(1) قبل تنفيذ مخطط فصل جنوب السودان في شهر سبتمبر من العام 2011 ، كتبنا، وما زلنا نكتب، عن البدء في تنفيذ مخطط تفتيت السودان بأسره. وكنا نختتم كل واحدة من تلك المقالات بالسؤال الملح الجاد: فماذا نحن فاعلون؟. وفي الحقيقة فإن تركيز تلك المقالات على السودان كان بسبب الظروف الملحة التي أحاطت بانفصال جنوب السودان عن وطنه الأم السودان. من بين تلك الظروف اشتعال معارك مسلحة قادتها قوات من الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، وياسر عرمان، ومالك عقار في جنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق. وما ضاعف من خطورة تلك الأحداث اشتراك قوات متمردة من حركات دارفورية في المعارك. وقد جاءت تلك الاحداث بعد اجتماع عقد في كاودا، وتمخض عما أطلق عليه الجبهة الثورية. الأهداف وكان من الواضح أن اهداف ذلك التحالف، وما نتج عنه من معارك، هو التركيز على مخطط تفتيت السودان الذي بدأ بفصل الجنوب، وأريد له أن يمتد إلى اجزاء أخرى من السودان في كردفان، والنيل الأزرق. وبرغم أن القوات المسلحة قد سحقت تلك الانفجارات العسكرية التي نجمت عن تخطيط عسكري فج، ولم تسمح لها بالتمدد، فقد بات واضحاً أن الأمر المتعلق بتفتيت السودان لم ينته بالهزائم التي لحقت بفلول الجيش الشعبي في الشمال، وبعد الانفصال. وكان أكبر دليل على ذلك انسحاب قيادات تلك التحركات إلى جوبا التي اصبحت موئلاً ومرتكزاً لتحريك المعارك ضد السودان. وبات ذلك جلياً بعد الهزيمة التي لحقت بقوات العدل والمساواة المنسحبة من ليبيا، ومقتل زعيمها الدكتور خليل إبراهيم في شمال غرب كردفان، إذ أنها واصلت زحفها لتصل إلى الجنوب ولتتخذ منه قاعدة هناك، مسنودة من قوات الحركة الشعبية بالمال والسلاح والتدريب، ولتشن منها الهجمات على الاراضي السودانية. وأخيراَ، وليس آخرا، شنت قوات منطلقة من الجنوب، ومعها فصائل من قوات تمرد دارفورية، عدواناً غادراً على منطقة بحيرة الأبيض الحدودية بولاية جنوب كردفان مع الجنوب في أواخر شهر يناير الماضي. وقد جاء ذلك العدوان بعد إبرام اتفاق تم التوقيع عليه بين السودان ودولة الجنوب في اليوم العاشر من شهر فبراير الماضي في أديس ابابا العاصمة الإثيوبية.» وكان عنوان ذلك الإتفاق: «وقف العدائيات» . وقد وقع على ذلك الاتفاق مندوبو السودان ودولة الجنوب، وشهد عليه مندوبون عن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وجرى التوقيع عليه تحت سمع وبصر العالم بأسره. وقد اشتمل ذلك الاتفاق على جزءين وتسع مواد. ويفسر الجزء الثاني من ذلك الاتفاق الجزء الاول بتسع مواد نصت على مبادئ حسن الجوار، وعدم اعتداء أي طرف على الآخر، وعدم تدخل أي طرف في الشئون الداخلية للطرف الآخر. وأشار الاتفاق، وبصورة واضحة، إلى أن تمتنع كل واحدة من الدولتين عن دعم الأحزاب السياسية، أو الفعاليات الأخرى، والمجموعات والحركات المسلحة المعارضة في الدولة الأخرى. ويشمل ذلك الامتناع عن استخدام القوة فيما يتصل بالعلاقات بين الطرفين. لقد حصحص الحق ولكن جد في أعقاب هذا العدوان المسلح، غير المبرر، والذي شنته، ومن دون أي استفزاز، دولة الجنوب وأنصارها من المتمردين على السودان، ما يبعث في نفوسنا، نحن المشفقين على السلام، وعلاقات حسن الجوار بين الشمال والجنوب، بارقة أمل على أن يتم التصرف، بعد الآن، من جانب السودان بصورة توقف هذا العبث العسكري الخطير. هذا التطور هو أنه، وبعد أن قدم السودان شكوى إلى مجلس الأمن ضد دولة الجنوب بسبب العدوان الأخير الذي شنته على السودان، القى السيد رئيس الجمهورية خطاباً أوضح فيه بصورة لا لبس فيها، أن السودان سيتصدى بعد الآن، ليس بالتصريحات، والكلام، ولكن بالفعل الجاد لوقف العدوان على أراضيه، وإفشال مخططات تفتيته. ولم يكتف السيد الرئيس بتحذير الجنوب وحسب، وإنما خاطب من يقفون وراءه ويشجعونه على العدوان، وحذرهم من التمادي في مواقفهم. وقد قال السيد الرئيس عن موقف السودان من العدوان الأخير عليه: «» في كرري قدمنا 18 الف شهيد، وجاهزون لتقديم نفس الرقم مع الحركة الشعبية. إذا نكصوا عن العهد والميثاق، وخانوا يلقونا ذاتنا.» « البرفع عينو على السودان بنقدها ليهو. البمد أصبعوا على السودان بنقطعوا ليهو.» « مثلما كانت توريت المعركة النهائية ستكون معركتنا النهائية في كاودا.» وهاجم الرئيس هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، والمبعوث الأمريكي برنستون ليمان، وقال: «الجزرة الأمريكية مسمومة ومعفنة،». وأضاف « باسم القوات المسلحة سندافع عن كرامة السودان وتوجهه الإسلامي.» وجاء في خطاب السيد الرئيس أيضاً أنه قد وجه الولاة في كل ولايات السودان بفتح معسكرات الدفاع الشعبي الذي أسماه الابن البكر لثورة الإنقاذ الوطني. واضاف الرئيس، «نريد من المجاهدين أن يتحركوا لحسم التمرد.» وبهذه الكلمات الواضحة التي لا لبس فيها، أجاب السيد رئيس الجمهورية، عن السؤال الذي ظللنا نطرحه عقب كل مقال كتبناه عن بدء تنفيذ مخططات تفتيت السودان وهو: فماذا نحن فاعلون؟ لقد علمنا اليوم، وبصورة لا لبس فيها أيضاً، وبفضل ما جاء في خطاب السيد الرئيس الأخير، ما سيفعله السودان لوقف مخططات تفتيته. ونحن حين طرحنا ذلك السؤال، وظللنا نردده، ليس لأننا عاجزون عن الرد عنه، ولكن لأننا فضلنا أن يأتي الرد من الجهات السودانية المسئولة. وقد جاء الرد الشافي من قمة المسئولية في البلاد. وسنواصل بدورنا معالجة هذه القضية الشائكة الخطيرة : مخطط تفتيت السودان. وفي الحقيقة فإن مخطط تفتيت السودان ليس سوى نموذج لمخططات أخرى وضعها أعداؤنا لتفتيت بلدان عربية وإسلامية أخرى تشكل خطراَ حقيقياً على مطامعهم في منطقتنا العربية، والأفريقية الإسلامية. وفي الحلقة القادمة، وفي حلقات أخرى، سنبدأ معالجة هذه القضية المهمة، وبتفاصيل أكثر، تشمل المعطيات التاريخية، والجغرافية والسياسية للسودان وجارتيه العربيتين وهما مصر وليبيا. وسنرى بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، أن مخطط تفتيت السودان ومصر وليبيا يصب في مجرى واحد وهو مصلحة الأعداء في أمريكا وإسرائيل في الأساس، وفي مصلحة دول غربية أخرى أيضاً. نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 13/3/2012م