بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة الإنقاذ وسياسة فرق تسد : القبيلة السودانية مدخلا (2 – 3)
نشر في حريات يوم 04 - 09 - 2011


(1) الثورة المهدية والنهج القومى فى السودان
(2) الأحزاب الوطنية ووضع القبيلة السودانية فى سياساتها
(3) الطبقة الوسطى والدور المفقود فى المجتمع السودانى
(4) القبيلة السودانية والدور المتعاظم فى ظل الإنقاذ
(5) شواهد إنتشار السرطان القبلى فى السودان
(6) خاتمة
مقدمة
تناولنا فى الحلقة الاولى كيف لجأ الإحتلال إلى سياسة فرق تسد للتحكم فى الشعب السودانى والسيطرة على مصيره، وشرحنا كيف عالجت الثورة المهدية هذه الظاهرة السلبية حيث جمعت القبائل السودانية الملتفة حول الثورة فى بوتقة سودانية أصيلة وشجعت أفرادها على التعارف والتزاوج فيما بينهم غض النظر عن القبيلة التى ينتمى إليها الفرد وغَرَسْتُ فيهم روح التعاون والمحبة. أوضحنا ان الأحزاب الوطنية العريقة (حزب الامه القومى والحزب الاتحادى الديمقراطى) قد حافظت على النهج القومى للدولة السودانية رغم قصر فترات حكمها الديمقراطى ونجحت فى تحقيق التوازن الإجتماعى المطلوب فى السودان. وخلصنا إلى ان حكومة الإنقاذ الوطنى إستطاعت عبر سياساتها المختلفة والممنهجة إعادة عجلة التاريخ الى الوراء مستعيدة سياسة الإحتلال القائمة على “فرق تسد” من أجل السيطرة على البلاد والعباد، فشجعت أبناء الشعب السودانى على السَّير فى إتجاه القبائل والإهتمام بقضايا ومصالح القبيلة الضيقة والإبتعاد عن الهم الوطنى العام وهو أخطر مهدد لمستقبل الدولة السودانية المتبقية.
سنتناول فى هذه الحلقة الدور المفقود للطبقة الوسطى فى المجتمع السودانى وتعاظم دور القبيلة فى الشأن السياسى السودانى وبعض شواهد إنتشار السرطان القبلى فى السودان.
(3) الطبقة الوسطى والدور المفقود فى المجتمع السودانى
الأنظمة العسكرية لا تحمل فكرا ولا أدبا ولاثقافة غير ثقافة القوة، لذلك نجدها تسعى إلى تسييس دور الفن والثقافة والجمعيات والروابط الأدبية ورسم توجهها بحيث تخدم مصالحها وفق ما يخطط لها، وعند الفشل فى السيطرة عليها تلجأ إلى تصفيتها، علما بأن المؤسسات والروابط الثقافية والجمعيات الأدبية غالبا ما يشرف عليها ويتابع نشاطها أبناء الطبقة الوسطى من المجتمع السودانى والتى غالبا ما تهتم بالقضايا العامة و التكوين الفكري والسياسي وتنمية الشعور القومي حرصا على السلوك العام وذلك من خلال النشاط الثقافى والأدبى الذى تقدمه حيث يشكلون عبر هذه الأنشطة دروع واقية للمجتمع السودانى وشبابه من الممارسات الخاطئة.
وبسبب السياسات الإقتصادية الخاطئة وغيرها من سياسات حكومة الإنقاذ الجائرة، نجد أن هذه الطبقة قد سٌحقت تماما وأجبرها ضيق الرزق وفقدان الأمل فى المستقبل على الإنسحاب من المسرح الثقافى والأدبى فى السودان وترتب على هذا الإنسحاب الكثير من التداعيات السالبة فى أوساط المجتمع السودانى ممثلة فى التدهور الأخلاقى وضعف الروح القومية وسقوط الكثير من معانى القيم السودانية الموروثة. وبسبب تصفية الراوبط والجمعيات الثقافية والأدبية وغياب الأحزاب السياسية عن الساحة لم يجد الشعب السودانى ما يشبع رغباته وتطلعاته الفكرية والثقافية ولم يجد من يوفر له الحماية المطلوبة إن كانت من الأفكار الهدامة أو حتى من الإهانة والزلة تحت وطأة نظام الإٌنقاذ المستبد، فصار الخيار الأوحد هو البحث عن القبيلة التى تجدد وتعاظم دورها فى السودان، دور يتمثل فى توفيرها مناخ للنشاط الإجتماعى والجماعى المطلوب تعويضا عن الفراغ الذى تسبب فيه غياب الأحزاب والجمعيات الثقافية والأدبية المختلفة، وقد أكد بروفيسور خليل عبد الله المدني بأن تنامي الظاهرة يعزى إلى عدم وجود مؤسسات وسيطة تلبي إحتياجات المواطن إضافة إلي عدم شفافية ومنهجية الخدمة المدنية في السودان (13). ولكن حتى نشاط القبيلة الإجتماعى لم يسلم من الإستهداف المنظم بواسطة أجهزة نظام الإنقاذ الإخطبوطية، كما أشار إليه الدكتور حيدر إبراهيم “لجأ المواطنون، وبالذات في الريف والبادية، الى كهف القبيلة باعتبارها الملاذ الأكثر أمناً في ممارسة النشاطات الجماعية. ولم يترك النظام هذا التطور يسير عفوياً أو عشوائياً، بل تدخل بوسائل مختلفة بقصد تكريسه بصورة منظمة”(14)، لخدمة أجندة حزب المؤتمر الوطنى.
(4) القبيلة السودانية والدور المتعاظم فى ظل نظام الإنقاذ
صحيح إن الشعب السودانى دائما ما يتباهى بالقبائل السودانية بمختلف مسمياتها فى المجالس السودانية لإظهار تقاليدها وثقافاتها المختلفة، ويظهر ذلك جليا فى النكات والطرائف المتعددة التى تحكى عن تراث وعادات القبائل السودانية، فمن القبائل السودانية من إشتهر بالسخرية والفكاهة أو بالكرم الطائى وأخرى إشتهرت بإجادة فنون الطهى أوالشجاعة أوالحماقة أحيانا والبخل عند بعضها والإحتيال وكذلك المكر والدّهاء وهناك من إشتهر بالجزم والحسم، نكات وأحاديث درج السودانيين تناولها فى مجالسهم الخاصة والعامة من أجل الترويح عن النفس وليس إلا، ولذلك نجد أن “الناس عندما يتحدثون عن القبائل في السودان يتحدثون بمستويين: عصبية في ظاهر الأمر ومرونة غير محدودة في وعي الناس الأعمق”(15)، فالقبيلة لم تكن فى يوم من الأيام مقرونة بافضلية معينة على قبائل اخرى بل ظل مفهوم القبيلة محصورا فى جلباب الثقافة السودانية السمحة دون سواه.
يجدر الإشارة بأنى نشأت وترعرعت فى مدينة نيالا البحير وعشت فى حى السينما الواقع فى قلب المدينة، حيث يقطنه كل ألوان الطيف السودانى. ورغم هذا التعدد والتنوع إجتمعنا سويا وأكلنا معهم “الملح والملاح” وحتى هذه اللحظة لا ادرى لأى القبائل تنحدر أٌسرهم او الأٌسر المجاورة لنا فى الإتجاحات الأربعة، ونفس الحال ينطبق على أصدقائى فى كل المراحل الدراسية المختلفة وحتى الجامعية وفوق الجامعية، حيث لم يخطر لى ببال ولا لأي من أصدقائى أن يسأل أخاه لأي قبيلة ينتم، بل كان الإهتمام كله يتمركز حول الأخلاق والتقاليد والقيم الجميلة وإبداعات كل منا أيا كانت. وأكاد أجزم أن نفس الحال ينطبق على الكثيريين من أبناء الشعب السودانى الأوفياء.
بيد أن القصص والطرائف التى تحكى عن القبائل السودانية، بدأت تتشكل وتأخذ أبعادا اخرى فى ظل نظام الإنقاذ، فصارت القبيلة حاضرة فى كل شئ وهى سيدة الموقف والآمر والناهى فى الحياة السودانية أكثر من أى وقت مضى، فهناك قبائل صار واقعها مقرونا بوزنها الإقتصادى والأٌخرى بوزنها الإجتماعى وهناك من تملك النفوذ السياسى فى البلاد، لأن نظام الحكم نفسه دفعها فى هذا الإتجاه مقدما الولاءات القبلية على سواها، “كما أن نظام الإنقاذ استخدم سلاحا قاتلا وهو تشجيع القبلية بحيث يكون الإنتماء للقبيلة بديلا عن عضوية الحزب. وقد حقق ذلك نجاحا ظاهرا مع منع النشاط الحزبى فى فترات والتضييق فى مراحل أخرى. وقد كان سلاحا ذا حدين، لأن بعض القبائل تمردت ورفعت السلاح بسبب مطالب سياسية واقتصادية”(16). هذا الواقع القبلى القبيح لم يقف عند الحدود السودانية فقط وإنما تعداها ليصل إلى أركان المعمورة الأربعة حيث بدأت المجتمعات السودانية المقيمة فى اوروبا وأمريكا الشمالية ودول اسيا والخليج ترتيب أوضاعها على أساس قبلى، فبدلا عن الروابط الإقليمية مثل رابطة أبناء دارفور أو رابطة أبناء الجزيرة أو رابطة أبناء كردفان أو رابطة أبناء الشرق او رابطة أبناء النيل الأبيض…الخ التى دائما تهتم بقضايا الأقاليم المختلفة وتلعب دورا أساسيا فى ربط أواصر المودة بين أبناء الوطن الواحد وربط الجسور بينها ولا تنحاز إلى قضايا قبيلة بعينها، حلت محلها روابط قبلية بحتة مثل رابطة أبناء الفور ورابطة أبناء المحس، ورابطة أبناء المسيرية، رابطة أبناء المساليت، رابطة أبناء الزغاوة .. الخ مكرسة جل إهتمامها فى قضايا وشئون القبيلة المعينة والإبتعاد – كل الإبتعاد عن قضايا الإقليم والوطن، بل حتى الكوادر الحزبية صارت تبحث عن معادلة للتوفيق فى نشاطها السياسى بين إنتمائها الحزبى والقبلى لحفظ ماء الوجه أمام القبيلة، وهو ما أسست له العصبة زوى البأس.
لكل ذلك فلنقف على الحالة السودانية فى ظل نظام الإنقاذ لنرى كيف أن الروح القومية التى كانت سائدة قبل إنقلابها على الحكم الديمقراطى تراجعت وبينما الروح القبلية تصاعدت وتعمل بأقصى طاقتها لتأخذ دورها في إعادة صياغة العقلية السودانية وبلورة الأحداث السياسية، فصار الشعور والتوجه والبحث عن القبيلة هو المدخل الأساسى لكل شئ فى السودان.
(5) شواهد إنتشار السرطان القبلى فى السودان
أولا ونحن نطالع الفضائية السودانية فى يوم 29 من ديسمبر 2010 اذا بالرئيس عمر البشير يخاطب الجماهير فى مدينة نيالا وبصوت عال أسمع العالم أجمع، بأن الأٌستاذ فاروق ابوعيسى الناطق الرسمى لقوى الإجماع الوطنى “المعارضة” والمعروف بمواقفه الوطنية، لا ينتمى الى قبيلة معروفة أو كبيرة! فالسيد الرئيس عمر البشير بجلالة قدره وليس أى شخص آخر من رجالات الإنقاذ، يسئ للآخريين على مرأى ومسمع من العالم، وقد نسى سعادة الرئيس أن ديننا الحنيف لا يفرق بين عربى أو أعجمى إلا بالتقوى، ونسى أن صحابة رسول الله (ص) لم يكونوا جلهم من قبائل كبيرة ومعروفة فأنظر الى تاريخ بلال بن رباح الحبشى او سلمان الفارسى او صهيب بن سنان الرومى رضى الله عنهم جميعا (والقائمة تطول) إلى أى القبائل كانوا ينتمون. نصيحتى للبشير أن يقرأ التاريخ ولا شئ غير التاريخ– تاريخ الأمة الإسلامية، تاريخ من حكم فعدل فأمن فنام، وإن فعل لكان حديثه غير ذلك. هذا الخطاب يسئ للشعب السودانى بأكمله ويعضد مفهوم التمييز والتفضيل بين أبناء الوطن الواحد وفق أوزان قبائلهم، كأن تكون منحدرا من قبيلة “كبيرة ومعروفة” وهو المعيار الذى لا ينطبق على الأستاذ فاروق ابو عيسى.
هذا الخطاب هو واحد من الأسباب الكثيرة والمتعددة التى خلفت مرارات فى نفوس أبناء جنوب السودان ودفعهم للتصويت لصالح الإنفصال بنسبة 98.93% وأدت إلى إنفصال جنوب السودان.
الإسائة والإزدراء والتحكم فى قبائل الآخرين لم يكن جديدا فى تاريخ الحركة الإسلامية فى السودان، فعندما إحتدم صراع المناصب بين العصبة زوى البأس فى بداية التسعينات من القرن الماضى (صراع السلطة والنفوذ بين على عثمان محمد طه ود.على الحاج) قام الراحل محمد طه محمد احمد بإيعاز من قيادات نافذة فى حزب المؤتمر الوطنى بتوجيه إتهامات لازعة فى حق الدكتور على الحاج ومهاجمته من ناحية قبلية وعرقية بحته وبشراسة متحدثا عن تاريخ قبيلته ومسقط رأسه وبأنه ليس من السودان وأنه هاجر إلى دارفور على ظهر والدته .. الخ، هجوم بدافع التصفية والإغتيال السياسى لشخصية د.على الحاج، تلك كانت بدايات الإشارات السالبة التى أرسلتها قيادات الجبهة الإسلامية القومية فى كيفية إستخدام سلاح القبلية فى أوقات مختلفة من أجل الإستقواء بها أحيانا وتصفية الحسابات الخاصة أحيانا أخرى، واليوم يشهد حزب المؤتمر الوطنى صراع قبلى شرُس بين الجعليين والشوايقة والدناقلة من أجل السيطرة على زمام الامور فى الدولة السودانية المحتضرة.
ثانيا جعلت سلطات الإحتلال البريطانى– المصرى كما أوضح د.عبدالوهاب الافندى ذكر إسم القبيلة جزء من البيانات المطلوبة عند التقديم لإستخراج الإستمارات المطلوبة للدراسة او للتوظيف بل حتى للخدمات الصحية، بالرغم من رفض الموظفون السودانيون ذكر أسماء قبائلهم بل يكتبون فى محلها “سودانى” كتعبير عن رفضهم لهذه السياسة البغيضة وإستخدامها أيضا كأداة من أدوات مقاومة الإستعمار، ومع إصرار الإدارة الإستعمارية على تضمين إسم القبيلة فى كل الاستمارات إذداد إصرار الطلاب وطالبي الوظائف وحتى بعض رجال الجيش والشرطة على كتابة “سوداني” في ذاك الموضع، “رغم أن هذا كان يعرضهم إلى العقوبة وربما الإعتقال وفي الغالب فقدان الوظيفة أو فرصة التعليم. ولكنهم كانوا يسترخصون مثل هذه التضحيات في سبيل المبادئ الوطنية”(17). للأسف الشديد بعد مرور 55 عاما من إستقلال السودان تأتى حكومة الإنقاذ وتعيد بنا عجلة التاريخ الى الوراء واضعة العربة أمام الحصان، حين جعلت أهمية ذكر إسم القبيلة عند التقديم للوظائف الحكومية أمرا أساسيا حيث “بات يتم الإختيار في كثير من الوظائف المهمة والحساسة تبعاً للقبيلة. اذ يوجد في طلبات التقدّم للوظيفة سؤال عن القبيلة، وفي استجوابات أجهزة مهمة، يحتل السؤال عن القبيلة المرتبة الثالثة مباشرة بعد الإسم والعمر”(18)، وعندما سئلت الحكومة حول السبب من وراء تضمين إسم القبيلة فى طلبات التوظيف، جائت حجة الحكومة الداعمة لهذه الخطوة على لسان السيد محمد عبدالله جارالنبى فى البرلمان السودانى بأن الدولة تسعى لتقديم خدمات محددة لبعض القبائل وهو ما حدث بالفعل ممثلا فى تنفيذ المشاريع التنموية الكبيرة التى نسمع ونقرأ عنها فى الاقليم الشمالى وليس فى مناطق المهمشين. فالإقليم الشمالى ظل كبقية اقاليم السودان(بإستثناء الاقليم الاوسط بسبب وجود مشروع الجزيرة) مشاطرا ومتساو معها فى الفقر وإنعدام التنمية الإقتصادية حتى مجئ حكومة الإنقاذ التى ميزت الإقليم الشمالى عن بقية أقاليم السودان على أساس قبلى. بينما قامت بحل مشروع السافنا فى دارفور فى عام 1992 مشردة أكثر من الفين موظف ومئات الأُسر (مشروع السافنا هو المشروع التنموي الوحيد في دارفور الذى كان يستهدف حياة المواطنيين) نجدها شقت الطرق وشيدت الكبارى والجامعات والمستشفيات والسدود والخزانات فى الإقليم الشمالى ولا تزال بقية اقاليم السودان تعانى الفقر وإنعدام التنمية الإقتصادية. هذا الواقع هو نتاج طبيعى وتتويج لسياسة المؤتمر الوطنى التى جاءت على لسان الدكتور عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق في العام الماضي المنادية بضرورة فصل دارفور وشرق وجنوب السودان عن الجسد السودانى لإفساح المجال لسودان متجانس عرقيا محوره دنقلا – الأوسط – كردفان.
إجراء أهمية ذكر إسم القبيلة فى طلبات التقديم للوظائف الحكومية تم توظيفه لإقصاء أبناء المهمشين الذين لا يملكون الواسطات للحصول على وظائف مهمة فى الدولة إلا من رحم ربى، ولذلك نجد “إن 90% من وظائف البترول أصبحت حصرية لبعض الإثنيات والقبائل والجهويات التي تحددها الدولة حسب الأورنيك الرسمي للتقديم للوظيفة. وبالطبع هذه القبائل ذات الحظوة لا تشمل قبائل السكان المحليين في هذه المنطقة. إنّ الدولة والقائمين على أمر البترول ينحازون لعصبيتهم الاثنية بصورة مخجلة ومستفزّة للشعور القومي السليم”(19)، وهو ما يوضح بجلاء معاناة أبناء القبائل الذين يقطنون فى المناطق المجاورة لمناطق تنقيب البترول من تهميش وتضييق فى فرص العمل.
قرار إدخال إسم القبيلة فى طلبات التقديم للوظائف الحكومية مهما كانت مبرراته، هو خطوة تفتح الباب واسعا أمام المحسوبية ومحاولة يائسة للتفرقة والتمييز بين أبناء الشعب السودانى على أساس القبيلة، ولذلك بات عاديا أن تسمع أن بعض الوزارات تجد فيها شاغرى الوظائف من درجة الوزير وحتى الخفير ينحدرون من نفس القبيلة غض النظر عن المؤهل او الكفائة او الخبرة او حتى الحوجة لهم أحيانا، “هذه الأيام أصبح الإنتساب إلى القبيلة والطائفة والأصل العرقي أحد مداخل تحقيق المصالح الشخصية على حساب من هم أحق، وعلى حساب مبادئ ومثل العدالة “(20). هذا الإجراء باطل لا يتماشى مع متطلبات الدولة السودانية الحديثة ولا يقبله العقل وهو “الأكثر خطورة في إتجاه التأسيس لمشروع الدولة الاثنية كبديل للدولة القومية”(21) ويجب إلغاءه على الفور.
الهوامش
1. موسوعة الويكبيديا العالمية على الرابط http://ar.wikipedia.org
1.1. موسوعة الويكبيديا العالمية.
2. د.عبدالله محمد قسم السيد. حسن مكي والثورة المهدية الجمعة. جريدة سودانيل الالكترونية www.sudanile.com، 14 مايو 2010
3. د.عبدالله محمد قسم السيد. المصدر السابق.
4. الاستاذ يوسف تكنة. القوميات السودانية والإنتماء القبلي للاحزاب. تحليل تجربة حزب الامه القومى. جريدة الايام السودانية، العدد رقم: 9170 29، يوليو 2008.
5. الاستاذ يوسف تكنة. المصدر السابق.
6. الاستاذ يوسف تكنة. المصدر السابق.
7. سورة الحجرات الاية 12.
8. الاستاذ يوسف تكنة. المصدر السابق.
9. د.حيدر ابراهم على. حزب الجراد. جريدة سودانيل الالكترونية. 6 يناير2011
10. الاستاذ يوسف تكنة. المصدر السابق.
11. د.حيدر إبراهيم على. أزمة السودان. المآلات والبدائل. جريدة الشروق الجديدة المصرية، www.shorouknews.com/. 27 يناير2011
12. د.حيدر إبراهيم على. المصدر السابق (11).
13. شبكة ركائز المعرفة للدراسات والبحوث. ورشة: العصبية القبلية والوحدة الوطنية في السودان – نموذج الروابط القبلية في المناطق الحضرية. http://rakaiz.org/ 19يوليو 2010
14. د.حيدر ابراهيم على. المصدر السابق (11).
15. د. حامد البشير إبراهيم. التهميش فى السودان: مرافعة لصالح الحقيقة والعدالة والوحدة- البترول و قبائل التماس و عنصرية الدولة الوطنية (7-14). ابريل 2008. http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3141
16. د.حيدر ابراهيم على. المصدر السابق (11).
17. د.عبدالوهاب الافندى. المصدر السابق.
18. د.حيدر ابراهيم على. المصدر السابق (11).
19. د. حامد البشير إبراهيم. المصدر السابق.
20. د.عبدالوهاب الافندى. القبلية ومصائب السودان الأخرى. جريدة سودانيل الإلكترونية. نوفمبر 2- 2009
21. د. حامد البشير إبراهيم. المصدر السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.