بعد فشل خطوبته الطويلة، كان كلما رأى شاباً يجلس إلى مشروع زوجته في كافتيريا، يُردِّد بصوت يتجاوز آذانهما: (وَهَم، بتزرعوا في الوهم).. والنكتة من فرط القِدم لم تعد تُضحك أحداً.بالأمس، نقلت صحف الخرطوم تصريحات لرئيس قطاع الاتصال التنظيمي بالمؤتمر الوطني المهندس حامد صديق وصف فيه المطالبين بانتخابات مبكرة بالواهمين، وهو وصف من الصعب إطلاقه على من هم في عداد المتقاربين مع الحزب الحاكم مثل الإخوان المسلمين الذين انطلقت منهم تلك الدعوة للانتخابات المبكرة، قبل أن ترفض ويتحولوا لبعض الوقت إلى (الإخوان الواهمين).لكن مسؤول الاتصال التنظيمي بالحزب الحاكم لم يكن أول من زج مفردة (الوهم) في قاموس السياسة السودانية بالطبع، فهناك الكثيرون غيره ممن ينظرون للمعارضة مجتمعة باعتبارها محض (معارضة واهمة) بينما اي فصيل أو قيادي هو (واهم على حدة).وتحفل ذاكرة المراقبين بالكثير من عبارات الوهم التي خرجت منسوبة للدكتور أمين حسن عمر خاصة في وقتٍ سابقٍ في معرض ردوده الساخرة على من كانوا يطالبون بتأجيل الانتخابات، وللدكتور عبد الرحمن الخضر الذي قال أخيراً (الذين يظنون أننا سننحني وننكسر واهمون).لكن استخدام قادة المؤتمر الوطني مجتمعين لمفردة (الوهم) أقل من استخدام الدكتور نافع لها، فالعبارة صارت من متلازمات خطابه الذي غالباً ما يوفر خطوطاً حمراء لصحف الخرطوم في اليوم التالي له. فبحكم موقعه القيادي المتقدم في الحزب، وكون مكتبه مصباً للكثير من التقارير الخاصة بمن يعملون للإطاحة بالإنقاذ، فإنه لا يتردد في الرد عليهم بمثل هذه العبارات حفاظاً على مشروع قال إنه يقف على خط المواجهة مع مشروع السودان الجديد.على سبيل المثال فقط، وصف د. نافع من كانوا يأملون في وقتٍ سابقٍ بحكومة قومية حال تأجلت الانتخابات، بأنهم واهمون. وواهمون كذلك من يرهنون وحدة السودان بترك الشريعة. وكذلك واهمون من سعوا لجعل كادوقلي بنغازي أخرى. وبالطبع لا شك في وهم من يسعون لإسقاط الحكومة. وآخر الواهمين عند نافع هم من راهنوا على خروج الشعب للشارع بسبب الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.من الآخر، في أجواء الإحتقان، دائماً ما تسلك تصريحات السياسيين منعطفات لغوية خشنة، فالأحاديث عن وهم البعض، وغير ذلك من العنف اللفظي يولد عنفاً لغوياً (مساوٍ له في المقدار ومضاد في الإتجاه) على الأرجح.وربما تتحول تلك الأقوال غير المعقمة، إلى أفعال في الشارع.. الشارع الذي لا يحتمل الإنزلاق لمواجهات أخرى، فأية مواجهة من هذا القبيل في هذا التوقيت الذي تتربص فيه ببلادنا دولة الجنوب والقوى الأجنبية والجبهة الثورية والأزمة الاقتصادية، سيجعلنا جميعاً نجني الثمار المُرّة، فهلا زرعنا بدل الوهم قمحاً ووعداً وتمني؟!.