إنها لسانحة جيدة أن تعقد الحركة الإسلامية مؤتمرها الثامن فى نوفمبر المقبل لتناقش قضايا مهمة بحضور ومشاركة أربعة آلاف عضو من الإسلاميين ربما بعضهم من ابتعد عن دائرة نشاط وحراك (الحركة) لأسباب ربما كان التكاسل أو الإحساس (بالتهميش) واحداً منها أو الشعور بسيطرة فئة معينة على كابينة القيادة وإقصاء الآخرين ما جعل البعض يخرج غاضباً من (حلبة الحركة) ..وآخرون لجأوا إلى أسلوب المذكرات الاحتجاجية مطالبين بتصحيح المسار ..مسار الحركة الإسلامية بالطبع. ما يحمد للقائمين على أمر المؤتمر أنهم وضعوا هذه القضية فى أولويات أجندة النقاش، بل أنهم حرصوا أن يشارك هؤلاء (الغاضبون أو المطالبون بالتصحيح ) فى المؤتمر، وأن تقدم لهم دعوات شخصية حتى يضمنوا حضورهم ليستمعوا لهم عبر نقاش احسب أنه سيكون هادفاً وبناء ، لأن هدفه جمع صف الحركة الإسلامية وتوحيد الموقف والكلمة .. لعل ذلك يضمد بعض الجراحات ويقلل حدة المرارات التى اصابت كثيراً من أعضاء الحركة الإسلامية، وكادت تعصف بها إلى مفاصلة أخرى لولا حكمة وحنكة شيوخها الذين افلحوا فى لملمة (القضية). فمطلوب من المؤتمر أن يسبر غور هذه القضية ويعطى فرصاً أكبر لهؤلاء الذين لا يزالون يقفون على الرصيف، بعد أن كانوا فى الصفوف الأمامية يدافعون وينافحون لأجل أن تكون الحركة الإسلامية قوية متماسكة ونابضة بالحياة ، ذات نهج وتنظيم وفكر يميزها عن الآخرين ، هؤلاء استشعروا (الظلم) حينما تخلت عنهم الحركة الإسلامية بعد أن استغرق قادتها فى سبات السلطة العميق، فلم ينتبه هؤلاء إلى أن تماسك الحركة بدأ يهتز وأن أطرافها انتهت إلى التآكل فكانت مذكرة الأف أخ ومن بعدها مذكرات أخرى لم تظهر إلى العلن ومن قبلها أيضا (تململات ) كان يمارسها البعض فى صمت !! صمت ربما انفجر بركاناً لا يستطيع قادة الحركة أو ربما شيوخها إسكات قعقعاته ، هؤلاء الصامتون ينتظرون مثل هذه المؤتمرات لإخراج الهواء الساخن الذى يعتمل بالدواخل ولم يحتمله الآخرون فكان احتجاجا صارخا وجد طريقه إلى الإعلام فجعلته الصحف مادة دسمة زينت به (مانشيتاتها) وقتذاك ! فحريُ بالمؤتمرين وقادة الحركة الإسلامية أن يغلقوا كل الأبواب التى يتسرب منها أي خلاف أو حتى عدم رضا من بعض الأعضاء خاصة أولئك الذين ذهبوا بعيداً عن صف الحركة وآثروا ممارسة الصمت النبيل دون أن ينتبه لقضيتهم هذه احد!! مطلوب من الحركة الإسلامية أن تجرد خلال مؤتمرها كل حساباتها، وتراجع نهجها، وتعقد مقارنة (صادقة) بين حالتها الآن ووضعها قبل أن يصل قادتها إلى الحكم ، وهل صحيح أن الإسلاميين قد شغلتهم السلطة عن نهجهم الإسلامى والدعوي؟ أين هم الآن من البرامج الدعوية التى نهضت الحركة الإسلامية على أكتافها ؟ وإلى أين وصل المشروع الإسلامي الحضاري الذى آمن به قادتها واتخذوه هدفاً وبرنامجاً لهم ؟ وما علاقة الحركة الإسلامية بالحكومة وحزب المؤتمر الوطنى ، هل هي جزء منهما أم هى الأصل. أم أن الحركة ذابت فيهما وتلاشت؟! كل هذه التساؤلات هى علامات استفهام ظلت تسيطر على أذهان الكثيرين لا بد أن يجيب عنها مؤتمر الحركة الإسلامية الذى ينعقد فى ظروف دقيقة وحرجة لا يمر بها الإسلاميون بالسودان وحدهم، بل الأمة الإسلامية فى العالم على الرغم من سيطرة الإسلاميين على الحكم فى معظم البلاد العربية بعد ثورة الربيع العربي إلا أنه لا يزال تحيط بهم الكثير من المهددات من اللوبي الغربي والصهيوني الذى ما فتئ يتربص بالإسلام والمسلمين محاولاً السيطرة على كل العالم، والتأثير على حكامه عبر طرائق عديدة . الانتقادات التى تواجه الحركة الإسلامية الآن والتى ليست من الخصوم فقط، بل حتى من داخل عضويتها، هى أصلح لأن تكون ورقة عمل مهمة يجب أن تجد اهتماما أكبر داخل أروقة المؤتمر وفى جلساته، وإن اضطر المؤتمرون إلى تخصيص جلسة مغلقة لمناقشتها للخروج برؤية موحدة توحد صف الإسلاميين وترضي الغاضبين. والمؤتمر فرصة جيدة للمراجعة والتدبر فى أمر الحركة الإسلامية.. وإلى أين تتجه خاصة ومن بين الأوراق ورقة تناقش صعود الإسلاميين للحكم فى المنطقة العربية، فمن خلال نقاش هذه الورقة يستطيع أن يجد المؤتمر تقييما لحالة السودان بعد صعود الإسلاميين للحكم مع الحالة الراهنة للبلاد العربية ما بعد ثورة الربيع العربي وهل يمكن أن نكون قدوة تحتذي بها تلك الدول ، أم أن الأمر عندنا يحتاج لمراجعة وتقويم. يحمد للقائمين على أمر المؤتمر أنه أعلن عن نفسه فى الهواء الطلق بدءاً من المؤتمر الصحفي الذى تداعت له أجهزة الإعلام المحلية والإقليمية ووجد حظاً كبيراً من التغطية ، بجانب أن الدعوات وصلت إلى( 150) شخصية إسلامية من القيادات الإسلامية العالمية و(60 )شخصا من الشخصيات الاعتبارية بالسودان، بجانب شخصيات أخرى ربما جاءت من الولايات وبالطبع سيغطى الحدث فريق متكامل من أجهزة الإعلام المحلية والقنوات الأخرى يخرج الحركة الإسلامية من دائرة (المحلية) الضيقة إلى رحاب الفضاء الواسع والشفافية والوضوح ما يشير إلى أن الحركة ليس لديها ما تخفيه عن الآخرين بل أنها اشركت الكثيرين فى قضاياها التى تعتبر واحدة من اهتمامات الأمة الإسلامية وهى لا تنفصل عن القضايا الفكرية التى تهم أمة الإسلام وهى جديرة أن تفرد لها المؤتمرات ويتداعى لها المفكرون الإسلاميون من كل العالم. عموماً متوقع من المؤتمر أن يحقق نجاحات على كل الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية. فعلى الصعيد المحلى يتوقع أن يصل المؤتمرون إلى مخرجات يمكن أن تسد الفراغ بين القادة وعضوية الحركة الذين آثروا الابتعاد وأولئك الذين لديهم مآخذ ومثالب على نهج الحركة الإسلامية وربما افلح القادة فى تصحيح فهم هؤلاء أو قد ينجح (المحتجون) فى ايصال رؤاهم الرامية إلى تصحيح نهج الحركة (بحسب قناعاتهم) . وعلى الصعيد الإقليمى يتوقع أن ينجح المؤتمر فى توحيد الأمة الإسلامية العربية على نهج إسلامي يمكن أن تقتدى به الحكومات الإسلامية فى المنطقة وهذا (التوحد العربى) ربما يسجل نجاحاً فى ملعب اللوبي الغربي الذى يتربص بالأمة الإسلامية والعربية وحكامها.