[email protected] الأستاذ/ فتحى الضوء ذكر فى فصل من فصول كتابه الذى صدر أخيرا (الخندق)، تحت عنوان (استراتيجية البقاء الطارده) ، أن الكثيرين تساءلوا عن الكيفيه التى ظل بها نظام يحمل كل هذا السوء فى السلطه لأكثر من عقدين من الزمن .. ومن ضمن وجهات النظر الثاقبه التى استعرضها حول هذا الموضوع رؤيه للسيد (اندروس ناتيوس) الذى كان مبعوثا رئاسا للرئيس الأمريكى السابق ” جورج بوش” وعينه فى اكتوبر 2006، قال الرجل فى مقال منشور: “ولكنهم – أى السلطه الحاكمه فى الخرطوم – خلال ذلك ارتكبوا جرائم كثيره وسرقوا أموال النفط وفقدوا ولاء طوائف عديده، فتقلص تأييدهم بشكل حاد حتى فى مناطق نفوذهم التقليديه فى المثلث العربى .. ورغم حاسة البقاء بينهم فأن زعماء المؤتمر الوطنى يفتقرون الى النظر الأستراتيجى فهم منظمون بشكل قوى حين يأتى اوان التكتيك الدفاعى قصير المدى، وما عدا اتفاقية السلام الشامل فأنهم لم يطوروا استراتيجيات بعيدة المدى للتعامل مع مشاكل السودان الكبرى، فهم يحذقون ردود الأفعال وكسب الوقت باطالة أمد التفاوض وأسلوب” فرق تسد” ولكنهم لم يبحثوا عن مخرج من المأزق الذى أدخلوا أنفسهم فيه . وهم على أستعداد لقتل أى شخص، وأحداث ما لا يحصى من الخسائر فى صفوف المدنين، وانتهاك كل مبادئ حقوق الأنسان لكى يظلوا فى السلطه دون أى اعتبار للضغط الدولى لأنهم يخشون ” محقين” من الأنتقام المحلى والملاحقه الدوليه عن محاكمات جرائم الحرب”. ومع تحفظنا على بعض ما جاء فى وجهة نظر المبعوث (الأمريكى) أندروس ناتيوس، وما نعرفه عن مدى أهتمام أمريكا بمصالحها على حساب (الحق) والعدل ومصالح الشعوب الأخرى، ولذلك لعبت دورا مؤثرا فى (بقاء) النظام والمحافظه عليه، لكى يقضى على (السودان وشعبه) وينخر عظمه المرض ولذلك كان زميله (غرايشن) سعيدا بنتيجة انتخابات (مزوره) وغير (نزيهه) وغير (متكافئه) – وهذا السيناريو يتكرر الآن فى مصر وفى عدد من دول الربيع العربى - التى تسير فى نفس الخط السودانى ونخشى عليها من الأنقسمات بسبب تصرفات (الأسلامويين)، لكن هذا لا يمنع أن نقول بأن أكثر من 90% مما اورده (أندروس ناتيوس) صحيح ومعبر عن الواقع. أما مؤلف الكتاب الأستاذ/ فتحى الضوء، فمن ضمن اسباب بقاء النظام طيلة هذه الفترة – حسب وجهة نظره – لم يتحدث عن ضعف (المعارضه) كما يدعى أزلام النظام أو عدد من السطحيين ، بل ذكر بأنه لن يقم برصد كل جرائم النظام ولكنه سوف يتوقف فى أسوأ ما فعله وبدأ بأحياء ظاهره ظن السودانيون أنها اندثرت الا وهى ظاهرة (القبليه)! ثم ما هو اسوأ من ذلك وهو احياء (العنصريه) وأستشهد الكاتب بحديث رئيس النظام (عمر البشير) معلقا على تقارير المنظمات الدوليه المعنيه بحقوق الأنسان حول الأنتهاكات فى دارفور وبخاصة حوادث الأغتصابات، وراوى الحديث هو السيد (دفع الله الحاج يوسف) الذى لا يشك فى صدقه وهو من قيادات الحركه الأسلاميه فى السودان بل من مؤسسيها حيث ذكر بأن (البشير) قال له: ” الناس فى دارفور يتحدثون عن الأغتصاب، دحين الغرباويه دى لو لو وطاها جعلى ده شرف ليها ولا أغتصاب”؟ وقبل ذلك الحديث عباراته العنصريه التى خاطب بها الجماهير وتساءل فيها بصوره استنكاريه قائلا : “حزب الأمه والأتحادى الديمقراطى وراءهم قبائل، أسألوا فاروق ابو عيسى حزبه شنو؟ وراءه حزب .. وراءه قبيله .. وراءه نقابه .. وراءه قوة سياسيه .. وراءه قوة اجتماعيه .. هو عنده صوت واحد ضد الشريعه”! مثل هذا الكلام العنصرى (الفج) الموذئ للنفس يقال عن رمز (وطنى) فى حجم الأستاذ/ فاروق ابو عيسى الذى ساهم فى جميع منعطفات النضال السودانى منذ أن كان (البشير) يافعا، يتبول على (الحائط) ويضرب رفاقه فى الحى ولا تستثنى صفاعته شقيقه الأكبر منه سنا. ومع ملاحظتى (لمنافقة) رئيس النظام (المدسوسه) بين تلك الكلمات والموجهة – للأحزاب التاريخيه – التى انقلبوا عليها، وهم هكذا ينافقونها حينما يحتاجون اليها ويشعرون بخطر داهم اكبر من حجمهم .. فيلوذون بالوطن ووحدته والمخاطر المحدقه به ، وبعد أن تمر العاصفه بسلام يبدأون فى الأساءة لتلك الأحزاب ويطلق (نافع) لسانه الزفر، مظهرا قادتها بالضعف وعدم القدره امام جماهيرها وأمام كافة الشعب السودان .. لكن من حقى أن أتساءل وقد ظللت دائما وأبدا ومنذ أن اغتصب الأزلام السلطه الديمقراطيه فى 30 يونيو 1989، أن احاول قدر المستطاع عدم التعرض لقيادات تلك الأحزاب التاريخيه بالهجوم أو النقد الزائد عن حده، فهذا – ليس وقته المناسب – وهذا ما يريده النظام .. والوقت وقت (أسقاطه) والتخلص منه بأقل خساره ممكنه. الا تلاحظوا للنظام لا يحترم الا الأقوياء المتماسكين، ولا ينحنى الا أمام من يهددون عرشه؟ الم تتابع الجماهير السودانيه زيارة (باقان أموم) الأخيره للخرطوم وكيف قوبل بحفاوه من رئيس النظام ومن ازلامه وبدعوات من هنا وهناك؟ البس هو ذاته (باقان أموم) الذى كان يقال عنه قبل لأقل من سنه، بانه عنصرى وأنفصالى، وكنا نقول أنه (صادق) وواضح، برى أن السودان يجب أن يكون لكأفة اهل السودان دون تمييز بسبب الدين أو القبيله أو الجهه أو الثقافه؟ وتساؤلى موجه لشباب تلك الأحزاب (التاريخيه) الذين لا نشك فى صدقهم ووطنيتهم وأخلاصهم لوطنهم، ونحن لا نختلف عنهم كثيرا فقد كان اباؤنا وأجدادنا ينتمى معظهم – لسبب أو آخر - لتلك الأحزاب وكذلك حال عدد من ازلام هذا النظام، بل من بينهم من كان قياديا فى احد تلك الأحزاب وحتى وقت قريب وكانوا محل ثقه قادتهم وكوادر احزابهم فخانوا الأمانه وأختاروا الدنيا والدنيئه على الحق وعلى وحدة الوطن .. الا تستحق (منافقة) البشير تلك فى الخطاب العنصرى الموجه (لفاروق ابو عيسى) وقفة تأمل ونظر ومراجعه (لوثيقه) تاريخيه هامه وقعت على يدى بصورتها الأصليه فى شكل رساله عام 1994 أرسلها أحد رفاق العميد/ عبد العزيز خالد لقائده فى اسمرا حينما كان يقود (قوات التحالف)، بعد لقاء له – لذلك (الرفيق) – مع الرئيس الليبى (المخلوع) المرحوم/ معمر القذافى، قال فيها لعبد العزيز خالد: “أن الأخ قائد الثوره لا يرى فرق بين الأحزاب التاريخيه فى السودان ونظام الجبهه الأسلاميه الحاكم”! ولا أدرى هل كان القذافى يتحدث من ناحية (ايدلوجيه) وفكر (أسلاموى) يربط بين هؤلاء وأؤلئك، أم هو تحليل يطابق قول الكثيرين سودانيين وغير سودانيين، بأن السلطه فى السودان ظلت منذ الأستقلال متداوله بين اسر وعائلات بعينها أو قبائل محدده .. تدعمها القوى الأستعماريه الكبرى و(الصغرى) وبعض دول الجوار وتريد لها أن تبقى على ذلك الحال؟ أو لعل (القذافى) وهو الآن بين يدى ربه، كان يعول على القوى الحديثه فى السودان .. و كان يقصد (قيادات) تلك الأحزاب التاريخيه أو بعضها، ولا أظنه يقصد كافة المنتسبين اليها من وطنيين شرفاء مخلصين لوطنهم لهم افكارهم ووجهات نظرهم – وهذا حقهم – وبينهم شباب واع ومستنير رجالا ونساء. لكن .. وبغض النظر عن وجهات النظر حول (القذافى) الذى رحل على طريقة (خلع الضرس) وهذا نفس السيناريو الذى يريده نظام (البشير) وأزلامه فى احداث التغبيير فى السودان، الا تؤكد رؤية ذلك (الرجل) مواقف هؤلاء القاده الكرام (المتذبذبه) والمتناقضه، فمرة يعلو سقف مواجهتهم للنظام حتى تشعر بأنهم سوف يقودوا المظاهرات السلميه الداعية لأسقاط النظام فى شوارع الخرطوم وأزقتها بأنفسهم، وتارة يتوافقون مع النظام وينفذون مطالبه وأجندته حتى تشعر وكأنهم (متواطئون) معه لأنهم لا يرون مصلحه (شخصيه) فى التغيير القادم الذى لا يمكن أن يكون على ذات الطرق القديمه.. ومرة يوجهون النقد العنيف أو اللطيف للنظام وتارة أخرى يوجهونه للمعارضه على طريقة (السطحيين) الذين يتحدثون عن (ضعف) المعارضه دون أن تعلم هل هم مشفقون عليها ويريدونها قويه، أم هم مسرورون لذلك الضعف ان كانت فعلا المعارضه ضعيفه، وكأنه لا توجد فى السودان ثورات ومقاومه ومعارضه لم تتوقف فى يوم من الأيام يتحمل عبئها بصورة أكبر ابناء (الهامش) والأطراف، بينما يقف العديد من ابناء الوسط والشمال يتفرجون، تصعب عليهم المعارضه والمقاومه بكلمة حق مكبوته فى دواخلهم لا تصل درجة أن تكون مسموعه أو مقروءة! ولهذا اقول أن (معارضة) النظام ومقاومته ليست ضعيفه لأنها لا يمكن أن تختزل فى شخصين أو قائدين فقط هما قادة تلك الأحزاب التاريخيه اصابا أم اخطاءا.. فشكل المعارضه والمقاومه اقليميا تغير، فثوار مصر على سبيل المثال وفى الوقت الذى كانوا فيه يضربون ويعذبون ويقتلون، كان بعض قادة احزابهم التاريخيه ينافقون نظام مبارك ويداهنونه (يمينا ويسارا)، ومنهم من قام بدلا عن النظام بذبح شرفاء الصحفيين وبأغلاق الصحف التى كانت تنشر مقالات ناريه، ومنهم من ايد عملية (توريث) نجل مبارك وهذه كانت السبب الرئيس فى ثورة مصر وفى اسقاط النظام الى جانب المطالبه بالحريات والكرامه والعداله الأجتماعيه. و(ضعف) المعارضه بصوره مستمره هدف وأمنيه غاليه (لأزلام) العصابه الحاكمه، وأن كان ذلك ليس من حقهم ولو كانوا وطنيين شرفاء لما سعوا له، لأن علم السياسه يقول لا يوجد نظام قوى طالما كانت المعارضه ضعيفه والعكس. وأخيرا .. من يرى أن المعارضه ضعيفه أو ميته وهو لا ينتمى للنظام ولا يستفيد منه ولا يضع نفسه فى خانة (الجبناء)، لماذا لا يتقدم الصفوف ويقود تلك المعارضه ويجعلها أكثر قوة ويعمل على اسقاط النظام؟ لماذا ينتظر أن يضحى الأخرون نيابة عنه ويعرضوا أنفسهم للموت وللتشريد، بينما هو يكتفى بالفرجه وباطلاق الكلمات المحبطه؟ الم يشاهدوا أو يسمعوا بأن الثوره فى مصر وتونس اندلعت وأسقطت النظامين بدون قياده واضحه ولم تنتظر مثلا موقف رئيس حزب الوفد اليمينى أو حزب التجمع اليسارى فى مصر؟ المثل الصينى يقول الألف ميل تبدأ بخطوه واحده، والمعارضه (القويه) والعمل الجاد لأسقاط النظام والتخلص منه يبدأ حينما يشعر كل سودانى بأن وطنه مهدد وأن مستقبل اجياله فى خطر وأن المسيره المليونيه تبدأ بخروج مواطن واحد لا ينتظر خروج الأخرين ومشاهدتهم على شاشات االفضائيات، واذا عجز عن ذلك الا يحبط الجادين بكلمات السخريه والأستهزاء وأن يكتفى باضعف الأيمان وهو (الصمت)!