تنطلق فعاليات المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية في السابع عشر من نوفمبر القادم في الخرطوم السودانية ومعه تتأسس مرحلة جديدة لعملها ونشاطاتها ومفاهيمها وفق ما تقتضيه المتغيرات الكبرى التي جرت على ساحة الحركة الإسلامية والساحة السودانية وسوح العمل الإسلامي العربي والدولي. في مؤتمر الحركة الاسلامية بولاية الخرطوم الذي التأم أمس في قاعة الصداقة تجاذب مؤتمرون أطراف الحديث.. شجون ماض أرخوا له ببدايات العام 1973 حيث حرب أكتوبر في مصر وثورة شعبان في السودان، وكان في أروقة المؤتمر شباب تفتحت مداركهم على الحركة الإسلامية وهي تقود التغيير في الحكم والسياسة بالسودان. جيلان يتشكلان وربما أكثر في سودان كان واحداً ثم انفصل وفي عالم ودول مجاورة كانت الحركة فيها بين أقبية السجون وصارت في قصور الحكم. ومن العام 1999 حيث جمدت الحركة وإلى العام 2004م حيث انشقت، تقوم اليوم أنشطة وفعاليات يمكن معها القول ان الحركة تشهد ميلاداً جديداً وأسساً جديدة تقوم عليها وعلى رأسها أن مؤتمرها العام الثامن سيشهد العديد من البنى الجديدة في نظم الحركة وإدارتها. فترة الميلاد إذا جازت التسمية أو الجمهورية الثانية من عُمر الحركة إذا أمكن الاقتباس والتشبيه يمكن القول إنها تجرى على نمط وصورة من المكاشفة والصراحة قمينة بأن تستصحب معها السجالات الكبرى والتدافع البيّن وهي تستشرف مرحلتها الجديدة. عشرة آلاف و500 مؤتمر عقدتها الحركة في الشهرين المنصرمين في كل أنحاء السودان وهي تعد العدة لمؤتمرها العام المرتقب، الذي سيطرح فيه الدستور الجديد للإجازة والهياكل القيادية المقترحة. الأسس الجديدة وكعهده في الإفصاح والإبانة، حَدّدَ الأستاذ علي عثمان محمد طه الأمين العام للحركة الاسلامية معالم طريق جديد رسم به الخطى والخطوط بين قوى وجماعة وأفراد شقوا الحركة وجانبوا خطوها وخطتها وأعاد بكلماته في مؤتمر قطاع التعليم والإعلام والثقافة والاتصالات الكرة إلى موقعها أمام المرمى وبين القوائم. قال الأستاذ علي عثمان انّه والحركة الإسلامية لن يعتذر عن الذي جرى في الثلاثين من يونيو من العام 1989م.. اعتذار قال به من شقوا الحركة ونأوا بها إلى تحالفات مع الشيوعيين والعلمانيين وسكبوا اعتذارات ما طلبت منهم ولكنهم رجوا منها أن تنقلهم من حيث كانوا إلى حيث طمعوا ولكن الحركة الإسلامية في نهضتها الحالية وهي تلتئم وتجمع صفوفها أكدت على لسان أمينها العام أنها على عهدها أوقعت تغييراً في السودان حمت به بيضة الوطن والدين من شرور متربصين وكيد مقاتلين كادوا يسلموا البلاد والعباد إلى أعدائها وصف الخيانة من الذين ناصروهم. تحضيرات شفافة على مدى الأشهر المنصرمة قامت بين يدي الحركة الإسلامية لجنة شورية كبرى تحضر للمؤتمر العام وترعى قيام المؤتمرات المختلفة التي انتظمت أرجاء السودان كافة وكاد يكتمل عقدها النضيد. وإلى عملها في التحضير الإداري والفني فقد تمكّنت اللجنة من وضع أسس قوية لتشكيل هياكل الحركة. وفي اجتماعها الأخير الأربعاء المنصرم تحدث رئيس اللجنة ورئيس مجلس الشورى البروفيسور إبراهيم أحمد عمر وبكلمات واضحة اكد أن المؤتمرات وما يجري فيها ينبغي أن تشهد شفافية مطلقة في التصويت والانتخابات. وعاب على بعض من الذين قدروا تقديرات لحفظ كيان الحركة وقاموا على أساسها بتقديم قوائم للتصويت لها. كان النهي صارماً والقرار واضحاً أنه إن ثبت فعل مثله وقد ثبت في بعض المواقع أن يصحح حتى ولو أعيد وألاّ عودة إليه. تغييرات قادمة فهم خطوة تجميد الحركة الإسلامية أو حلها تلاقى إجماعاً واتفاقاً أنها لم تكن خطوة مجمعا عليها ولم تكن محل قرار من الجماعة ومؤسساتها وهي خطوة قامت عليها فتنة الانشقاق. وكان من خطوات وترتيبات تصحيح المسار أن تعدل اللوائح والهياكل بما يؤمن ألا تعود مثل هذه الممارسة وأن تكون المعالجة عبر إفشاء العلانية ومبدأ التصويت ثم بناء الهيكل بما يوفق بين ما عرف في أضابير الحركة الإسلامية ب ((الحاءات الثلاثة)) أي الحركة والحزب والحكومة يؤسس لكل منها دورها ومهامها وواجباتها وتستقل بشأنها. لهذا فقد قررت مسودة الدستور المقترح والتي ستطرح على المؤتمر العام الثامن أن تضم من هم على رأس الدولة إلى الحركة طالما كانوا من عضويتها الملتزمة لهذا تقرر أن تطرح المسودة في مادتها الثانية والعشرين تغييراً مهماً ينشأ بموجبه مجلس للقيادة يرأسه رأس الدولة الموالي ويضم الموالين من قيادات الجهازين التنفيذي والسياسي وبهذا ستكون قيادات الحركة العليا في الصعيد التنفيذي والسياسي والخاص - المنتخبون وفقاً لمرجعيات ونظم مؤسساتهم ? هم القيادة العليا للحركة الإسلامية الحركة ومهامها هي مراقبة استقامة أجهزة الحركة ومؤسساتها المستقلة على مبادئ الشريعة الإسلامية، ووفقاً للإستراتيجيات والخُطط المُجازة. الربط وتكامل الأدوار بين اجهزة الحركة ومؤسساتها المستقلة، ضماناً لحُسن تنفيذ السياسات وتحقيقاً لمبادئ وأهداف الحركة. الأمانة العامة كما اقترحت مسودة الدستور أن تحدد فترة الأمين العام بولايتين هما من عُمر المؤتمر العام الذي ينعقد كل أربع سنوات ومن تجاوز هذا لا يحق له أن يرشح ثالثة وربما كان هذا محل خلط خاصة في الصحافة السودانية، حيث رأي بعض من الذين لم يدققوا النظر في مسودة الدستور أنها تعني أن الأمين العام الحالي لن يرشح مرة أخرى والحق أن الدستور كشأن الدساتير لا يطبق بأثر رجعي وأن للأمين العام الحالي الحق أن يترشح لدورتين إذا رأي أو قبل أن يدخل المنافسة فإما يفوز أو ينالها غيره بهذا يتحقق التبادل القائم على التصويت. ورأت مسودة الدستور أن يعين الأمين العام من قبل المؤتمر العام وأن يكون لمجلس الشورى الذي ينوب عن المؤتمر العام بين الجلسات أن يقيله أو يبدله حتى يرفع شأنه للمؤتمر العام إذا وقع ما يبرر ويوجب مثل هذا التغيير. كانت الحركة الإسلامية تُدار من قبل بما عُرف ب ((النظام الأساس)) وهو الذي وضع في العام 2005 وتم الاتفاق على تغيير هذا وتم التوافق على أن أفضل صيغة هي الدستور خاصةً وانّها كلمة واضحة جامعة مانعة يقل معها اللبس والغموض وتعرف المهام والواجبات والسلطات والصلاحيات، جاء في المسودة: ((لكل ذلك اتجهت الحركة لتطوير نظامها الأساس إلى دستورٍ يهتم بالإطار الكلي ويصوب إلى الغايات والمهام الكبرى ليترك لهذه المؤسسات المتنوعة مجالاً مرناً لوضع لوائحها ونظمها في هذا الإطار. وقد اتجهت وثيقة الدستور إلى جانب العناية بالكليات التي تضبط وجهة الحركة، إلى حسم موضوع وحدة القيادة. فهذا الدستور جعل المُؤسّسات السياسية والتنفيذية والتنظيمية والاجتماعية للحركة مؤسسات مستقلة، مرجعياتها فيما تنشئ من نظم وقوانين ولوائح وآليات ليعطيها مصداقية في العمل في محيطها العام من خارج عضوية الحركة)). مكاشفة وصراحة في المؤتمرات التي انعقدت وفي اجتماعات اللجنة العليا التحضيرية كان واضحاً أن نهج الصراحة والوضوح هو الحاكم، نهج يقوم على قواعد الحركة الكبرى ومكتسباتها على مدار التأريخ. في واحدة من الجلسات الأولى أدار الأستاذ حسن عثمان رزق جهازاً وأسمع الحاضرين مقطعاً من ندوة للإمام الشهيد حسن البنا مؤسس الحركة في اسمها الأول ((الإخوان المسلمين)).. في ذات الاجتماعات كانت روح الإخاء التي قام عليها اسم الحركة الأم هي التي تسود.. توبيخ لمسؤول رفيع أمام الجميع تسود معه سَحابة حُزن تخرج الرجل من المناقشات إلى دوامة تبدت على الوجه وكادت تقطر معها الدموع بيد أنه وبعد يومين يقف في جمع قام على جمعه وترتيبه يتحدث وروح الإخاء التي تفرق بين المحاسبة وتديم الود بين الإخوان هي التي تسود. والمناقشات التي جرت في كل المؤتمرات واللقاءات اتسمت بهذه الروح صراحة تناولت شَتّى القضايا، الفساد في الحكم ومن الإخوان والتسيب في العمل العام التعيينات في المناصب والمواقع وكسب الحركة والأشخاص وتحقيق الاهداف وغيابها وأحاديث حول من وقفوا على الرصيف وعودتهم. بيئة ومستقبل الحراك الذي أدارته الحركة الإسلامية خلال هذه الأيام هو خطوة في طريق يشكل عودة وانطلاقا جديدا لحركة كان مقبولاً أن يقع فيها كثير من الذي وقع، حركة تمسك بشأن البلاد والسلطة فيها وتنشئ حزباً يدير الشأن العام بما يحفظ الوطن ويؤمنه ويكون معه خطو المراجعة والتدبر لازماً بعد هذه السنوات، ويعزز من هذا أن تغييرات مهمة وقعت في السودان الذي تقوم على أمره الحركة والحزب والحكومة التي خرجت منها وإن لم تكن الحركة تديرهما مباشرة إلاّ أنّ النظر في التغيير والتصحيح ثم إقرار ما يجري أو تصويبه وتغييره يبقى مهمة أساسية للحركة. ثم إن السودان الذي شهد كل هذا لم يعد ذات السودان بعد أن انفصل جنوبه وتغيّرت فيه تشكيلة الأمة وتركيبتها الإثنية والدينية والثقافية ومن ثم السياسية. وقد جرى كل هذا بين يدي ثورات الربيع العربي التي وضعت القوى الإسلامية في الريادة وقيادة الحكم وكان للسودان والحركة الإسلامية فيه سبق وتجربة تختلف إلى مدى يحق معه التأمل والدرس والإفادة. كما أن تأسيس علاقات الحركة الإسلامية الداخلية في السودان مع القوى الأخرى الوطنية والإسلامية والقوى الجارة والإقليمية والقوى الكبرى سيكون محطة يجوز معها أن تقبل الحركة على نمط من العمل والفهم والتصورات يجعلها حركة حديثة ومعاصرة وقادرة على أن تقوم بمهامها الكبرى في حفظ الإسلام والدعوة الإسلامية وتأسيس نهضتها المبتغاة في الأسلمة والنهضة التي تنشدها ليس لبلد وحزب مثلما كانت تتفاعل الحركة وهي بين يدي القوى الطلابية بل إلى سوح وميادين أكبر.