كنت قد كتبت مقالاً قبل نحو عام تقريباً بعنوان (الإسلاميون يمارسون العمل السري في عهد دولتهم)، وكان باعث الفكرة هو مؤتمرات شورى الحركة الإسلامية التي درجت على عقدها (بعد المفاصلة) بعيداً عن وميض الكاميرات وصرير الأقلام ومتابعات الصحف. وقلت إن مبدأ الخفاء الذي اتخذته الحركة الإسلامية يبدو غريباً ومربكاً للعضوية ولمن هم خارجها أيضاً، ومصدر الغرابة هو أن الحركة الإسلامية تمارس عملها سراً في عهد الدولة التي بنتها بيديها وصنعتها على عينها وجاءت بها إلى سدة الحكم. بالأمس عقدت الحركة الإسلامية مؤتمراً صحفياً أمام الملأ (على غير عادتها في السنوات الأخيرة الماضية)، ودون الخوض في تفاصيل ذلك المؤتمر التي سيجدها القارئ في مكان آخر من الصحيفة، فإن الخروج إلى العلن (رغم كونه محمدة) إلا أنه وحده ليس بكافٍ لخروج الحركة من حزمة أزمات وتعقيدات جنت بها على نفسها، تجسيداً للمثل القائل: (يداك أوكتا، وفوك نفخ). الحركة الآن تواجه مشكلة حقيقية ومعضلة عُظمى في هز شجرة الأسئلة الكبرى حول علاقتها بالحكومة الحالية، وبشأن صلة الحركة بالمؤتمر الوطني، وحول توصيف دولة السودان الآن وتصنيفها بناءً على آلة الفرز المعروفة (دولة إسلامية، علمانية، مدنية). ولبيان مدى (عواصة) هذه الأسئلة الملحة والبسيطة أيضاً، فإن قيادات ذات ثقل ووزن داخل الحركة الإسلامية أصبحت تتفادى الإجابة عليها أو تقدم إفادات لا تقنع الكثيرين خارج الحركة الإسلامية دعك من الذين هم داخلها. ويكفي للاستشهاد أن رجلاً في قامة الدكتور غازي صلاح الدين أكد في حوار نوعي بالزميلة (الصحافة) أن الحركة الإسلامية لا تحكم الآن. وذهب حسن عثمان رزق (وهو نائب الأمين العام للحركة الإسلامية) إلى أن الحركة لا تأمر ولا تنهي ولا تعيّن ولا تعزل في الحكومة الحالية. ليس من المناسب أن نستدعي مقولة الدكتور منصور خالد - معلقاً على شرح قيادي إسلامي نابه لمفردة التوالي ذائعة الصيت -.. د. منصور قال رداً على ذلك الشرح (إن الرجل أذكى من أن يقصد ما يقول). لن نقول إنّ الدكتور غازي صلاح الدين أو حسن عثمان رزق أذكى من أن يقصدا ما يقولان، ولكن محاولة نفي (نسب) الحكومة الحالية للحركة الإسلامية، ينم عن إدانة للحكومة الحالية كونها بعيدة جداً عن النموذج الذي كان يؤمله الإسلاميون ودفعوا لأجله أثماناً باهظة، كما يدل من جهة أخرى على حالة من الإحباط استبدت حتى بالقيادات الإسلامية وهي ترى (الحركة.. محلك سر).