آخر نكتة سمعتها كانت عبر التلفون من تجار السوق الشعبي بالرنك وهو رباطابي.. وهناك أهمية لايراد قبيلته وقد كان يحكي النكتة في حضرة بعض المعارف من خلفيات قبلية عديدة.. طبعاً المكالمة عن التطورات السياسية الراهنة حكى لي نكتة سياسية ولكن لها مضامين عديدة… قال: “في إحدى إجتماعات مؤسسة الرئاسة، قال أن الرئيس البشير قبل أن يبدأ الإجتماع كان يتونس مع النائب الأول سلفا فقال: والله يا سلفا أخوي أنت عارف نحن الجعليين والدينكا أولاد عم وطالما أنت بهناك وأنا بجاي والله المفروض نشتغل سوا وكدا… و… الخ ونائب الرئيس علي عثمان كان يغمز لسلفا.. يحرشه ما تقبل الكلام ده… المهم بعد الإجتماع قالوا بكري حسن صالح مسك يد نائب الرئيس علي عثمان بحمية وقال ليهو مستنكراً ما فهمه من إشارات علي عثمان لسلفا وقال ليهو ليه يا سعادتو شيخ علي, ذي كأنك كلام الاخوة ده أنت ما راضي بيهو وما داير سلفا يصدقه… فرد عليهو شيخ علي يا بكري أخوي أنت داير سلفا يصدق الكلاد ده؟؟ ولو صدقوا الكلام ده يا خوي بقية السودانيين كلهم عجاجتهم قامت…” وصاحبنا الرباطابي هذا له “متأخرات” ظريفة معي وفي إحدى المرأت يحكي عنه أنه قبل الانتخابات بأيام كان لديه بضاعة مستوردة وقد دفع الكثير من الرسوم الجمركية وغيره لإدارة الجمارك وبعد أن أكمل إجراءاته شحن بضاعته متجهاً إلى الرنك وعند أول نقطة تم مطالبته بدفع بعض الرسوم المحلية والقبانة وغيرها.. فصرخ في وجه المتحصل وهو دينكاوي (ياخي حرام عليكم يا خي الجعلي بتاع الجمارك عصرني لمن طلع زيتي في الخرطوم وأنت هنا تجي تشرب الزيت ده وتنشفني!! نمشي منكم وين إنتو؟؟ هكذا هم السودانيين مهما كانوا فأنهم لايمكن أن تفصلهم عن واقعهم وعن قبائلهم وثقافاتهم ومهما كانت النظم والهياكل التي يمكن أن تأتي بالناس في السلطة فإنه في نهاية الأمر مهما تبرأنا من ذلك فإن الخلفية الثقافية أو الاثنية أو الدينية سوف تكون حاضرة لديهم, إذن فالتنوع نعمة وليست نغمة التنوع أمراً رباني للذين يرفعون الشعارات الاسلامية المفترض فيهم بأن يتمسكوا بإحترام تنوع الناس ثقافي وديني ولغوي وغيره فقول الرسول (ص) بأن الناس سواسية كأسنان المشط.. يندرج تحت المساواة الكاملة بين الناس وقول الرسول (ص) لأفضل على عربي أو أعجمي إلا بالتقوى أيضاً قولاً يندرج تحت هذا الأمر وهو إحترام التنوع الذي لم يفعل الناس أو يصنعون ذلك لأنفسهم.. بل هي من عند الله… وقال تعالى: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”… هذه الآية لاتحتاج لأي دغمسة في الشرح إذا كان هناك فضلاً على قبائل محدودة وشعوباً محددة والذي يعني لغة محددة لخلقنا الله بها بمعنى أدق كان يمكن أن يخلقنا الله جميعنا عرباً وجعلنا كلنا.. السودانيين (القديم) والقديم والجديد مسلمين, في المعنى (إذا يرغب إيمان قريه لفعل).. ولكن الله لم يفعل ذلك فلماذا يعتقد الرئيس البشير بأنه يمكن أن يجعل كل السودانيين عرباً ومسلمين وهو أمر ضد مشيئة الله.. وأنه أي هذا المسعى ضد الاسلام في حد ذاته الذي قال الرئيس بأنه سوف يطبقه بعد انفصال الجنوب.. وحديث الرئيس إنطوى على مفاهيم غير صحيحة.. ذلك لأن حديثه يفهم بأن هناك تعارضاً بين الاسلام والتعدد والتنوع الذي رفضه الرئيس بعد الانفصال… فهل هذا الحديث صحيحاً؟؟ إن الإجابة بوضوح غير صحيح ولا أرغب في أن أعيد ما قلته من آيات وأحاديث نبوية, إذن مثل هذا الإتجاه لايمكن أن يصدقه المرء بأنه إتجاه اسلامي.. أي الإتجاه الإقصائي هذا.. بل يمكن أن يفهم بأن إتجاه لسيادة عنصر واحد ولغة واحدة ألا وهو العربي.. بالإضافة الى الاسلام.. وسيادة عنصر… أي عنصر أو أثنية أمراً في منتهى الاستحالة.. قد يسود العرب ويحكمون السودان بالحديد والنار وآلة الدولة ولكن نهاية هذا الأمر ليست السودان بل قد تجر متاعب للاثنية والعنصر الذي يقهر ويستعمر الناس ليس لأي شئ بل لأنهم في لحظة ما اغتصبوا السلطة من كل الاثنيات والشعوب بالسودان. سوف يقفز واحد “مسكين” ويقول لي بأنه ما قصده الرئيس في رسمية اللغة العربية ليس له علاقة بالاثنيات والقبائل والعربية أو المستعربة في السودان… الخ… سوف أقول.. مسكين أنت ولله ذلك لأن فرض لغة واحدة مهما كان انتشارها وقوته دون اللغات الأخرى في السودان تعتبر إنحيازاً لعنصر معين وهذا الانحياز مصيره الفشل المحتوم, فالاسلاميين لهم أوهام لا حد لها وهي بأن الجنوب إذا إنفصل فإنهم بمقدورهم تعريب وأسلمة السودان في 50 سنة فقط.. وهو وهم كبير بل العكس عندما استلم الاسلاميين السلطة فقد عاد كل الناس الى قبائلهم فأصبح الناس الآن يعرفونهم بقبائلهم وأصبحت السلطة في الولايات والمحليات مقسمة بمخصصات قبلية وأثنية حتى التعيينات أصبحت هكذا ولم أستغرب عندما هاجم خال الرئيس الطيب مصطفى علي عثمان وصلاح قوش وأثنى على نافع علي نافع فأنتفض الشوايقة الاسلاميين وأصبحوا يحاصرون الطيب مصطفى وضغطوا الجعليين الاسلاميين حتى هم بدورهم ضغطوا على إبنهم الخال الطيب مصطفى.. الذي كاد أن يخرب رصة الجماعة!! فارتعد وكبى الجرسة المشهورة تلك بالاعتذار الواضح والواضح جداً.. لعلي عثمان وقوش وإدعى بأنه كان لايتخيل بأن الأمر يمكن أن ينحو الى هذا المنحى.. والدرك القبلي.. المهم ما علينا ولكن المهم في هذا الأمر أن كان ذلك أمر عارض أو هو ما سوف يعمل به الرئيس ومجموعته الحاكمة فيجب أن يعلم بأن ذلك هو نهاية الدولة الباقية الباغية.. فلا أهل دارفور يمكن أن يقبلوا الأمر ولا الشرق ناهيك عن أصحاب الدولة السودانية القديمة النوبة في أقصى الشمال وجنوب كردفان والفونج والبجا.. لايمكن أن يقبلوا بأن ينطلي عليهم وهم أن اللغة العربية المقصودة كلغة رسمية للدولة هي وسيلة تخاطب فقد دون أن تحمل اي مكنونات ثقافية للثقافة العربية.. أو لأنها لغة القرآن فيمكن قبولها هكذا كلغة رسمية وحيدة للدولة السودانية.. التي سوف تنهار قبل صلاة الصبح. فالإقصاء والعنصرية وفرض الثقافات الآحادية هي التي أودت بهذا البلد وهي التي جعلت الجنوبيين يحاربونها لأكثر من 50 عاماً وكما رأيتم مع نهاية مقاومة الجنوبيين والبجا والفونج والنوبة إنطلقت مقاومة الفور لها.. وهكذا.. إذن أي تفكير لإقصاء أى مكون من مكونات المجتمع السوداني نتيجته هو الفشل الذريع لهذه السياسة ولسنا في حاجة لإعادة إكتشاف العجلة..