد". وقد مثل جوهر هاتين المادتين المحذوفتين المنهج السلفي الذي يعتبر بعص الشعائر والممارسات التي يقرها المنهج الصوفي، من مثل التَمسُّح بالأضرِحة والتبرك بالأولياء ضرب من الشعوذة و الخُرافاتْ، وبدع دخيلة على الإسلام.
هذا فيما تَبَّدي علي مستوي توجه الدولة في محاولتها التوفيق بين توجهها الأيديولوجي، الإسلامي المعلن، وحاجات الواقع المادي والروحي، المتشابك والمعقد. أما في ما يتعلق بالتطبيق العملي لمفهوم أسلمة المعرفة فقد ظَللًّت حبيسة الأدراج، ولا تزال قيد الدراسة والبحث، علي الرغم من أهميتها في توجيه السياسات الرسمية للدولة لتحقيق "مشروعها الحضاري". في محاولة لفهم وتفسير عجز الإرادة السياسة في تطبيق إجتهادها في مشروع أسلمة المعرفة، في المؤسسات الرسمية للدولة السودانية، أورد قرشي عوض، في مقاله "بذور الإرهاب والتطرف في مناهج التربية الإسلامية في السودان"، المنشور في صحيفة التغيير الإلكترونية [3]، شكوك د. عمر يوسف الطيب، المحاضر بكلية الآداب جامعة النيلين، التي مفادها أن ظاهرة أسلمة مواد التربية والتعليم قد تسربيها وتطبيقها بواسطة كادر الخدمة المدنية من الإسلاميين والسلفيين المتغلغلين في شعبة المناهج بوزارة التربية والتعليم .
هذا علي مستوي واقع التعليم في مؤسسات الدولة الرسمية، أما علي مستوي أحكام فهم التربية والتعليم في الثقافة العامة، السائدة, في وجهة نظرنا, أن عملية الأسلمة 'التلقائية‘، الغير رسمية المشار إليها، تسربت من خلال عدم إكْتِراث الطبقة المتعلمة بطبيعة ونوع المعرفة الموجهة لجيلها الناشئ، والكيفية التي يتم بها نقلها وإيصالها لمتلقيها في مؤسسات الدولة والمجتمع، بمختلف أشكالها. فلا زالت وسائل العنف والقسر التربوي، وقضايا الفصل الجندري، وموقع الدين و العقيدة من هيكل مناهج التعليم، تاخذ الحيز الضيق والمهمش في العقل الجمعي للمجتمعات السودانية. وأيضاً، قد يكون تسرب 'الأسلمة التلقائية‘ بسبب غياب مشاركة المجتمع في صناعة سياسات التعليم الرسمية، أو لإحتمال تَيَقُّنه وركونه لحتمية نفاذ قيم ومثل سلطة الثقافة السائدة في تحديد شكلها ومضمونها. كذلك، قد يكون تسرب الأسلمة بسبب الإختلاف حول فلسفة عملية الأسلمة، أو صعوبات التطبيق العملي التي تتمثل في وجود كثير من معينات المعرفة المادية خارج الإرادة السياسية والمقدرات المادية للجهات المعنية بإنزال سياساتها علي أرض الواقع.
كل ما ورد في المقدمتين أو في النماذج الستة المقتبسة أعلاها، يمثل مشروع أسلمة مناهج التربية والتعليم الواردة في الخطاب الرسمي للدولة، والذي لم يبارح طور الرؤى والمقترحات التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد. أما الذي تمَّ تسريبه وتطبيقه في مناهج التربية والتعليم، ليس أكثر من محاولات مرتجلة وعشوائية وجدت طريقها إلي مشروع دولة الإسلام الحضاري بمجهود بعض الإسلاميين المتشددين، أو المتحمسين،الراغبين في ذلك.
وبعد هذا نجد أنفسنا نكرهُ أن نفكر في أن يكون ما آل إليه حال التربية والتعليم في السودان، أحد إنعكاسات تمركز المتعلمين/ات حول ذواتهم/هن، وحالة 'اللامبالاة الفكرية‘ بنوع وطبيعة المعرفة التي تُعْلي من قيمة الإنسان ورجاحة عقله، و تفيد أسباب تحرر الإنسان وتوظيف علمه ومعرفته لصالح الحداثة والإستنارة.
إذا غضينا النظر عن مادة التربية الإسلامية، وتمعنا في جوهر بقية المناهج المتوفرة لدي مؤسسات التربية والتعليم الرسمية، فسوف نجدها لا تختلف في جوهرها عن المواد المتوفرة لنظم التعليم في بعض البلدان الأخري، ولاكن في الكثير من مقدماتها وبعض حواشيها التي أقحمت فيها النصوص القرانية والأحاديث النبوية قسراً وإعتباطاً، من دون أن تمس الغرض الأكاديمي لمحتواها. علي سبيل المثال، تصدير مادة الرياضيات بآية قرآنية أو حديث نبوي، لن يغير من نتيجة حاصل عملية الجمع أو الطرح الحسابية، ولاكن قصد منه التذكير والتأكيد علي سلطة الدين وشمول نصه لكل أنواع المعرفة وفروعها التي من ضمنها علم الرياضيات. بالإضافة إلي أن عملية الأسلمة العشوائية هذه، قصد منها تقييد عملية البحث والتفكير حتي لا يتجرأ منهجها بالتعدي علي حدود النص المقدس، وفهم وتفسير القائمين بالوصاية علي أمر الدين وحمايته.
"ثم شرعت الإنقاذ في تغيير المناهج الدراسية بلا أساس علمي ووفق منظور أيديولوجي مغلق وجامد وأحادي ينبني على الحفظ والتلقين والإجترار ولا يشجع على النقد والإبداع والإبتكار." هكذا فهم ولخص ألأستاذ بابكر فيصل بابكر عملية ألأسلمة التي تصورها عقل الإسلام السياسي في السودان، في مقاله "مأساة ألتعليم"، الوارد في صحيفة سودانايل ألإلكترونية، بتاريخ 08/06/2017 [4].
في النموذج رقم (1)، واضح من عنوان الدرس، "المسجد المدرسة الأولي"، الإرتباط الوثيق بين مفهوم المعرفة وطقوس وشعائر العبادة. فالأسلمة هنا تشير إلي أن المعرفة، الدين، المسجد واللغة العربية توجد في علاقة ترابط عضوي وثيق، بدونه يغيب العلم وتضعف العقيدة والإيمان.
فيما يخص التمرين الحسابي الوارد في النموذج رقم (2)، والمربوط بطقس 'الصلاة‘ والمتمثل في رمزها 'السجادة‘، هدف منه تغييب أو تغبيش معلومة مبدأ التجريد في علم الرياضيات ودوره المحوري في بناء الإستنتاج المنطقي والعقل النقدي المستقل. عملية تغييب التفكير المجرد، و من أي نوع أو أسلوب كانت، تمهد لمنهج الحفظ والتلقين التي تفرضها طبيعة المعرفة الدينية. فعلي الرغم من صعوبة تجريد الرمز الديني من تبعات العقيدة والإيمان، نجد أنفسنا نقول أنه لاغضاضة في أن تكون السجادة موضوعاً لإيجاد أبعاد المساحات والأحجام الحسابية, ولاكن من خلال التأطير الواضح والصريح لبديهيات التجريد في علم الحساب والرياضيات، بشكل خاص، وعملية إيصال المعرفة، بشكل عام.
في النموذج رقم (3)، الوارد في إقتباس مقال طارق نور الدين، وردت خطة الأسلمة في إطار مادة اللغة العربية من أجل التأكيد علي علاقة 'الترابط المعرفي‘ بين الإسلام واللغة العربية. فالمعرفة الصحيحة، في قصد مفهوم الأسلمة الوارد في الأمثلة أعلاها، تُسْتَمد من الكتاب المقدس الذي تَنزَّل باللغة العربية. وهكذا، بتفاعل وتداخل النص واللغة تتوحد الذات والهوية، وتتهيأ الروح وتستعد لتلقي الإيحاء بالعلم والحكمة. من الواضح أيضاً، هنا، أن مقاربة التأصيل الديني المقترحة في هذا النموذج ترفض كل مصادر المعارف الأخري، وذلك من قبل أن تعي، تفهم، أو تحدد الفارق النوعي أو بين المعرفة الإسلامية وغيرها من المعارف. وفي ذلك تذهب أبعد من ذلك لتقرر أن المعرفة المستمدة من الدين تُحَصِّن عقل المتلقي - الناشئ ضد العلمنة والغزو الفكري الأتي من باب الثقافة الغربية، الغير مسلمة، بطبيعة الحال.
في هذا الصدد، نجد انفسنا مأخوذين ببعض الفضول والإهتمام بأهمية دور اللغة في إكتساب معرفة العقيدة والإيمان، ولذلك قمنا بإيراد مقاربة ولاية 'بافاريا‘، في دولة ألمانيا العلمانية الصرفة، لتدريس مادة التربية الإسلامية بغرض تسهيل إندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني العريض والمتعدد الديانات. ولاكن، تدريس مادة التربية الإسلامية، يجب أن يتم بعد تحقيق شرط معرفة وإتقان اللغة الألمانية، والتي في عقل القائم بأمر التعليم، في تلك الولاية الألمانية، مثلت القاسم المشترك، والأداة الأهم والأشمل في عملية الإندماج الحضاري والثقافي. وهنا، قد نحتاج لوقفة طويلة لتذكير أنفسنا بحقيقة بداية التاريخ في صباح ميلاد الكتابة ، ونوء كاهل اللغة بحمل عبء وقصور الثقافة العَتِيدُ.
أما خطة أسلمة منهج علوم ألأحياء, الواردة في النموذج رقم (4) فهي لتأكيد تتطابق وملائمة ظواهر طبيعية مع قصة الخلق والتكوين, وتهيئة العقل للتسليم بقبول مظاهر تحورها وتجلياتها علي أنها تقع خارج حدود تفكير الإنسان، والتي قد تشكل محاولة فهمها، أوالتدخل من أجل تغيير مسارها المحتوم، تشكيك في قدرية الخلق ومبدأ الفناء ويوم الحساب.
النموذج رقم (5) يتعامل مع المعرفة في إطار عامل الزمن الذي بدأ مع بداية قصة الخلق عندما اُنْزِلَ أدم إلي كوكب الأرض عقاباً لما قطفت يداه من ثمرة الشجرة المحرمة – فالزمن قبل ذلك سرمدي بلا بداية. وحتي يتم التأكيد علي ملائمة التاريخ مع مغزي ومحتوي عملية تسلسل الخلق والتكوين، وتفادي تناقضها مع عقيدة الإيمان باليوم الأخر، تم تحديد بداية التاريخ ومعالم نهايته، ولاكن من دون أية معالجة عقلانية تماثل، في شكلها أو مضمونها، مقاربة المعتزلة في تبنيهم لمبدأ خلق القرآن لمصالة التأريخ مع تأويل النص المقدس. وبمقاربة مختلفة، ولاكن بنفس ترتيب المقدمات، والأخذ في الإعتبار التفاوت المعرفي في ألأديان السماوية الثلاثة: اليهودية, المسيحية, والإسلام، وذلك علي الرغم من تَوَحُدها حول قصة الخلق الآدمي، فلا بد من القول بأن قراءة التاريخ التي تتجاهل وحدة الأصل في ألإنسان وتاريخ صيرورته، تتناقض مع مبدأ وحدة وشمول عملية الخلق الإلهي، بمنطق نفس عقيدتها، وأيضا تتناقض مع طبيعة تنوع المعرفة وتجددها، بمنطق صيرورتها في الزمان والمكان. فإن المعرفة التي تقول ب"...إعتماد القرآن والسنة كمصدرين للتاريخ...واعتماد التقويم الهجري وترسيخه مقابل التقويم الميلادي..." تحاول أن تري الإسلام في أوقات يتيمة، منبتة الأصل، تختار، وبمحض إرادتها، البقاء خارج عملية التاريخ التي لا تنفك عن محاولة إحتكارها لنفسها - وحدها.
في النموذج رقم (6) سندع خطة أسلمة الجغرافيا والدراسات البيئية وحالها لتحدثنا عن نفسها: "طالبت الخطة بتزويد مناهجها بدروس تتناول التوحيد والرضاء بالقضاء والقدر والصبر على الابتلاء عند وقوع كارثة طبيعية".
وبعد كل هذا، وعلي الرغم من التجربة الراسخة في إفادة حيادية المعلومة للمعرفة ، فلا مناص من الإشارة إلي أن مبدأ 'ديمقراطية المعرفة والثقافة‘ يتطلب الإعتراف بالدور المهم الذي تقوم به العقيدة في توجيه الحياة الروحية للمجتمع. وإذا إفترضنا، جدلاً، حتمية ضرورة تدريس مادتي "تنقية العقيدة من الخرافات"، و"الإسلام دين التوحيد"، فلنا توقع أن يتم ذلك بأسلوب تدريس يتماشى مع روح التوحيد العقائدي في بعده المتسامح، وقصد الإبتعاد عن أسلوب الإستقطاب والتدجين للعقول الناشئة والطرية.
تجربة تدريس مادة التربية الإسلامية من ضمن "علم الأديان المقارن"، نقول، ويقول البعض، تقفت بها علي مسافة متساوية من الديان الأخري وتعيد صياغتها في صورة منهج علمي يبعدها عن أحادية التفكير ودوغما اللاهوت، ويقربها، كذلك، من إطار التجريد المعرفي الذي يعفيها من حرج التناقض المنطقي، وأيضاً، يجعلها في تناسق وتكامل مع بقية العلوم والمناهج. الجدير بالذكر، أن عملية "التَناصْ" في مفهوم شرح وتأويل النصوص الدينية التي ترث بعض أو كل صفات الأصول، قصد منها تحرير النص من قيود سياق زمنه القديم والبالي حتي يتمكن من تبادل المعاني والدلالات مع معاصريه من مجموعات النصوص الدينية والثقافية ألأخري. بالإضافة إلي أن "التناص" عند المفكر الجزائري- الفرنسي محمد أركون، يمثل فلسفة قراءة النص التي تبرر أنسنة العقيدة، وضرورة وأهمية قراءتها وفهمها بالمقارنة مع الأديان الأخري [5]. وبذلك، يمكن القول بأن مفهوم "أنسنة العقيدة" يتمحور إهتمامه حول 'الإنسان الكوني‘ الذي يساهم في خلق ذاكرة جمعية تكرس للتسامح وإحترام الرأي الأخر؛ وتحتفي بوحدة أصل نوعها وتعدد وإختلاف عرقها وفكرها [6].
أما إذا إخذنا برأي ماكس وَيبَر الذي مفاده أن إنتقال مسؤولية التربية والتعليم، من نطاق الأسرة والمجتمع المحدود، إلي مؤسسات الدولة الحديثة، تقود إلي "تقليص الضمير الجمعي" الذي يخرج الفرد من دائرة التنميط الثقافي، ويحرره من قيود 'الإتساق والتجانس الإجتماعي اللصيق‘ [7]، وبالتالي يقود إلي إنتاج عقل حر ومنفتح علي ألرأي الأخر، ومُتَفهِّم ومُتَقبِّل لعقيدة الأخرين، بتماثل معاكس، يمكننا إفتراض أن حصر توصيل المعرفة في طريقة أومذهب ديني بعينه، ناهيك عن الإقصاء المتبادل للطرق والمذاهب التي تتوحد في تقديس نفس الإله، تقود إلي النتيجة المعاكسة لعملية تقليص الضمير الجمعي، وتضع المزيد من القيود والمحاذير حول عملية التساؤل والبحث، وتؤسس، في النهاية، لعملية لرفد المجتمع بعقول متكلسة ومتعصبة لآرائها ومواقفها. وفي هذا، إذا أحذنا بضرورة مبدأ 'الحياد التربوي والتعليمي‘ فسنجده يتداخل ويتكامل مع مفهوم 'شعوبية وديمقراطية التعليم‘ ويؤسس لمبدأ ضرورة إفادة المعرفة 'لمتلازمة التحرر الإستنارة‘. وأيضا كذلك، أذا أخذنا في الإعتبار ضرورة سلامة الإرث الثقافي لعملية التغيير الثقافي، فسنجد أن التعايش الديني، بمفهومه العريض، يضمن تأقلم وبقاء المعرفة لحين توريث جيناتها الهجين، المُحَسَّنة، لأجيال المستقبل.
يتبع: أيدلوجيا ألدين(4-15): أصل ومفهوم أسلمة المعرفة
مصادر
[1] ا. ا. عبدالرحمن، "ألأخبار،" 7 مايو 2015. [متصل]. . Available: https://www.dabangasudan.org/ar/all-news/article/. [تاريخ الوصول 3 أكتوبر 2017].
[2] ط. نورالدين، "لا طريق أقصر إلى التشدد من التعليم السوداني،" 11 10 2016. [متصل]. Available: http://thearabdaily.co.uk/article/91941/manifest.html. [تاريخ الوصول 15 اكتوبر 2017].
[3] ق. عوض، "بذور الإرهاب والتطرف في مناهج التربية الإسلامية في السودان،" 19 سبتمبر 2017. [متصل]. Available: https://www.altaghyeer.info/2017/09/19/AF/. [تاريخ الوصول 3 سبتمبر 2017].
[4] ب. ف. بابكر، "مأساة ألتعليم،" 8 يونيو 2017. [متصل]. Available: http://www.sudanile.com/99683. [تاريخ الوصول 3 سبتمبر 2017].
[5] م. أركون، "نزعة الأنسنة في الفكر العربي،" 1997. [متصل]. Available: https://docs.google.com/file/d/0B4tdKbWs3AxXY21kN0RZU2s4Q3M/edit. [تاريخ الوصول 24 فبراير 2018].
[6] د. ك. مصطفى، "الأنسنة و التأويل في فكر محمد أركون،" 2007-2008. [متصل]. Available: https://bu.umc.edu.dz/theses/philosophie/AKIH2524.pdf. [تاريخ الوصول 24 فبراير 2018].
[7] M. D. Max Weber، "The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism،" Routledge، 1992.
[8] alrakoba.net، "إعمال ألإجتهاد الفكري وفقاً للقيم الدينية والثقافية،" 17 December 2017. [متصل]. Available: https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-293949.htm. [تاريخ الوصول 17 December 2017].
[9] "السودان الان: مقرر الاسلام دين التوحيد - جدل السلفية والصوفية،" 21 أغسطس 2017. [متصل]. Available: https://www.sudanakhbar.com/104786.
د. عثمان عابدين عثمان
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
www.facebook.com/oosman51/notes?lst


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.