بمشاركة سودانية فاعلة، وبحضور حشد متميز، من أهل الفكر والابداع، من مصر والوطن العربي والعالم، اختتم مهرجان طيبة الثقافي الدولي دورته الاولى في مدينة الاقصر بصعيد مصر والتي استمرت ثلاثة ايام من 22 -24 /4/2008م بتوصيات طالبت بجعل المأثور الشعبي، مقررا أساسيا ضمن مقررات التعليم، في البلاد باعتباره مكونا اساسيا للهوية الثقافية القومية - وبالاسراع في انشاء مركز الفنون الشعبية الذي سيتولي جمع وتوثيق تراث هذه المنطقة التي اضاءت العالم. وكان المهرجان قد اقيم تحت عنوان، مأثوراتنا الشعبية العربية ودورها في صناعة الحاضر والمستقبل. وكان الكاتب محمد سلماوي رئيس المهرجان، ورئيس اتحاد كتاب مصر وأمين عام اتحاد الأدباء العرب - قد افتتح - المهرجان، بكلمة اكد فيها، أنه يعد شعلة جديدة للحضارة والثقافة والفن والأدب تنطلق من مصر، والعالم العربي إلى رحاب العالم اجمع، وأن اهمية هذا المهرجان، ليست فقط، نابعة من كونه مهرجانا للفن والثقافة وانما ايضا لأنه يقام في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتعرض امتنا العربية لمخطط يهدف إلى تشويهها ووصمها بأنها أمة عنف وإرهاب، وأيضا لما يحمله العنوان من دلالات بالغة الأهمية، حيث انه، يعقد في وقت تطغي عليه العولمة. وأضاف، أن التركيز على الموروث الشعبي العربي، والهوية العربية والإسلامية في ظل حوار مع العالم، هو بمثابة كلمة نوجهها للعالم ونشرح بها ثقافتنا الحقيقية. وألقى د. عمر قدور رئيس اتحاد كتاب السودان، كلمة الوفود العربية، مؤكدا أن الاهتمام بالموروثات الشعبية يعد بادرة جيدة للم الشمل العربي. أما كلمة الوفود الأجنبية فقد القاها دومينيك بوديس رئيس معهد العالم العربي بباريس، الذي اعرب عن سعادته واعجابه بالقدرة العربية على المحافظة على موروثها الشعبي من خلال ما شاهده من أعمال ابداعية، عربية وتقديرا لأهمية هذا المهرجان أعلن دومينيك، ان معهد العالم العربي مستعد للمشاركة في إقامة الدورة المقبلة. وتحدث د. سمير فرج رئيس المجلس الأعلى لمدينة الأقصر، موضحا أن الأقصر أقامت قبل ثلاثة آلاف عام، أول مهرجان أدبي في العالم، وهو مهرجان الأوبت، واليوم نحتفل بمهرجان طيبة الثقافي، لتعود الاقصر، عاصمة لحضارة العالم. وكانت أربع جلسات بحثية قد عقدت نوقش فيها ما يقرب من عشرين بحثا لدارسين من مصر والعالم العربي حول مأثوراتنا الشعبية العربية ودورها في صناعة الحاضر والمستقبل لتثبت أن هذه المأثورات على اختلاف لهجاتها من بلد عربي إلى آخر تمثل ذاكرتنا العربية. وإلى جانب اقامة الجلسات البحثية، والمحاضرات العلمية التي زخر بها المهرجان، أقيمت امسيات شعرية و قدمت عروض لفرق الفنون الشعبية والمعارض الفنية التشكيلية. وكان الحضور السوداني في المهرجان واضحا جليا، من خلال قيام رئيس وفد السودان عمر قدور بالقاء كلمة الوفود العربية، والقائه بحثا سلط فيه الضوء على بعض الملامح العامة لتراثيات وموروثات وادي النيل، وربط بين كثير من العادات والتقاليد التي توحد بين السودان ومصر مما يؤكد وحدة الشعبين العربيين الشقيقين. واشار الى ان المأثورات الشعبية في السودان عالم واسع جدا باتساع رقعة الارض التي قامت عليها مكونات الحضارة والتراث في ذلك الجزء من وادي النيل والتي امتدت لاكثر من مليون ميل مربع تمازجت فيها دماء واعراق وامتزجت فيها ثقافات عربية الجذور افريقية المنشأ، وتمازج فيها الموروث الافريقي العريق الغني المتنوع بمعطيات الثقافة العربية الرائدة والوافرة التي شكلت في نهاية المطاف وجدان هذا الشعب العربي الافريقي العريق بتمازج قبائله وتعدد لغاته وسحناته وثقافاته فكان ذلك التراث الشعبي، الذي تنوعت موروثاته، فضمت في اهابها، كافة العناصر الغنية للموروث الشعبي. وقال ان الثراء الواسع في اشكال الموروثات الشعبية في السودان يشمل جوانب عديدة منها الجوانب الادبية والفكرية المتصلة والمرتبطة بالموروث الشعبي ومنها تطبيقات العادات، والتقاليد، والطقوس النابعة من هذا الموروث. وأشار الى ان تناول هذا التراث كله في لمحة واحدة، يعد عملا مستحيلا لتنوع البيئات وتنوع الجماعات العرقية وتنوع الطقوس هنا وهناك، لذلك فقد اكتفى الباحث باعطاء صورة عامة لتراثيات وموروثات سودان وادي النيل، وحرص على الربط بين كثير من العادات والتقاليد والموروثات التي توحد بين السودان ومصر لا سيما في قسمه الشمالي مما يؤكد وحدة الشعبين في كثير من العادات والتقاليد والحكاية والقصة والاقصوصة والاحجية والموال بين شطري وادي النيل. وتضمن البحث اطلالة على الامثال والاشعار الشعبية السودانية بابوابها المختلفة من حماسة وغزل ورثاء ووصف الطبيعة والحكمة والتأمل والتصوف وغير ذلك. والقى الباحث والكاتب السوداني مصطفى عوض الله بشارة بحثاًً عن الاغنية الحماسية السودانية وتعبيرها عن البيئة والهوية فقال انها ازدهرت في فترة الدولة المهدية في السودان حيث ادت دورا مهما في ايقاظ الوعي العام للمقاومة والنضال ضد قوى الاحتلال الاجنبي وجيوشه. واضاف انه في بداية الحكم الاستعماري في السودان عام 1898م راجت وانتشرت اغنيات الطمبور وايقاعات الطبول والدفوف والتصفيق بالايدي واستمر الحال على هذه الوتيرة حتى عام 1923م حيث ظهرت بواكير فن غنائي جديد من حيث الكلمة واللحن والاداء. وذكر الباحث بشارة ان من اوائل المطربين الذين استحدثوا اسلوبا غنائيا جديدا، في ذلك الحين الفنان محمد ود الفكي وعمر البنا، ومن ثم بدأت الاغاني والقصائد الوطنية والعاطفية تدخل المجال الفني وتتناول شتى نواحي التعبير الوجداني والقومي عن البيئة والهوية السودانية. وقال الباحث انه في تلك الفترة ازدهرت الاغاني الوطنية والسياسية لتؤدي دورها الايجابي في اذكاء اوار الثورة والجهاد في وجدان المواطنين وكان اول الغيث قطرات ملتهبة من الاغنيات الثورية، ذات المضامين السياسية والوطنية الهادفة الى تحرير البلاد من نير الاستعمار البغيض ويضيف الاستاذ عوض الله بشارة ان الاغنية السودانية حفلت بقدرات ابداعية متعددة الاشكال والعناصر والرؤى بابعادها وآفاقها الرحبة كما كشفت عن امكانيات شعرية كبيرة، لمن عالجها وكتبها وتضمنها صورا عن مدى جماليات اللغة ودقة التصوير ودرجة الانفعال النفسي والعقلاني بالتجربة الشعورية عند امتزاج الرؤى الفنية بالصور الانسانية والمشاهد الطبيعية برموزها وايحاءاتها في بوتقة الجمال والتعبير الفني المبدع. وكان عدد من الباحثين العرب والاجانب قد ألقوا بحوثا مختلفةحول المأثورات الشعبية في بلدانهم. وكرم المهرجان عددا من الشخصيات المصرية من رموز الابداع من الذين تمتد جذورهم الى صعيد مصر.