لقد جف خيال الخدمة المدنية في السودان ولا يمكن تصور أن هذا البلد الذي نكتشف فيه فجأة أن ثمة نقصا كبيرا في معلميه هو البلد الذي قام فيه السيد طلعت فريد وزير التربية والتعليم السابق بثورة كبيرة عبر إبداعه الكبير في قيام مدارس الشجرة أي المدارس التي تتخذ من ظلال الأشجار مكانا للتعليم ولا تنتظر الموارد والإمكانيات ليس العيد وحده هو الذي يفاجئ في السودان بل كل شئ إذ أنه ومع مقدم العام الدراسي الجديد ترد في الصحف أرقام مفزعة عن النقص الذي سيواجه البلاد من المعلمين. ففي ست من ولايات السودان الخمس وعشرين ثمة نقص في معلمي مرحلة الأساس فقط يبلغ حوالي ثلاثة عشر ألف وخمسمائة من المعلمين. ويقابل هذا النقص عطالة وسط خريجي الجامعات تقدر بحوالي ثلاثة وأربعين ألفا ونصف الألف في العام 2003 وتزيد هذه الأعداد بمعدل سنوي يبلغ 11%. والواضح أن أعلى الولايات صوتا في حال الحديث عن المنجزات وحسن الأداء هي الولايات الأكثر نقصا في المعليمن ومنها ولاية الخرطوم التي تحظى بنقص يبلغ ثلاثة آلاف معلم والقضارف ألفا وخمسمائة من المعلمين. وهذه الولايات ذات الصوت العالي لا تحسب من الولايات الأقل دخلا أو الأقل مواردا وإمكانيات بل هي ذات موارد وأموال وإمكانيات واسعة. وهذه المعلومات ليست وليدة اليوم ولكنها قائمة منذ أمد ومشروع الإستخدام الأمثل للخريجين يقر أن هنالك عزوفا من طلاب الجامعات في الإقبال على كليات التربية وكانت كلية التربية في جامعة الخرطوم تجذب العديد من الطلاب لما توفره من أموال لطلابها وهي أموال لا تعجز ولاية الخخرطوم ولا القضارف. والإحصائيات تبين أن نسبة طلاب الكليات التطبيقية في السودان تبلغ 26% وهم الفئة الأوفر حظا في فرص العمل والأغلب من الذين لا تتوفر لهم فرص عمل بسبب نوع الدراسة والكلية. هذا رغم أن الزيادة في طلاب الكليات التطبيقية تبلغ 300% وكان السودان وإلى عهد قريب هو الذي يرفد العديد من الدول بأعداد من المعلمين وأمامنا اليمن والتي كانت تستقبل ألوفا من المعلمين السودانيين. وكان معلمي السودان في الخليج وفي السعودية وفي تشاد والصومال. وخريجي الجامعات اليوم يعيشون أوضاعا لا تقدم لهم فرصا أو مجالا للخيار وإنتقاء الوظائف وكم من حالم يمكن أن يسعد بوظيفة معلم وكم من معلم في عمر العطاء أصابه صوت الإحالة للمعاش والتعليم مهنة الشأن فيها أنها مهن كبار السن والتدريس اليوم من المهن التي تدر مالا أغرى بعضا ممن هم في مقام التدريس الجامعي للعمل في مدارس التعليم العام.