منذ أشهر عديدة، وقبل انفصال الجنوب، كتبنا العديد من المقالات التي تحدثنا فيها عن مؤامرة تفتيت السودان، التي بدأ الأعداء تنفيذها بالفعل بعد انفصال الجنوب. وقد اختتمنا كل واحدة من تلك المقالات بتوجيه سؤال واحد صارخ هو: «فماذا نحن فاعلون؟» وبرغم أننا لم نتلق إجابة واحدة عن هذا السؤال الذي كررنا طرحه، من أية جهة من الجهات العديدة التي نعلم، وينبغي لها أن تدرك، أن السؤال موجه إليها، فإننا نبادر اليوم، وبعد التطور الأخيرالخطير الذي طرأ على الموقف السياسي في السودان، والذي دل عليه العدوان الغادر الذي شنته قوات عسكرية جنوبية تابعة للحركة الشعبية، ومتحالفة مع قوات متمردة معروفة من دارفور، في منطقة بحيرة الأبيض الحدودية بولاية جنوب كردفان، لنسأل، ليس عما سنفعل، ولكن ماذا ننتظر. لقد استمعنا إلى تصريحات، نشرت، وأدلى بها المسئولون السودانيون حول إدانة العدوان على السودان، والشكوى التي رفعت إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي ضد من نفذوا ذلك العدوان. ولكن هل الإدانة وحدها، والشكوى، تفيد في التعامل مع مثل هذا العدوان العسكري الصريح الذي جرى، ومن دون أدنى استفزاز، على مرأى ومسمع من العالم كله، ضد الأراضي السودانية من قبل دولة جنوب السودان، ومن يتعاونون معها من منظمات دارفور المتمردة؟ وإذا كان السودان شكا دولة الجنوب، ومنظمات دارفور المتمردة إلى الأممالمتحدة، والاتحاد افريقي، فماذا سيفعل حيال الدول الأخرى، وهي إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية التي تساند دولة الجنوب، علناً وجهاراً نهاراً، والتي تؤيد المنظمات الدارفورية المتمردة ليس، فقط سياسياً، وإنما مادياً وبالأسلحة، والتدريب عليها، والمال للعدوان على السودان. ولم يعد خافياً على أي إنسان، في أي مكان في العالم، هدف دولة الجنوب، ومن يتعاونون معها من الدول والمنظمات المتمردة. هذا الهدف هو: المضي قدماً لتنفيذ مخطط تفتيت السودان، والقضاء عليه بوصفه دولة ذات كيان ووجود فعال في العالم، وفي محيطه العربي الإسلامي. توقيت خطير في اليوم العاشر من شهر فبراير الماضي تم التوقيع، في أديس ابابا العاصمة الإثيوبية، على إتفاق بعنوان « وقف العدائيات» . وقد وقع على ذلك الاتفاق مندوبو السودان ودولة الجنوب، وشهد عليه مندوبون عن الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة، وتحت سمع وبصر العالم بأسره. وقد اشتمل ذلك الاتفاق على جزءين وتسع مواد. ويفسر الجزء الثاني من ذلك الاتفاق الجزء الاول بتسع مواد نصت على مبادئ حسن الجوار، وعدم اعتداء أي طرف على الآخر، وعدم تدخل أي طرف في الشئون الداخلية للطرف الآخر. وأشار الاتفاق، وبصورة واضحة إلى أن لا تدعم أية واحدة من الدولتين الأحزاب السياسية أو الفعاليات السياسية الأخرى، ولا المجموعات والحركات المسلحة المعارضة في الدولة الأخرى. ويشمل ذلك الامتناع عن استخدام القوة فيما يتصل بالعلاقات بين الطرفين. ولكن، وبرغم هذا الاتفاق الواضح المفصل، والذي لم يمض على إبرامه سوى أقل من عشرين يوماً، خرقه الجانب الجنوبي. فقد شنت قوات من الجيش الشعبى تساندها قوات من التنظيمات المتمردة في دار فور، وقوات أخرى تقودها زعامات من الحركة الشعبية قطاع الشمال، هجوما مسلحاً على منطقة بحيرة الأبيض الحدودية بولاية جنوب كردفان. ولكن هل هذا يكفي؟ صحيح أن القوات المسلحة السودانية تصدت لذلك الهجوم، وردت المعتدين على اعقابهم. وصحيح أن حكومة السودان قد حملت حكومة جوبا مسئولية التخطيط لذلك الهجوم، وتنفيذه، وأعلنت أنها تقدمت بشكوى جديدة ضد حكومة الجنوب لمجلس الأمن، والاتحاد الأفريقي تتعلق بالإعتداءات المتكررة على أراضي السودان، وأعلنت أنها تشكل ما يرقى إلى إعلان حرب من جانب دولة الجنوب ضد الحكومة السودانية. ولكن هل هذا يكفي؟ وهل تعتقد حكومة السودان أنه ما زال هناك ثمة أمل في أن تعود حكومة جنوب السودان إلى صوابها، وتقلع عن سياساتها التي نعرف أهدافها؟ الرئيس يرد على السؤال بدأت كتابة مقالي السياسي الأسبوعي هذا عن العدوان الجنوبي الجديد يوم السبت الماضي، الثالث من شهر مارس الحالي. وتوقفت عن الكتابة عند السؤال الذي طرحته في الفقرة السابقة. وكنت أنوي مواصلتها بعد التأكد من توصلي إلى إجابة شافية عن هذا السؤال الذي طرحته: هل تعتقد حكومتنا أنه ما زال هناك أمل في أن تعود حكومة جنوب السودان، ومن يقفون خلفها مؤيدين، وهم معروفون، إلى صوابهم، ويقلعون عن سياساتهم التي نعرفها. وفي صباح اليوم، الأحد الرابع من شهر مارس الحالي، حملت الصحف إلي الجواب الذي كنت أنتظره عن سؤالي المشار إليه على أحر من الجمر، ليس من وزيرأو مسئوول عادي، ولكن من السيد رئيس الجمهورية شخصياً. وأود أن اسجل هنا، وبعد أن شكرت الله، شكري للسيد رئيس الجمهورية الذي أمدني بالإجابة عن السؤال الذي طرحته. فقد جاء تصريح للسيد الرئيس متوارداً مع ما كنت أفكر فيه بصدد الموقف الذي على حكومتنا اتخاذه حيال الأزمة التي صعدت ضدنا. وفيما يلي انقل للسادة القراء مقتطفات من تصريح السيد الرئيس كما وردت بالحرف الواحد. ولمعلومية الجميع: هذه هي المرة الأولى في عمري الصحافي الذي امتد لأكثر من نصف قرن التي اتبنى فيها تصريحاً أدلى به مسئول، رئيسا أو غير ذلك، لتأييد وجهة نظري. فيما يلي مقتطفات من الحديث: « في كرري قدمنا( 18 ) الف شهيد، وجاهزون لتقديم نفس الرقم مع الحركة الشعبية. إذا نكصوا عن العهد والميثاق، وخانوا يلقونا ذاتنا.» « البرفع عينو على السودان بنقدها ليهو. البمد أصبعو على السودان بنقطعوا ليهو.» « مثلما كانت توريت المعركة النهائية ستكون معركتنا النهائية في كاودا.» وهاجم الرئيس هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، والمبعوث الأمريكي برنستون ليمان، وقال: «الجزرة الأمريكية مسمومة ومعفنة،». وأضاف « باسم القوات المسلحة سندافع عن كرامة السودان وتوجهه الإسلامي.» وجاء في خطاب السيد الرئيس أيضاً أنه قد وجه الولاة في كل ولايات السودان بفتح معسكرات الدفاع الشعبي الذي أسماه الابن البكر لثورة الإنقاذ الوطني. واضاف الرئيس، «نريد من المجاهدين أن يتحركوا لحسم التمرد.» وكلمة أخيرة نختتم بها هذا المقال الذي طعمناه بمقتطفات من خطاب السيد الرئيس فيما يتعلق بموقف السودان من العدوان الجنوبي، الأمريكي الإسرائيلي الأخير على السودان. ينبغي أن نذكر هنا أن تصريحات السيد الرئيس قد ازالت من نفوسنا كل الشعور بالغثيان الذي خلفته عندنا بعض تصريحات لمسئولين عن الأحداث الأخيرة: حقاً لقد بلغ السيل الزبى ولكننا مستعدون لها.