سلطة الطيران المدني تصدر بيانا حول قرار الامارات بإيقاف رحلات الطيران السودانية    القائد العام يشرف اجتماع اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمات بولاية الخرطوم – يتفقد وزارة الداخلية والمتحف القومي    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    تشكيل لجنة تسيير لهيئة البراعم والناشئين بالدامر    هل تدخل مصر دائرة الحياد..!!    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بدء برنامج العودة الطوعية للسودانيين من جدة في الخامس عشر من اغسطس القادم    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نموذج توثيقي لفساد المعلومات: أبوالجاز علنا يبشر.. وصابر سرا يحذر!
نشر في حريات يوم 22 - 02 - 2012


[email protected]
في أمسية من يوليو 2009 ارتأي أصدقاء فقيد البلاد الاستاذ خوجلي أبوبكر تأبينه بمايليق ومقامه الفذ.فمنذ وفاته في 2004 وأصدقاؤه الأوفياء، ولخمسة سنوات تالية ،ماانفكوا يتشاورون في كيفية الاحتفاء به لسنوات متعاقبات ، وليس بحفل تأبين يتيم . فأبوالجاز كان من نوادر الكفاءات السودانية العاملة في مجال الاقتصاد الأقليمي باسهامات ستتظل مابقيت هناك صناديق للتنمية العربية أو من أمل يرتجي لعمل عربي مشترك . كان الراحل رجلا موسوعيا . حفظ قوانين الاقتصاد وآلياته المعقدة بقدر ماحفظ شعرا عربيا ذي بيان. اذا كتب في دراسات الجدوي وتقييم المشروعات وموازانتاها، تسيد بعمق العارف ، واذا ماغاص قلمه النحرير في تأليف الرواية ، كان المحتوي جزلا عامرا بما يثري العقل ويفيض . أخيرا، اتفق المنظمون علي اطلاق فعالية ندوة سنوية جامعة يحاضرفيها أعلام من اقتصاديي الخارج نظرائهم بالسودان عن موضوع واحد بغية تلاقح الفكر المعرفي .
في قاعة الصداقة التئم الحضورمن أصدقاء الفقيد ليستمعوا للمحاضر المصري الدكتور أحمد أمين متحدثا عن (الأزمة المالية العالمية).كان الاختيار موفقا في جانبيه : فالموضوع كان حديث أركان الدنيا الأربعة والمتحدث من أهل الدربة والتخصص.انهمك المحاضر في التشريح التحليلي لتأثيرالفوائض غير المسبوقة لميزان الصين التجاري ، من جهة ، وأنهيار صناعة العقارات ومصارف الأقراض الأمريكية من الجهة المقابلة ليختم استمزاجه التحليلي بقراءة ما تخفيه كف عفريت الأزمة العابث وماقد يفعله بمصائر الأمم .كان توصيفه اكاديميا بحتا لم يشر فيه للسودان مطلقا ، ولو بكلمة عابرة .أنتهي وجاء التعقيب من محافظ بنك السودان، د.صابر محمد حسن.صعد للمنصة من مقاعد الحضور.باشر فورا تفجير مقذوفات متلاحقة سلبتنا فسحة التململ بكراسينا – التعبير الحركي اللاارادي لللفاجعة التي صفعت مسامعك . قال ان الخطاب الرسمي الرائج آنئذ، بان السودان محصن من تبعات الازمة المالية العالمية، لا علاقة له بالواقع بل أن البلاد تشهد محنة مالية حقيقية وخطيرة! فالنفط الذي يمثل 10% فقط من الناتج المحلي الاجمالي يسهم ب 50% في ميزانتنا.وقد أفرز الانخفاض الحاد في أسعار النفط ، السائد يومذاك ،عجزا في الموازنة مقداره ذلك النصف بتمامه ا!! قال لا من سبيل لردم هذه الهوة الكبيرة الا بتطبيق ما أسماه ب ( ادوات الهندسة المالية) مضيفا ان خياراته الراهنة محدودة جدا بل ينطوي بعضها علي مخاطر واستتباعات جانبية خطيرة .ومضي مفصلا… ذكر بأن أسهل الخيارات وأسرعها وأقلها تكلفة هي طبع كميات ضخمة من النقد الورقي لسد العجز . مذكرا أن مخاطرهذا الاجراء أفدح لأنها ستعني الصعود الفوري لمعدلات للتضخم واضطراب سعر الصرف خارج نطاق السيطرة. وأسهب في شرح كيف ان الانقاذ جاهدت علي استقرارأسعار الصرف ولن تضحي باستقراره .الآلية الثانية هي زيادة الضرائب لتحميل المواطن أعباء التمويل.ألغي هذا التوجه من منظور أن المواطن ماعاد في وضع يتحمل أي شد لحزام البطن وقد ألصقتها الجبايات بعموده الفقري.أما الحل الثالث فهوالسعي للاصدقاء من بلدان الخليج للمساعدة بالاقراض واستبعد الخيار بحجة أن الخليجيين أيضا يعانون ذات الاشكال، وحتي لو ساعدوا ، كما أفاد ، فانهم لن يقدموا للسودان نصف ميزانيته – وهو المطلوب. أما الاقتراض من الدول الاخري،مصارفها أومؤسساتها المالية فهو مسعي ،بنظره ،لا جدوي منه في ظل المقاطعات المفروضة علي السودان .الآلية الاخيرة المتبقية للخروج من النفق،لخصها بضرورة خفض الصرف والالتزامات الحكومية علي بنود من شاكلة اتفاقات السلام وحصص دعم الولايات ومرتبات ومخصصات الدستوريين ووزاء الدولة ألخ . قال بأن هذا قرار سياسي ولا سبيل له معه ….حمل ورقته وترجل عن المنصة ليجلس حيثما كان بيينا!!
ذبدة الحديث الصاعق : اقتصاد بلادنا في يومنا ذاك ، في شهر صيفنا ذاك من عام 2009 كان قد دخل عمليا في سرداب الانهيار التام وما من سبيل لاسعافه أبدا -كما أفادنا للتو أرفع مسؤول مالي في البلاد !
ياللهول ! …….لماذا لم نبلغ بهذه الآزفة علنا ونحرم ، كشعب ، من هذه الحقائق الا من وراء حجاب وفي مناسبة اجتماعية لم يتعدي حضورها المائة شخص ؟
صدمة الحضور جسدتها طرفة ذلك الجندي الذي توفيت والدته يوم رجوعه لكتيبته بعد عطلة معها .أوكل القائد لجاويش أمرابلاغ الاشارة للجندي مذكره بتخفيف وقعها . مدخله للملاطفة كان سؤال الجاويش للجندي عن أخبار أمه ، فبشره بحالها حامدا ماعليها من صحة وبحنان من دبلوماسيته القحة ،فجر الجاويش الخبر متحديا (أها ..تاني كان تشوفها أحلق شنبي ده!)
لماذا أقلقنا حديث د.صابر؟
ببساطة ، لأن تصريحات محافظ البنك المركزي توزن بدقة قيراط الذهب منذ ان ابتدعت بريطانيا هذا الكيان في 1694 وأودعت فيه ذهبها . فالمحافظ ان لهج بالعافية ، تكاثر حرثنا ونسلنا ، وان عطس تزكمت الأمة واذا أعتل مصرفه ، هلكنا !
البنك المركزي وان استقل عن الدولة الا انه يخضع لها .أهم وظائفه هي رسم السياسة المالية وإصدار عملة الدولة، مراقبة البنوك التجارية والعمل على استقرارها.آلياته التنفيذية هي تقرير طلبات ملزمة تقيد نشاط البنوك التجارية علي المستوىين الكمي والنوعي، باصدار أوامر السيولة للبنوك التجارية (نسبة الاحتياط) أو بتحديد الأوامر التي تتعلق بمطلوبات (نسبة رأس المال). أيضا هو الجهة الوحيدة المنوطة بتحديد معايير انشاء بنوك تجارية ، ملكيتها ، نشاطها المالي ، والفصل في شكاوي الجمهور فيصدرالاوامرويحدد العقوبة.يسيطر البنك المركزي على كمية النقود ونسبة الربا ويتدخل في سوق العملات الأجنبية لتحديد سعر صرف العملة علما ان الربح ليس من أهدافه.الهدف النهائي لكل هذه المهام هي اسناد وتحقيق السياسات الاقتصادية القومية كالعمالة واستقرار الأسعار ومعدلات النمو . عمل الرجل محافظا لبنك السودان على فترتين .الأولى بدأت يوليو 1993حتى أبريل 1996، والثانية من مارس 1998 وحتى مارس2011، موعد مغادرته . وفيما بينهما عمل كوزير دولة بوزارة المالية والاقتصاد. قضي 16 عاما كمحافظ ، وهي الأطول في تأريخ جمهوريتنا .
خرجنا من القاعة ونحن في حيرة ذلك الجندي المفجوع بما سمع .تشكلت دائرة عفوية بمن تثاقلت خطاهم من رهط فرقتهم دروب الدنيا لسنوات.أتسعت الدائرة وتزايدت حيرتنا نردد ماسمعناه، نحلل بالاسئلة ونخلط معارفنا المكتسبة..وماتبدل شئ. كان فينا السفير والمحاضر ورجل الاعمال و….الاستاذ محجوب عروة – رئيس تحرير جريدة السوداني آنذاك. توجهت الناس بدهشتها كمجيب بديل عن صابر، وكأني به يردد لست بأعلم من السائل . قلت له مداعبا ان “السوداني”ان نشرت ماسمعناه وتابعت، فستتوفر علي مؤونة أسبوع كامل من أنفراد متميز.وبسرعة اقتلع أملي المتبقي اقتلاعا قائلا انهم لن ينشروا شيئا عن المحاضرة لأنه حديث غيررسمي ولم يتم في لقاء خاص بصحيفته ! لجمت السؤال ..ياتري من حاضرنا ومثل أمامنا بكامل هيئته وبصفته الوظيفية ، كان مستنسخا بشريا آخر يدير صالونا للحلاقة صباحا ! ترحمت سرا علي مهنة رهنت خيالها ومبادراتها الاستقصائية لبدعة القيد الصحفي ، فخر صناعة الاعلام بالسودان . المهم ، صدق الاستاذ عروة ولم ينشر شيئا وبالمحصلة النهائية بقي الحديث الوثيقة عن الكارثة سرا محجوبا عن كل شعب السودان الامن رحم ربي من أمثالنا ومن روينا لهم .
الازمة التي أخبرونا في السودان اننا في معزل منها ، هي ذات الأزمة التي بسببها تداعي زعماء العالم في قمم متتالية للبحث في أسبابها وكيفية الخروج منها بخاصة انها الاسوأ منذ الانهيار الاقتصادي العالمي في1929 ، المعروف في الادبيات الاقتصادية بالكساد الكبير.اجتمع لبحثها زعماء 20 دولة في قمة واشنطن في نوفمبر 2008، ولذات الموضوع أيضا تخصصت قمة العشرين في أبريل 2009بلندن . وبسبب هذا الانهيار ، قدرت أرقام السونامي المالي خسائر قطاع الرهن العقاري بأمريكا لوحدها ب 300 مليار دولار تقابلها 600 مليارلباقي العالم. الحل كان ضخ سيولة مكثفة في شرايين الاقتصاد والبنوك ولدرجة لامست التدخل الحكومي المباشرالمشابه للتأميم ، أحد كبائر المحرمات في النظام الرأسمالي والردة البائنة عن نظرية السوق الحر. لكنهم ولفقه ضرورتهم العقلاني ،قبلوا بأكل جيف ماتردي. فأممت بريطانيا ( 8 أكتوبر2008 ) ثمانية مصارف جزئيا وسيلت في محافظها فورا 88مليار دولار، بل وخصصت جرعة أنقاذ مالية بلغت(483 مليار دولار)لمقابلة مديونية القطاع المصرفي وانتشاله من الغرق.
منهج انقاذ الكفار كان متسقا ، شأنه في كل أمر يهم رعيتهم الكافرة : الاعتراف علنا بالمشكلة واعلام الناس بتفاصيلها الشاملة ، البحث في سبل العلاج وصرف الروشتة …
فلنري ….ماذا كان منهج انقاذنا المؤمن بالله والعارف بحقوق الرعية علي ولي الأمر ؟
في 10 أغسطس 2008 قاد وزير ماليتنا د.عوض أبوالجاز خط الدفاع الأول عن اقتصادنا. استعاض عن ذخيرة الحقيقة بالعنتربات والتنطع الفكري بديلا لتبصير الشعب بالمصيبة القادمة .واتته الفرصة لمصراحة الشعب المكلوم بالرزء القادم يوم تشكيله لجنة لمراقبة الأزمة المالية وتداعياتها ، ولو لم يكن لدواعي الشفافية فليكن لشحذ همة الشعب للتفاعل مع علاج لامحالة منه غض النظر عن مرارة الدواء.هكذا حسبنا لكنه أختار نقيض المصارحة .قال ،حسب سونا “إن المقاطعة الأمريكية الاقتصادية على السودان شكلت حماية له بسبب عدم ارتباط الاقتصاد السوداني وتجارته مع الدول الغربية أوالاقتصاد الأمريكي.”! بل ومضي مكابرا بصفحة منسية من كتابات التوجه الحضاري كلها أفعال ماض ساقطة . قال أن الازمة عكست مساوئ الاقتصاد الرأسمالي . ودعا إلى تأكيد أهمية تأصيل النشاط الاقتصادي القائم على القيم الفاضلة!
في الشارع،صدق الناس هذا (التخطيط الاستباقي) الفذ والبركات الأنقاذية لجبل د.الجاز الموعود -ملاذنا الآمن وعاصمنا من هذا الطوفان الكوني الذي سيغرق كل كفرة أمم الارض بل وربما حتي المسلمين من غير الأنقاذيين المشاركين في قمة العشرين بواشنطن ، وفيهم كان ملك ديار الحرمين الشريفين ! وبعدها ، خرجت البشائر تتري علي بلادنا الناجية، وتباري الخطباء ممن لم نعرف لهم نسب علمي بآدم سميث وأطروحاته. بل بلغت الجرأة بالمدير العام لمجمع الصافات ،العميد معاش ميرغني ادريس، ليقول عند افتتاح رئيس الجمهورية للمجمع في 5 يوليو2009 (شهر تصريح صابر ) أن هدفهم ، ليس فقط الاحتفاء بانتاج أول طائرة سودانية بل توطين صناعة الطيران في المنطقة (رغم الحظر والعزلة الدولية التي يتعرض لها السودان)!…تصريح رجل صافات هذا لابد أنه أشعر شركة بوينج بالخيبة والحسد والفشل وهي التي أعلنت في 18 يناير(نيويورك تايمز ) أنها ستقلص 10 ألف وظيفة بسبب الأزمة العالمية .
الرسالة الرسمية لجمهور الشعب السوداني كله، ونحن منهم الي يوم شخصت أمامنا الحقائق الصادمة ، هي أننا “فعلا” يجب الا نهتم ولا نكترث بصنيعة دول الاستكبار .فالازمة أزمتهم لا فأر لنا فيها ولا قط .واستمرت مكابرة الوزير د. أبو الجاز بتصريحات لا حصر لها. فحتي يوم اجتماع أساطين المال العشرين في واشنطن ، نقلت عنه “سونا” في 13 نوفمبر 2008 مانصه(وقال د. الجاز في المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم بالامانة العامة لمجلس الوزراء ان الازمة المالية العالمية لم تكن ذات تأثير مباشر علي الاقتصاد السوداني لما يتمتع به من مناعة ذاتية واضاف ، مازلنا ندير اقتصاد بلادنا وموازنتها كأن لم تحدث الازمة المالية العالمية).أي والله العظيم ..هكذا ، وبالنص الحرفي !!
في ذلك التنويرالصحفي (وتنوير كلمة ذات أصول أمنية\عسكرية تسللت للصحافة عبرذوي القيد في المركز اياه للخدمات الصحفية وسونا ) ، ثمة أمر استوقفنا وهو قول د.صابر (ان النظام المصرفي الاسلامي يتمتع بمناعة ذاتية ضد الازمات وقال ان الحظر المفروض علي السودان والتحول من التعامل بالدولار لليورو واتجاه السودان للدول الشرقية قلل من المخاطر الناجمة عن الازمة علي السودان )..أيعقل ان يكون المتحدث هو نفسه ذات الرجل بعد 7 أشهر فقط في تلك الغرفة المغلقة بقاعة الصداقة ! أم أن الضغط الأعلامي الذي ظل شحن به وزير المالية الأجواء هو الذي جعله يهادن في العلن ويصارح في السر ؟ فالجاز اتبع استراتيجية اعلامية لم ترضي بالكثافة الخبرية بل ذهبت للتلقين المحفوظاتي ، لم تكفيه الصحف فذهب الي “أم المصادر”: وكالة سونا الحكومية لتبث للداخل والخارج مناعتنا المكتشفة. زار في 27 نوفمبر2008 منبر سونا للأخبار، فجاء الخبر (قلل الدكتور عوض أحمد الجاز ، وزير المالية والاقتصاد الوطني ، من آثار الازمة المالية العالمية وانعكاساتها على السودان ، وقال ان الاقتصاد السوداني قام بتكييف نفسه في ظل الحصار والمقاطعة الغربية ، والبحث عن عمله اجنبية غير الدولار)….. واضاف ( أن السودان خرج عن التأثير المباشر بتلك الازمة ) … وبعد أن هاجم النظريتين الاشتراكية و الرأسمالية وامتدح النظرية الاسلامية قال الوزير (ان السودان يمكنه ان يؤثر ايجاباً في هذه الازمة…..وان السودان يهدى هذه التجربة الرائدة للإنسانية والتي يمكن تطويرها.)…وماظننا أن مثيل هذه الدعوة ليصدر الا من تأكدت نجاته وفاض كرمه.
عرفنا بهذا المكرمات فيما نشره د.فايز أبو شمالة (فلسطيني ) في 30 يوليو 2009 بجريدة الجماهير الفلسطينية حيث أفاد( بعد عودته من السودان، وفي لقاء ضم بعض رؤساء بلديات قطاع غزة، قال لنا السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني: التقيت بالرئيس السوداني عمر البشير وأثناء حديثي معه عن حصار غزة، سأل البشير وزير المالية السوداني: كم لديكم من أموال؟ أجاب وزير المالية: لدى خزينة السودان خمسة وعشرون مليون دولار نقداً. قال عمر البشير: أعط غزة عشرين مليون دولار ويكفي السودان 5 مليون ).
………هيع! كرم صادف أهله وتوقيته ويأتي بعد أيام قلائل من حديث محافظنا عن خزيتنا الفارغة كقلب أم موسي ؟!
أياتري أن الرئيس نفسه لم يكن يعرف بتقييم محافظه للأوضاع المنهارة ؟ والا،هل يعقل أن يخاطب يوم الخميس 20 أغسطس 2009 الجلسة الختامية لمؤتمر القطاع الاقتصادي بحزبه الحاكم نفسه ليشيد “بالنمو الاقتصادي والقفزة الاقتصادية التي حدثت للاقتصاد السوداني”!!!…وأيضا، لماذا أنتظرت الأجهزة سنوات بعد كل تطمينات وزير المالية لتخرج سونا للرأي العام السوداني ببعض الحقائق المكفنة في برقيتها الاخبارية “المقتضبة “( 27-1-2011- ناقش المكتب القيادي للمؤتمر الوطني في اجتماعه الذي عقده مساء أمس برئاسة المشير/ عمر البشير رئيس الجمهورية ورئيس الحزب تقريرا قدمه دكتور عوض احمد الجاز رئيس القطاع الاقتصادي بالحزب و وزير الصناعة حول الأزمة الاقتصادية العالمية و أثرها على السودان)! ….
قالوا (أثرها)، هكذا بالمفرد ؟ أيم الله أنها جمع الجموع للكلمة من معاناة في حجم الجبال الشامخات .فالشعب ولأكثر من 3 سنوات بعد مصارحة صابر،ظل يشوي بلهيب التضخم وانهيار العملة ، بهدوء كما بيرجر الباربكيو. وهو لا يعلم لهذا اللهب المتلظي من سبب وان طال أساسيات معيشته.فالسكر،مثلا، قفز سعر جواله فجأة ل150 جنيها (الرأي العام ، نوفمبر 2009-اربعة أشهر بعد الحديث الوثيقة !)
وفي 7 مارس 2011 ، وأمام رئيس الجمهورية ترك صابر بعد 16 عاما المنصب لخلفه د.محمد خير الزبير.وتحققت رؤاه للكارثة التي تطبق علينا اليوم وليس لشعبنا منها من منقذ ، سوي تطمينات كذوبة وخادعة.
ماذا ترك صابر خلفه ؟
المناوئون سيذكرونه بكل عورات الفراعنة المحنطين بالكراسي سنينا عده.سيقولون أن الكوارث الراهنة سببها الاستبداد والاصرار علي رأيه والزهو بمعرفته وخبرته وتأهله العلمي .حتما ،سينسون سنواته نجاحاته آخذين بخواتيم الراهن من حال. سيقولون انه كان منتهكا للمؤسسية ،آحادي القرارات ويحملونه مسؤولية ارتفاع الدولار وانهيار قيمة الجنيه ، وضعف احتياطيات النقد الاجنبى بالبلاد وفشله فى بناء احتياطيات ابان فورة عائدات النفط .سينتقدون اجراءاته وتكبيله البنوك بالقرارات المكتوبة والشفاهية وفرضه تعيينات مدراء البنوك ومجالس اداراتها وتدخله المتكرر لتحديد اسعار الصرف.سينتقدون كثيرا فشله فى ادارة ملفات التعثر ليتفاقم الافلاس المصرفي فى عهده وأصبح (الجوكية) رمزا للفساد. وهؤلاء، لم يهبطوا بمظلة علي البنوك من خارجها وانما هم من مجالس ادارات اختارهم صابر وأسكنهم الطوابق العلوية، فنهبوا المحافظ المالية والأنكي مكافأتهم باعادة تمويل بعضهم بموجب خطابات من بنك السودان. وعندما أفلسوا،أسقط عنهم مانهبوه في قائمة أصدرها لأعدام ديونهم (الرأي العام- أبريل 2009)!أما تخبطات تصريحات وزير المال عن عافية اقتصادنا فيدفع بالسؤال :أكان من تناغم ما بين وزارة المالية وبنك السودان فى السياسات النقدية والتمويلية ؟واذا كان عدم التناغم مرده تغول أي منهما علي صلاحيات الآخر أو تنافركيمائية الشخصيتين ،كيف أمكن رهن سياسات دولة ومصائر شعب بحالها لمثل هذا العبث الاداري ؟
أما المريدون ، فسيمدحون تنفيذه برنامج اعاد هيكلة البنوك وزيادة رساميلها واستقطابه لمليار دولار كاستثمارات جديدة وتفعيله تقنية الخدمات المصرفية بالبنوك.سيقولون انه خلق علاقات طيبة مع المؤسسات المصرفية الدولية ، وبالذات حيث عمل بواشنطن.
ونحن ممن حملنا في جيوبنا العملة التي مهرها بامضائه الأنيق لسته عشر عاما ( سنوات أبو عاج في السلطة ) ، فنأمل الا يتسبب هذا المقال في الحاق علاقتنا الاجتماعية بدراهمه الورقية ، فيصبح كليهما اتوغرافات بلاقيمة! ******************************* (أنتهي)******************************
لقراءة المقال السابق للكاتب أضغط علي الرابط ادناه
http://www.hurriyatsudan.com/?p=52492


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.