شخصياً أجد نفسي أصطف خلف مبادرة جمعية حماية المستهلك التي تنادي بمقاطعة شراء اللحوم الحمراء، اعتباراً من يوم الأحد القادم ولمدة ثلاثة ايام متتالية، تعبيراً عن الرفض الشعبي للارتفاع الكبير في أسعارها، رغم انني عملياً لم أدخل جزارة قبل نحو أسبوعين لأشتري منها ولو كوارع، ولم أكن في ذلك أمارس دوراً بطولياً أو وطنياً، وإنما كنت مرغماً لا بطل، إضافة إلى أن ما تبقى من خيرات رمضان كان لها الفضل علينا في هذا الاصطبار على فقدان اللحوم الحمراء التي نحبها كأسرة مثل غيرنا من السودانيين الذين جبلوا على حبها حتى أصبحوا يصنفون حسب بعض الدراسات كثاني أكثر شعب يتعاطى اللحوم بعد الصوماليين، ولكن ما أثار حفيظتي تجاه هذه المبادرة الشعبية هو أنها اختصت فقط اللحوم بالمقاطعة دون غيرها من السلع والمواد الغذائية الأخرى والأدوية التي تبزُّ بعضها اللحوم في ارتفاع الأسعار، فالغلاء شامل وكاسح لم يترك سلعة أو خدمة إلا واجتاحها غوله الشره لالتهام أي دخل كثر أو قل، على رأي مبدعنا هاشم صديق الذي عبّر عن هذه الضائقة بقوله شعراً «شيتاً صِعِب في السوق من الكبريتة للطايوق»، وذلك في قصيدته والتي استهلها راثياً الحال والمآل قائلا: هديمك يا وليد مقدود وصابحنا الفقر والجوع صبح باب التكل مسدود كِمِل حتى الملح في البيت وشِن همّ الملح في البيت وكت ملح الدموع موجود ثم ثمة تساؤلات وملاحظات أخرى على هذه المبادرة رغم قناعتنا بدوافعها الخيّرة وصدق القائمين عليها، وفيهم صديقنا الدكتور صيدلي ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك الذي نعلم صدقه ووطنيته، ولا غرابة فهو ابن المناضل الجسور والاتحادي العريق الحاج ميرغني عبد الرحمن، لماذا تكرِّس الجمعية جهدها ونشاطها لمواجهة ومعارضة الآثار والنتائج والأعراض وليس الأسباب والجذور وأصل المرض، ولماذا تطعن الظل وتترك الفيل، ولماذا تفترض أن السبب الوحيد الذي يتحمل مسؤولية الغلاء هم التجار والقصَّابون وتجار الماشية بممارساتهم الجشعة ولا تشاركهم في ذلك الحكومة بسياساتها البشعة، والقاعدة الاقتصادية المعروفة تقول إن عمل التاجر الأساسي هو تحقيق الربح، وإذا ما فُرضت عليه ضريبة سيعمد الى تمريرها عبر المستهلك بإضافتها على السعر، والمشهود عن الحكومة أنها بارعة في فرض الرسوم والجبايات والأتاوات والزكوات التي تتسبب بدورها في رفع تكلفة الخدمات المرتبطة بتجارة المواشي مثل النقل والأعلاف وخلافها، وأخيراً لماذا تختار الجمعية السهل مثل اللحوم التي يسهل مقاطعتها بما يتوفر لها من بدائل متاحة، علاوة على أن هناك كثيرين يقاطعونها بواقع الحال وليس بتأثير المبادرة، لماذا مثلاً لا تنشط الجمعية في مجابهة ارتفاع أسعار الأدوية التي لا غنى عنها وليست لها بدائل ولا يمكن مقاطعتها؟!