الطرح الذي تقدم به نواب أميركيون على الكونغرس الخميس الماضي مشروع عقوبات جديدة على السودان قدمه فرانك وولف، ويطلب الكونغرس من الإدارة الأميركية تنفيذه في حال اقرارها،ويشمل المشروع الأمريكي الجديد( فرض عقوبات جديدة تشمل أفراد بعينهم وملاحقة المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ومنع من تُفرض عليهم العقوبات و أفراد عوائلهم من دخول الولاياتالمتحدة ، وإبعاد الموجودين على اراضيها) .. هذا الطرح الأمريكي القديم المتجدد من شأنه يعيد العلاقة بين الخرطوموواشنطن إلى المربع الأول فمشروع القانون الأمريكي بفرض عقوبات على الدول التي بامكانها توقيف المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية الذين يزورونها،كما يطال القانون الدول التي تقدم مساعدات عسكرية ومالية للحكومة السودانية.وتضمن مشروع هذا القانون تعميم كل العقوبات التي جاءت في قانون المحاسبة وسلام دارفور على كل السودان.وفور علمها بالمقترح الأمريكي قدمت سفارة السودان بواشنطن خطاب لوزارة الخارجية الامريكية تطلب فيه توضيح حول مشروع قانون سلام وامن ومحاسبة السودان للعام 2012م الذي ينوي تقديمه عضوا الكونغرس الامريكي فرانك وولف وماركرنيم.وقال سفير السودان بواشنطون الدكتور عماد التهامي ل(وكالة السودان للأنباء)أمس الأحد إن مشروع القانون تم بناءه وفق معلومات خاطئة حول الظروف الانسانية في ولاية جنوب كردفان، وورد فيه اسم مسئول سابق في الاممالمتحدة.وأشار السفير إلى ان وزارة الخارجية الامريكية يجب أن تأخذ بمعطيات المسح الميداني الاكثر حداثة والذي اعدته وزارة الرعاية الاجتماعية ومفوضية شئون الانسان بالاشتراك مع منظمات الاممالمتحدة العاملة في هذا الشأن، وذلك عبر مسئوليين حاليين بالاممالمتحدة وليس موظفون سابقون. وأضاف دكتور عماد أن الهدف من هذا القانون هو مزيد من الضغوط والتي يسعى اليها اللوبي الصهيوني لايجاد آلية تمكنه من التدخل في شئون السودان بصورة واضحة تتمثل في استغلال النواحي الانسانية. وإحتجّت الخرطوم –الأسبوع المنصرم– بشدة لدي الحكومة الأمريكية جراء قيام عضو الكونغرس (رالف وولف) برفقة صحفي أمريكي بدخول الأراضي السودانية عبر منطقة ولاية جنوب كردفان دون الحصول على التأشيرة اللازمة أو إذن دخول أو حتى مجرد إخطار للسلطات السودانية منتهكاً – كما قالت الحكومة السودانية – القوانين المحلية وقبل ذلك القوانين الدولية وميثاق الأممالمتحدة. وقال سفيرها فى واشنطن عماد الدين التهامي فى تصريحات صحفية – وقتها – إن عضو الكونغرس (وولف) والصحفي الذى رافقه دخلا أرض سودانية وميدان قتال تجري فيه مواجهات مسلحة بما يُعتبر تشجيعاً وتحفيزاً للحركات المسلحة التى تقاتل الحكومة السودانية بدعم من دولة جنوب السودان للإندفاع نحو المزيد من هذه المواجهات. وكعادة الإدارة الأمريكية – التى حينما لا تجد ما تحاجج به – لزمت الصمت ولم تعلق رسمياً على الواقعة فى حينها. وأشارت تقارير فى العاصمة الأمريكيةواشنطن الى أن الجانب الأمريكي تفاجأ بالحادثة، كونه كان قد أعدّ العدة جيداً لإتمام رحلة عضو الكونغرس الأمريكي الى المنطقة دون أن تشعر بها ودون أن تعلم بها الحكومة السودانية.وتقول مصادر دبلوماسية فى واشنطن إن العملية كانت ذات طابع استخباري محض، جري الإعداد لها جيداً بحيث لا تنتبه لها الحكومة السودانية اعتقاداً من الأمريكيين – وفق ما يقدمه لهم عملاؤهم فى المنطقة من معلومات – أن المنطقة التى يطوف بها (وولف) خارجة عن سيطرة السلطات السودانية ويحكم المتمردون سيطرتهم عليها. والمراقب لملف العلاقة بين أمريكا والسودان يلحظ ممارسة واشنطن هذه الأيام ضغوطاً مكثفة شديدة على الخرطوم،.فواشنطن فبل نحو اسبوعين أرسلت اتهامات الرئيس المشير البشير تتهمه فيها بالسعي لتقويض دولة جنوب السودان،هذه الاتهامات جاءت على لسان وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون والتي خرجت عنها بنبرة غضب لم يكن لها من مبرر ولا تفسير، وبعدها بساعات خرجت الجنايات الدولية بمذكرة توقيف بحق وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم حسين.وواشنطن هى نفسها التى أرسلت السيناتور الشديد العداء للسودان (فرانك وولف) متخفياً ليعبر الحدود ويدخل داخل الأراضي السودانية دون علم الحكومة ودون تأشيرة ودون أخذ الإذن منها، وهى دون شك محاولة للقيام بعمل استخباري وزرع متفجرات وألغام سياسية تزيد من نطاق الضغط على الخرطوم.وواشنطن هىكذلك التى سعت ولا تزال تسعي حتى هذه اللحظة لعرقلة مؤتمر اسطنبول بشأن السودان والذي تم إقراره بموجب اتفاقية السلام الشاملة 2005 لمعالجة كافة آثار الاتفاقية لطرفيها، وتم عقد المؤتمر الخاص بدولة جنوب السودان فى نيويورك قبل أشهر والآن حين حان أوان السودان بدأت واشنطن فى عرقلته والتقليل منه. كان واضحاً أن واشنطن تقبض على قصبة السودان الهوائية، وتمنع عنه بعض ما يستحق. واشنطن هى ايضاً التى تغض الطرف (عمداً) عن إدانة مسلك دولة جنوب السودان فى دعمها للمتمردين فى جنوب كردفان وحملة السلاح فى دارفور، فهي تعلم أن كل هؤلاء المتمردين يقيمون فى جنوب السودان ويتدربون فى معسكراته، وتعلم أن مئات الأطفال السودانيين المختطفين من أنحاء شتي فى جنوب كردفان ودارفور يتم الزجّ بهم فى معسكرات معدة خصيصاً لهذا الغرض فى ولاية الوحدة وفى بحر الغزال والاستوائية الكبرى، على غرار ما كان يفعل الجيش الشعبي أيام حربه مع الخرطوم حيث كان يُساق الأطفال للتدريب حتى يشبوا داخل أتون النيران والقسوة والشدة العسكرية ليكونوا غلاظاً قساة ووقوداً دائماً للحرب. والأسبوع المنصرم أنهي السيناتور فرانك وولف ورئيس لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان زيارة لمخيم اللاجئين في جبال النوبة في (ييدا) بدولة جنوب السودان وقال فرانك وولف أنه استمع إلي شهادات اللاجئين عن عمليات التطهير العرقي والقتل الجماعي واغتصاب النساء الذي يقوم به – كما يزعم فرانك – جنود يرتدون الزى الرسمي للقوات المسلحة الحكومية في السودان بحسب اللاجئين في المعسكر الذي يضم أكثر من 25000 لاجئ.وقال وولف أن العديد من اللاجئين روا العديد من الحكايات وأشار إلي أنهم يريدون أن يسمع العالم بمحنتهم، وأن يخلصهم من حكومة الخرطوم، ويشار إلي أن السينارتور وولف قد رافقه الصحفي نيكولاس كريستوف من صحيفة نيويورك تايمز الذي كتب العديد من المقالات في اليومين الماضيين كان لها أثر بالغ على الرأي العام الأمريكي، وكذلك كاري مراسل (بي بي سي) الذي أوضح أنه سيقدم العديد من التقارير في الأسبوع القادم. وكان فرانك وولف التقي رئيس جنوب السودان الفريق سلفاكير ميارديت وأعضاء حكومته كما التقي ربيكا قرنق أرملة زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق حيث قاما بزيارة ضريحه في مدينة جوبا. وقال وولف صراحة لقيادات الجنوب ولمجموعات من اللاجئين أنه سيعمد وفور وصوله العاصمة واشنطن بتأليب الرأي العام الأمريكي والعالمي على حكومة الخرطوم. عموما فالمتابع لسير العلاقات الأمريكية السودانية خلال الثلاثين عاماً الماضية، يرى أن لا ضرر يصيب السودان جراء تدهور علاقاته الاقتصادية أو السياسية مع الإدارات الأمريكية، حيث إنه ومنذ عام 1983 لم يتلق السودان منحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية تدخل ضمن ميزانيته السنوية، كما يحصل مع كثير من بلدان العالم الثالث . وهذا جعل الحكومات السودانية المتعاقبة في وضع مستقل ومتحرر من أساليب التركيع التي تستخدمها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل وحفز حكومة الخرطوم الحالية كي تتجه شرقاً ناحية الصين وماليزيا وغيرها من الدول التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، كما تفعل أمريكا .وكان لهذا التوجه السوداني الأثر الكبير في تحسن الاقتصاد بصورة ملحوظة في مشاريع التنمية مثل استخراج البترول ومشاريع التنمية المستدامة كمشروع سد مروي لتوليد الكهرباء، وغيرها من المشروعات الزراعية والاقتصادية، والتي تسهم في تحريك الاقتصاد السوداني .لذا ومهما تكن وعود واشنطن أو تلويحيها بجزرتها (السامة) فإن الحقيقة التي ظلت على استمرار هي أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان صارت متلازمة مع بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام (1993م)، برغم أن تلك العقوبات لم تُؤثر كثيراً على الاقتصاد السوداني الذي تمكن بحسب تقارير اقتصادية دولية من تحقيق معدلات نمو مدهشة في السنوات الماضية. نقلا عن صحيفة الرائد12/3/2012