تحليل سياسي …… يبدو أنه كلما مر الزمن على حزب الأمة ازدادت حاجته لترقيع الجبة المرقعة أصلاً، وأنه لا مجال لتغيير تلك الجبة وأن المنهج الوحيد هو ديمومة الترقيع، فتلك هي العراقة والأصل وجوهر التاريخ ورسوخ قواعد التأسيس وطرق التعامل ضمن الحزب العجوز. ذلك ما توحي به تبريرات رباح الصادق لما ثار حول المؤتمر السابع، فقد أحصت رباح (9) حالات جرت فيها اضافات (للمؤتمر العام) شملت المهنيين، والفئويين، والولايات (الشمالية، وشمال كردفان، والولايات الجنوبية)، والمحليات (محلية الأمير بأم بدة، وأخرى لم تفصلها)، وفي الكليات المركزية، والمرأة، والقيادات العائدة من تيار الانسلاخ، ورجال الاعمال، وما نتج عن فض الاشتباك بين سيوف النصر والمجاهدين، لتكون جملة الاضافات 243 للعدد الكلي البالغ 4085. وهنا يبرز منهج ترقيع الجبة!!؟. ذلك أن المعالجات ابتدأت ب”لجنة كونتها (اللجنة العليا) للنظر في شكوى المهنيين والفئويين” هي التي قررت تمثيلهم ب 105 مقعد بعد أن كانوا يمثلون ب 64 مقعد. وعلى هذا المنوال جرت المعالجات ضمن الولايات لتضيف 38 مقعداً للحصة المقررة اصلاً لها، وهلم جراً على كل الاضافات التي تدفع رباح بأن اللجان هي التي اضافتها وليس الرئيس. ثم تقر رباح الصادق” ….الحقيقة أن الخطأ الكبير حول بعض المعالجات أنها كانت بعدية أي بعد انعقاد المؤتمر العام وكان يمكن التحسب لبعضها وإضافتها قبل انعقاده وكان ذلك ممكنا بدون أية مشكلة”. واقرار رباح الصادق هذا يؤكد أن ما قامت به لجان المعالجات لم يعرض حتى للمؤتمر للموافقة عليه واجازته أثناء انعقاد المؤتمر وهذا ما اهملته رباح لتكسب تبريراتها شيئاً من الضرورة الموضوعية لتلك المعالجات. على أعتبار أنها تؤسس وتبرر وتفسر الزيادة المقابلة في نسبة الرئيس (5%) المضافة للهيئة المركزية. ورغم سيادة وتجذر منهج ترقيع الجبة ضمن حزب الأمة القومي، إلا أن ذلك يمثل أحد تمظهرات الأزمة التي يعيشها الحزب ولتلك الأزمة مرتكزان هما: الصراع داخل اسرة المهدي – و الصراع بين أهل الوسط وأهل الغرب، أو (بعبارات تأصيلية ذات بعد ضمن تاريخ الحزب) أولاد البحر وأولاد الغرب. وضمن هذا السياق يبدو أن الأزمة داخل الأسرة ذات بعد وأثر كبير على ما يجري عموماً، لكنها فوق ذلك تحمل مؤشرات خطيرة على مستوى المستقبل القريب على وضع الحزب ووزنه، كما أنها هي التي ترفد وتغذي الصراع بين أهل الوسط والغرب خاصة، وأن كل هذا يأتي ضمن سياق عام يشهد تغييرات كبيرة يقودها أهل الهامش عموماً ويلعب أهل الجنوب والغرب الدور الريادي باتجاه ذلك التغيير. لقد كان السيد الصادق المهدي هو من أبتدر التغيير ضمن أسرة المهدي، وذلك بتوليه زعامة الحزب خلافاً لعمه كما تقتضي سيرة من سبقه ضمن الاسرة. ولم يكن الأمر نتيجة صراع موضوعي فرضته الظروف والتطورات بين (تيار الشباب والحرس القديم)، فالسيد الصادق المهدي وإن كان شاباً وقتها، إلا أنه خرج من رحم الحرس القديم وظل يحمل روحه. وهو من تولي كبر عزل ثم تعطيل (الإمامة) ولم يقبل حتى قسمة المقدس والسياسي مع عمه صاحب الحق في السلطتين، وكان له ما أراد. لكنه عندما أحتاج لتغيير تقاليد تولي الزعامة ضمن الاسرة لجأ لجمع السلطتيين السياسية والدينية فصار هو الإمام والزعيم السياسي للحزب. وبذلك عاد الحزب لاهو طائفي تماماً ولا حزب حديث ديمقراطي، بل الحالة التي صار إليها أصبحت هي الأزمة التي لا يملك من يجمع بين السلطتيين أن يضع لها أسس تهدي من ياتي بعده، ولم يتخطها بتنظير جديد يمكن أن يطور بعده أو يؤسس عليه بل ترتب على ذلك أن يخوض صراعات ضمن الاسرة تبعد كل من يشكل خطراً على ورثته، وفي نفس الوقت لا يستطيع هو أن يفصح عن توجهاته أو نواياه لما سيكون أو يأتي بعده. ولم يُحدث تغييرات ضمن الحزب تجعل خلافته وفقاً لقواعد واجراءات مؤسسية تعبر عن مؤسسة حزبية لها اجهزتها ونظمها التي وفقاً لها يأتي الزعيم القائد ويذهب. وجود تيارات ضمن الاحزاب أمر لا غرابة فيه ولا يمكن استنكاره أو الدفع به كنقص وعيب ضمن أي حزب أو قوى، لكن أن يوصف سعي تيار ما لبسط سيطرته ورؤاه وتنصيب قائده الذي يمثله وفقاً لنظم وقواعد ولوائح العمل والنشاط ضمن الحزب بالتسلط والاحادية فهذا هو النقص والعيب. بل هو يعبر عن بلوغ مرحلة (تجاوز الخطوط الحمراء) ضمن الحزب وخروجه لفضاء الديمقراطية التي لا تدفع إلا بمن استحق القيادة لها. لكن رباح الصادق لا ترى في تيار التغيير (إن وجد) إلا شعارات ” ….. مرفوعة لم تعن تغيير النهج المتبع في الجهازين التشريعي والتنفيذي… ولكنها تعني تغيير الرئاسة”، وقبل أن تدفع بمشروعية هذا الهدف نفسه بحسب كلماتها أقرت رباح أحقية تغيير الرئيس ولكن على المدى البعيد بل أوضحت أن الرئيس الإمام ذكره قائلة “لقد ذكره الرئيس نفسه بأن مشاغله الأخرى تجعله يعمل على ألا يكون رئيسا دائما وبيّن بعض الملفات في التمويل والبرنامج التي حدث فيها تطور حتى يحدث الفطام الكامل عنه (والعافية درجات) كما قال”. وتوصيف رباح يحمل معايير الزعامة التي يستوجب أنتقالها (فطاماً) يحتاج أول ما يحتاج كما اسست له هي إلى (زمن طويل) وليكون للحزب تمويله وبرامجه في استقلال عن القيادة الحالية. وفي ذلك اشارة إلى أن استحقاق زعامة حزب الأمة (الآن) فرضتها الخلفية التاريخية للأسرة، وأن الحزب ممول من مال الأسرة، وأن برامج الحزب هي برامج الاسرة، وأن الاسرة تقر بحق عدم بقاء الزعامة مدى الحياة، لكنها لا تقبل بذلك إلا بعد فطام الحزب من رعايتها الشاملة. ويبقى المؤشر الأبرز في ملاحظة رباح المتعلقة باستهداف (تيار التغيير) لقيادة الحزب ودفعه باتجاه فتح آفاقها لمن هم من خارج اسرة المهدي، أن ذلك هو ما يمثل التهديد ويتطلب إعادة رسم الخطوط الحمراء باطلاق يد اللجان وفتح آفاق المعالجات ضمنها بما يستعيد قبضة الأسرة وممثلها ضمن الحزب، وأن ذلك يستحق التبرير لكنه لا يمكن أن يبلغ حد التجريم في ظل فطام لم يبلغه (حزب الأسرة) بعد ذلك أن الخلل الذي اصاب منهج الأسرة في نقل الزعامة لم تتم معالجته بعد، كما أنه يشكل أزمة كبيرة الآن وليس في وسع الحزب في هذا الظرف تقلي هجوم آخر بفرض عليه تنصيب الزعامة وفقاً لقواعد الديمقراطية والاختيار الحر ضمن حزب الاسرة التي لم ولن تقبل أو تحتمل فطامها هي من الزعامة. ذلكم هو ما دفع بحزب الأمة لتبني خيارات أخرى يواجه بها من هم ضمن الحزب وخارج الاسرة في سبيل الابقاء على الزعامة ضمنه وكبح جماح كل من يسعى للبلوغ بالحزب مرحلة الفطام الكامل والديمقراطية الحقة. وقد أختار الحزب لذلك (التراضي الوطني) وسيلة وأداة لكبح جماح تيار التغيير أو أولاد الغرب وكل من يدعم خطهم. وبذلك نكون قد بلغنا بدورنا المرتكز الثاني لأزمة الحزب والتي تقع ضمن الآفق العام الذي يمثل المناخ السياسي السائد الآن. ومؤشر ذلك أن أهل الاطراف وخاصة اهل الجنوب والغرب باتوا بمطالبهم وحركاتهم المسلحة وحراكهم السياسي ضمن ومع القوى السياسية الاخرى أدرى بوزنهم ودورهم وحقوقهم. وبذلك باتو يهددون كل أرث ما بعد الاستعمار الذي رسخ زعامة وقيادة السودان ضمن اهل الوسط ورموزهم وابناءهم، وقد آن الآوان أن يكون ذلك وفقاً للحقوق وقواعد العدل والمشاركة الحقيقية الكاملة. واصبحوا يعلمون ويعملون على استعادة وضعهم ودورهم ضمن القوى السياسية، وينازعون من ينازعهم في ذلك الحق ولو بلغت حدة الصراع تجيش الجيوش وحمل السلاح. غير أن ذلك يضع الكل أمام تحدي كبير لن يسلموا منه كلياً أو جزئياً. وأن الأمر يحتاج إلى إعادة ترتيب يضمن سريان وبقاء ما كان كما كان بل وتجذيره وتثبيته كمسلمات فلا تمكين إلا لأهل الوسط والبقية تبع، يلوح لهم بشعارات (الفطام) لتظل جزرة أمامهم وأحلام ما هم ببالغيها إذا ما ضمنا تكتلاً يقف حائطاً يصد كل مجهودات هؤلاء وبيقيهم كما كانوا تبعاً ووفقاً لشروطنا وما نحتار لهم. لقد بدأ حزب الأمة مشوار التراضي الوطني مبكراً، ووفقاً لمنهج يقر بطريقة حكم المؤتمر الوطني وادارته للصراع مع الآخرين. وكان إنضمام ابناء السيد الصادق لجهاز الأمن هو البداية التي تعكس مدى رضى حزب الأمة بل وإعجابه بمنهج وطريقة المؤتمر الوطني. ذلك أن حزب الأمة بات واضحاً له مدى التهديد الذي تمثله المتغيرات التي بدأت طلائعها بتوقيع اتفاقية السلام الشامل، ثم أنداح أثرها بعد ذلك لينضم الغرب داعماً لخطها ومشروعها، وفي ذلك تهديد عظيم لحزب الأمة وللمؤتمر الوطني. واصبح على هؤلاء أن (يتحسسوا) زعامتهم، وان يبذلوا كل وسع لهم لضمان بقاءها واستمراريتها. وبداية حزب الأمة تلك بانضمام أبناء الإمام لجهاز الأمن كانت تشيء بأن الحزب بات يحتاج إلى شئ من السلطة والقوة لمواجهة كل (مرجف أو مشكك في احقية الإمام واسرته بالزعامة بشئ من ردع قوي يضمن لهم استمرارية ولو وهمية كما هو الحال مع المؤتمر الوطني. وبتنا بعد ذلك نشهد ذات الأساليب في التعاطي مع التيارات والاختلافات داخل الحزب كما حدث ووقع أثناء المؤتمر وبعده لآل مادبوا. والواضح أن التراضي الوطني يقوم ويستند على (إندماج كل قوى أهل الوسط) ولا خلاف أو مشكلة إن بات يمثلهم المؤتمر الوطني فلا سبيل لإبقاء الحال كما هو منذ خروج الاستعمار إلا عبر كتلة واحدة تمثل الوسط واحقيته في الزعامة إلا بادماج أو اندماج كامل توزع فيه (غنائم السلطة) بين المتحالفين كيفما اتفق لكنها قبلاً يجب أن تضمنها باقية حيث كانت. وكان هذا التوجه واضحاً في النص الذي وزع قبل التوقيع على اتفاق التراضي الوطني، اذ حوى بند يقر (ادماج) التنظيمات الطلابية بين الوطني والأمة القومي في واحد. وبات الحدثان مؤشراً قوياً على أن الخوف على مآل سلطان أهل الوسط بلغ مبلغاً خطيراً، ويحتاج لترتيب غير معهود حتى بين القوى التي تمثل أهل الوسط. كما أن كل ذلك قدم لنا تفسيراً لمواقف الإمام وحزبه من إتفاقية السلام الشامل التي لم يرضى عنها ابداً وجاءت اقوى حججه أنها ثنائية، ليعود هو ليوقع مع المؤتمر الوطني أحد أطراف تلك الثنائية المنكورة على اتفاق السلام، إتفاقاً للتراضي الوطني، وبات واضحاً لنا أن هذا الموقف يعكس جذر الخطر الذي يخشاه الإمام، وأن خطاب رفض اتفاقية السلام الشامل إنما هو رسالة لأكبر قوى ضمن الحزب تلك التي يمثلها أهل وأبناء الغرب. ويبقى أخطر ما في اتفاق التراضي الوطني أنه استوجب على حزب الأمة ابعاد أو تهميش أهل الغرب ضمنه، تماماً كما فعل المؤتمر الوطني إلا من قليل يتم توظيفهم ضد أنفسهم وبقية أهلهم أجمعين وهم لا يشعرون. وذلكم تحديداً هو ما دفع لبروز ما بات يعرف اليوم بتيار التغيير الذي كان هو دعامة حزب الأمة ومصدر قوته البرلمانية سابقاً. لكنهم اليوم لا يقبلون أن يكونوا وقوداً لتوظيف أهل الوسط وإلتزام الهامش، بل يجب أن يكونوا بحجم وزنهم وأثرهم ضمن الحزب والدولة وكل شئ، وهذا كثير على الأسرة والحزب التي تعودت على غير ذلك. ضمن هذا السياق من الصعب الحديث عن تيارات تناصر التغيير وأخرى هي الحرس القديم ضمن حزب الأمة. فالحزب الطائفي يبقى من الصعب أن يتحول أو يكون حزباً ديمقراطياً مهما تزين بالديمقراطية وقد كان فيها ذو وزن بهؤلاء الذين يسعون للتغيير غير المطاق أو المسموح به ضمن الحزب. أما وقد بلغ وضوح الرؤية بحسب وقائع المؤتمر السابع هذا الحد فقد بات واضحاً أن حزب الأمة مآله لوراثة هؤلاء بعد أن تضعضع وضع الأسرة بفعل منها وإصرار. وتبقى الخلاصة أن التغيير قادم وأن لا مفر منه بإدعاء الديمقراطية أو عبر إخراجها وفقاً لدكور معالجات اللجان التي تكون لجان المعالجة بعيداً عن أعين السلطات التي تكون اللجان وتحاسبها. وعذراً فقد امتلأ دفتر الأعذار وأنتهت مساحيق التجمل بالديمقراطية. [email protected]