الرأى اليوم صعود نجم أمير وأفول تحالف نجد صلاح جلال *درج الكتاب العرب تفادى تناول السياسة الخليجية ، لما فيها من تقاطعات وعواقب وردود أفعال ، من أنظمة لم تتعود الكتابة النقدية ، وإعلام مُجير لصالح ملوك وأمراء وجمهوريات قابضة ، لا تسمح بغير أدوار محدودة للشعوب ومؤسساتها ، منها الصحافة والإعلام الحر ، الذى يعتبر أساس النهضة والتطور فى الديمقراطيات الغربية ، النهضة التكنلوجية وبروز الإعلام الرقمى ، فرض واقع صحافة المواطن التى يحررها بنفسه ، ويشاركه الإطلاع عالم إفتراضى واسع يتحاور معه ، بذلك أصبحت حرية الصحافة فرض عين ، ومنحة العصر الحديث ، لكل شعوب الأرض حيث هناك إستحالة عملية ، لحجب الأخبار وتداول المعلومات. *العرش السعودى من العروش التاريخية فى المنطقة ، وهو عرش أكبر دولة من حيث المساحة والسكان والثروة فى الخليج ، المملكة السعودية ، هى القائد الطبيعى للمجموعة الخليجية بلا منازع ، أصبح إنتقال الجكم داخل العرش السعودى ، منذ الملك خالد بن عبدالعزيز ، حدث متكرر كل عدة أعوام بوفاة الملك ، لأن ملوك آل سعود يصلون للعرش فى سن متقدمة ، لم يشابههم فى هذه الصفة ، سوي حكام الكرملين فى الإتحاد السوفيتى السابق من بعد برجنيف ، إنتقل العرش السعودى بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ،إلى شقيقة الملك سلمان بن عبدالعزيز، ، وهو فى العقد الثامن من العمر أيضاً، وهم آخر السديرية الكبار. *حدثت تطورات متتالية داخل البيت الملكى السعودى بعد تولى الملك سلمان للعرش وترتيب أدوار متعددة ، قادت فى خاتمتها إلى تولى سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد ، محمد بن سلمان يعتبر أصغر أمير ، يصل إلى هذا المنصب الرفيع فى تاريخ المملكة ، وهو دون الثلاثين من العمر ، درس الحقوق داخل المملكة ، لم يعيش فى الغرب ، يتحدث الإنجليزية بدرجة معقولة ، ولم يكن أميرا معروفا قبل ذلك التاريخ ، ففى وقت وجيز تخطى كل الحواجز، و أصبح الرجل الثانى فى الدولة السعودية ، والأقوى على الإطلاق ، حيث تولى وزارة الدفاع ورئاسة الصندوق السيادى ، ومؤسسات البترول السعودى ، وأصبح القائد الفعلى للحكومة السعودية ، فهو بحق الحصان الأسود فى السباق الذى فاجأ المراقبين ، قام سمو الأمير محمد بعدة إجراءات هامة فى تاريخ المملكة السعودية لابد من متابعتها ورصدها بالدراسة والتحليل . * وضع سمو الأمير محمد ، ما تعارف عليه فى الإعلام بخطة المملكة 2030، بلاشك هى خطة إٌقتصادية وإجتماعية وثقافية طموحة ، تهدف لتنويع مصادر دخل المملكة حتى لا تعتمد على عائد ريع البترول وحده ، وفى هذا بلا شك سيجد سمو الأمير الشاب دعم قطاعات واسعة من الشعب السعودى ، الذى يعيش تدهور إقتصاد المصدر الواحد ، يعانى قطاع الشباب من العطالة . *تهدف الخطة 2030 لتطوير وتجديد المجتمع السعودى ، و إخراجه من السلفية المتزمته إلى الإنفتاح على العصر الحديث ، فقد أعلن الأمير محمد ، ضرورة السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة فهى خطوة رمزية ، ولكنها ذت دلالة كبيرة لتحسين أوضاع النساء فى المملكة ، وأمر ببناء المسارح للغناء ، ودور السينما للترفيه ، كما أمر ببناء دار للأوبرا العالمية فى مدينة الرياض ، وتوسيع المتاحف وزيادة مقتنياتها ، هذه القرارات تعتبر ثورة فى تاريخ المملكة العربية السعودية ، وبداية أفول تحالف الدرعية السلفى ، الذى فرض على المملكة تبنى الفكر الوهابى ، الذى يحرم كل الإصلاحات المذكورة التى يتضمنها برنامح سمو ولى العهد السعودى 2030 . *حقيقة هذا التجديد المطروح ،هو ما تحتاجه المملكة فى التوقيت، لتجديد ذاتها والمحافظة على سلامها وأمنها الإجتماعى ، وإخراج الشباب والشعب السعودى من مأزق التطرف العنيف ،الذى إرتبط بتحالف نجد ، هذه التطورات لم تنبع من فراغ فهناك صراع مكتوم منذ أمد بعيد بين التيارات الليبرالية وسط الشباب السعودى ، وتيارات الإستنارة من المثقفين السعوديين الذين تلقوا تعليمهم بالدول الغربية، فقد إلتقيت قبل عامين بالسيد الدكتور أنور عشقى وآخرين ، الذى يتحدث بلغة تحديثية للمجتمع السعودى ، فقد أهدانى كتابا متقدما فيما يتعلق بحقوق المرأة ، كما حدثنى عن عدد من المحاضرات التى قدمها فى العديد من الجامعات العالمية عن الإسلام والعصر والإسلام والحداثة ، ما يقوم به سمو الأمير محمد ، هو إستيعاب لهذه التفاعلات التى تجرى فى عمق المجتمع السعودى، وستجد المساندة والتأييد من قطاعات واسعة داخل وخارج المملكة العربية السعودية، كما ستجد المقاومة من المؤسسة التقليدية وتحالف نجد . *أعلن سمو الأمير محمد ، الحرب على الفساد ، فقد سمعت ممن إلتقيتهم من السعوديين أن الفساد مشكلة حقيقية فى الدولة السعودية ، يعانى منه كل من يتعامل مع القطاع الخاص والعام السعودى ، فقد قام الأمير محمد ، بحملة إعتقالات هى الأوسع فى تاريخ المملكة شملت أمراء كبار ، ورجال أعمال سعوديين كبار ، بمنطق أن ضرب الفساد من أعلى ، سيشكل رادعا للفساد فى أسفل هرم السلطة بشكل تلقائى ، وجدت حملة ضرب الفساد، تأييدا واسعا وسط الشباب السعودى الذى يعانى من العطالة وضعف الفرص، تلمس ذلك فى وسائط التواصل الإجتماعى خاصة تويتر الذى يستخدم بشكل واسع فى المملكة السعودية. *لازم الحملة ضد الفساد ،عدد من الأخطاء ، منها أن قائمة المعتقلين غير معلنة إلى اليوم فى وثيقة رسمية من أجهزة الأمن السعودى ، كما أنه لم توجه تهم محددة للمعتقلين ولم يعرف المواطن طبيعة المساومات التى تتم خلف الأبواب المغلقة ، كما لم يتمكن المعتقلون من الوصول لحقهم الشرعى فى الدفاع القانونى عبر محامى، فالتحديث فى سياسة المملكة ،لابد أن يشمل المؤسسات العدلية وحقوق التقاضى المتعارف عليها دولياً، كما تطايرت شائعات حول تعذيب للمعتقلين، وتتحدث بعض الروايات عن وفاة أحد المعتقلين تحت التعذيب ، رغم نفى السلطات السعودية للتعذيب ، إلا أن كل الإجراءات المتعلقة بملف الفساد تجرى فى الظلام ولا توجد حولها شفافية ، وهذا ما يلزم تصحيحه . *مأزق سمو الأمير الآن هو حرب اليمن ، التى تطاولت دون أن يلوح حل آمن فى الأفق ، هذه الحرب المكلفة مالياً وإنسانياً ، لابد من إيجاد مخرج سياسي لها ، كلما طالت الحرب كلما زاد الخراب فى اليمن ، وزادت معاناة المواطن اليمنى من جراء الحرب ، مهما كانت النتائج ستظل اليمن جار المملكة على الحدود الجنوبية ، وهذا هو سر المأزق الذى يقتضى حلا ترضاه كل أطراف الأزمة اليوم قبل غد. * زيارة سمو الأمير محمد الأخيرة لمصر ، وذهابه إلى كاتدرائية العباسية ، لمقابلة بابا الأقباط تواضروس ، فيها أكثر من رسالة لمشروع سمو الأمير التجديدى ، الرسالة الأولى وهى انه أول مسئول رفيع فى تاريخ المملكة السعودية ، يزور الكنيسة رسميا ، وما يشمل ذلك من معنى للتسامح الدينى ، وإشارة للمتزمتين Fanatics، بأن دم ومال غير المسلم حرام لايجب إستباحته ، وهذا تقدم فكرى كبير فوق طاقة تحالف نجد التقليدى الذى نجمه فى أفول ، ونجم التحديث بقيادة سمو ولي العهد محمد بن سلمان فى صعود. *ختامة سمو الأمير الصاعد محمد بن سلمان ، ظاهرة إيجابية فى تاريخ العرش السعودى ، ولكن ما زالت معاركه فى قمة الجبل ، داخل العائلة المالكة ، ومع تحالف نجد التقليدى. التحديث الذى تطرحه خطة المملكة العربية السعودية 2030، يجب أن يمضى بتدرج موضوعى ، إلى أن يخاطب مقتضايات دولة المواطنة الكاملة ، التى يتساوى فيها المواطن السعودى فى الحقوق والواجبات، دون تمييز لدين أو مذهب ، وأن ينتهى هذا المشروع لتاسيس ملكية دستورية تسود ولا تحكم ، كما هو الحال فى المملكة المتحدة وبعض الملكيات الأوربية ، حيث ينتهى المستقبل ،دون صراع مكلف ، للإستقرار ورفاهية الشعب السعودى الشقيق .