قد يبدو هذا العنوان متناقضاً اذ ان ظلال اللغة فى ثقافتنا السودانية تربط حرية المرأة بالفوضى وعدم الانضباط وتبدو الحرية كتناقض مع الأخلاق والدين . رغم ان جوهر الرسالة المحمدية هو الحرية، فلقد خاض الإسلام معركتان لتحرير الإنسان: معركة التحرير الداخلي وهي معركة ضرورية وملحة لابد للمسلم أو المسلمة من البدء بها قبل أي خطوة اخرى فيكبح فوضى الغرائز، حب الذات وحب الشهوة ،وحب جمع الاموال و… فيتحول حبه للآخرين أعلى من حبه لذاته “ان يحب الآخرين اكثر مما يحب نفسه” فمعركة الإسلام الاولى موجهة اذن نحو الغرائز، ولكن لا بهدف قمعها والقضاء عليها بل من أجل تهذيبها فالإسلام يعترف بالروح والجسد معاً، يعترف بما للروح من نزعات وطموحات، وما للجسد من شهوات ولذائذ، ولكن ضمن عملية توازن رائعة لا يطغى فيها الجسد على الروح ولا تتمرد فيها الروح على ارادة الجسد، وبذلك تتوفر الحرية باطارها الصحيح كاملة لكل الناس دون ان يمس أي منهم حرية غيره بسوء عندما تنتصر الروح الإنسانيّة وهي روح الفكر والعقل على الارادة الحيوانية وهي روح الغريزة المحضة وحب الذات المجنون عندئذ يدرك الإنسان ان «رسالته في الحياة ارفع من هذا المصير الحيواني المبتذل الذي تطغى فيه الشهوات وان مثله الاعلى الذي خلق للسعي تجاهه أكثر رفعة من الصغائر. وتأتى بعد ذلك معركة التحرير الخارجي اذ بعد معركة تحرير النفس الإنسانيّة واعداد الإنسان الحر القادر على تقرير مصيره بيده ينطلق الإسلام مع هذا الإنسان لخوض معركة اخرى مع كافة اشكال الاستغلال والوان الظلم ومختلف القيود التي تحول دون تحقيقه لحريته وابراز ارادته وترجمة افكاره السليمة ومشاعره وعواطفه الإنسانية الى واقع عملى متحرك. ومن كل ذلك نصل الى استنتاج ان المسلمات يخضن ذات المعركة ليحررن ذواتهن المسلمة دون شك فهن عند الخالق سواسية. فالمعيار الوحيد للتفاضل فى الاسلام هو التقوى لذا فان المسلمات يكن حرات ان كن مسلمات حقاً. تابعت بإهتمام اللغط الكثير الذى دار بالمواقع الاليكترونية عقب نشر جريدة السودانى للقاء مع السيدة امامة حسن الترابى فى 10 اكتوبر 2010 . كما قرأت بذات الاهتمام رد السيدة امامة الاحتجاجى على الصحيفة والتى – برأيها- قد ابتسرت اجاباتها وأخرجتها من سياقاتها مما أفضى لسوء فهم مواقفها وسبب فى ” انطباعات تنقص وتقلل من قدر الوالد الكريم ان لم تشوه سمعته بالفعل” ورغم تفهمى العميق لقلق مبرر – سياسياً- لتشويه متعمد يمكن ان يطال صورة الاستاذ الترابى من أعداء سياسيين بلا مرجع اخلاقى الا اننى ارى فى رد السيدة امامة بعض الاستسلام لابتزاز التقليدية ، فلقد لحظت الهجمة ذات اللغة الحادة فى المواقع الاليكترونية التى تم بها التعليق على أقوالها والتى برأيى كانت أكثر قسوة وشراسة من التعليقات التى وجهت للأستاذ الترابى نفسه فى أوان نشر فتواه. والسبب المباشر ان تصريحاتها صادمت الذهن التقليدى كامرأة وهو ماترفضه الثقافة الذكورية السائدة. ورغم اختلافنا الكبير مع مواقف الاستاذ الترابى السياسية وحتى بعض مواقفه الفكرية الا اننا نقدر فتواه المستنيرة حول قضايا المرأة عموماً وهذه الفتوى على وجه الخصوص والتى لمست مدى استنارتها ، الا ان المؤسف ان السيدة امامة رجحت ارضاء الذهن التقليدى على الموقف المستنير لوالدها فقد جاء فى احتجاجها “جميع العناوين الرئيسية والجانبية حتى في الحوار الداخلي جاءت مبتورة ومثيرة لا تعطي القاريء العادي إلا انطباعات تنقص وتقلل من قدر الوالد الكريم ان لم تشوه سمعته بالفعل”. وهذا إستسلام لإبتزاز السائد الذى يقارب دينه عبر التقليد المعتمد على التفاسير المكنفئة تجاه المرأة . اذ ان جوهر هذه الرؤية او الفتوى هو الرغبة فى تحرير النساء من رهن التقليد الذى يراهن بلا عقل ولا قدرة على الحفاظ على “الفتنة فى دينهن”، ولقد عززت السيدة امامة استسلامها بالتبرير بان الفتوى تخص فئة محددة وهى:”الكثير من المسلمات حديثي الإسلام من المتزوجات أصلا بكتابيين أو من المسلمات اللائي لا يجدن فرصة في الزواج من رجال مسلمين تؤثر مثل هذه الرؤي على خياراتهم ويجدن فيها متسعا…” وفى رأيى ان تصوير هذا الأمر بهذا الشكل هو انتهازية تلفيقية لصالح كسب للاسلام عبر توفيق الأوضاع بحيث تخدم نشر العقيدة على حساب أصولها ومبادئها – المطروح منها- وهو أمر لا أجده متماشياً مع روح هذه الفتوى. وواثقة ان السيدة امامة لم تقع فى سوء فهم لآراء والدها ولكن نسبة للظرف السياسى غلبت خوفها ورغبتها فى كسب الاستحسان من العامة على مصادمة قد تضر بمصالحه السياسية وهو ما أظهرها بمظهر المترددة والمتراجعة عن أقوالها فلقد ذكرت نصاً “بوصفي ابنته وتابعته في آرائه الفقهية لا توجد لدي مشكلة مع مبدأ زواج المسلمة من الكتابي” ولكنها تراجعت عن هذا الموقف المضىء وانسحبت لركن معتم وهى تنفى بشكل غير مباشر امكانية زواجها شخصيا من كتابى لتقول: “أن أمر زواج أي شخص من أي كائن كان هو من الخصوصيات وأمر يتعلق بالأوضاع العقائدية والإنسانية والظرفية للشخص المحدد ومهما تحدث فيه المجتهدين على الصعيد العقائدي أو العلمي أو الاجتماعي فلا يقصد بحديثهم إلا إقرار المباديء التي يؤمنون بها…” !!! إن معركة المسلمات لنيل كرامتهن الكاملة الموجودة داخل دينهن معركة لا مناص عنها ويجب ان يكن أكثر جدية وصدامية تجاهها، وتحرير المرأة داخل الاسلام من لبس التقليد هو أحد المعارك الأساسية لنمو الحركة النسوية ، ورغم تفهمى العميق للمناخ السياسى الراكد الذى تطفو على اجهزة اعلامه الفطريات والعطن – والذى يستخدم فيه الإعلام لتشويه صور المنافسين بشكل متعمد – الا اننى أرى ان التشويه الحقيقى الذى طال الأستاذ الترابى هو الاستسلام الخانع فى رد السيدة امامة وليس رؤيته المشرقة فلقد كان موقفها كمن يسعى لتنظيف قطعة بلورية بقماش متسخ هادية حسب الله [email protected]