د. مريم الصادق المهدي تزور المعتصمين في نادي الهلال .. أكاد أقول : كان هذا خبر الأسبوع الماضي خاصة و قد حمل في ثناياه تفاصيل عن مخاطبة الدكتورة للمعتصمين و تأييدها لهم و إعلانها هلاليتها , مثل أبيها الذي تجري في عروقه الدماء الزرقاء , شأنه شأن النبلاء . اهتمام الدكتورة مريم بالمعتصمين الرياضيين أثار الاستغراب و بعض الدهشة , خاصة و أن القضية ليست بتلك الأهمية التي تبعث اهتمام القيادية السياسية , لكن يبدو أن حزب الأمة الذي بدأ يعلي من شأن الاعتصام كخيار أمثل لإسقاط النظام قد رأى في اعتصام مشجعي الهلال (بروفة) يختبر بها جدوى هذا الخيار , فقرر دعم المعتصمين و استغلال الفرصة التي جاءته من السماء عل هيثم مصطفى يكون شرارة الثورة أو نسمة الربيع السوداني . لكن تعجل القيادية الأنصارية لاهتبال السانحة أوقعها في تناقض أضعف مسعاها , ذلك أن اعتصام المشجعين و لو اعتبرناه سلوكاً سلمياً تكفله الديمقراطية من أجل التغيير , قد كان موجهاً ضد حكومة النادي الديمقراطية التي جاءت بالانتخاب . و عليه فقد أيدت الدكتورة تمرداً على حكومة منتخبة يمكن إزاحتها ديمقراطياً بانتهاء دورتها الانتخابية , أي أنها دعمت مسلكاً يشبه الاضرابات غير المبررة التي أعاقت حكومة السيد الصادق و المظاهرات التي كانت تنظمها الجبهة الإسلامية . يستحسن أن يركز حزب الأمة على خيار محدد , يوليه اهتمامه الأكبر مع التحسب للمتغيرات و المفاجآت . هذا يعصمه من خطر التهافت الذي يجعله يتنصت لكل خبر , فيسارع للتوقيع أو التأييد حتى بلغت به (الخفة) تأييد مشجعين هم أقرب إلى تجسيد الفوضى من التعبير عن رأى . و لو ركز الحزب على الانتفاضة الانتخابية لما نسيها الناس بعد أن تخلى عنها لخيارات أخرى مثل اعتزال العمل السياسي أو التنسيق مع مناوي أو طرح خيار الاعتصام . إن آمالاً وطنية عراضاً معلقة على شخص الصادق المهدي رئيس هذا الحزب . و ليس جديداً القول إن روح الحزب و حراكه و عنفوانه مرتبط بشخص الصادق . فليحزم أمره بطرح خيار محدد يدعو الشعب للالتفاف حوله . و لما كان مستحيلاً أن يجمع أي خيار مهما كان المزايا كلها , فليس من بد من تحمل خيار محدد بتبعاته و علاته , بدلاً عن القفز من خيار إلى آخر بحثاً عن كمال غير موجود . و قد يحتاج السيد الصادق أحياناً لإثبات ديمقراطيته و مناصرته للمرأة بإفساح المجال لهذا القيادي أو تلك القيادية للتعبير عن رؤى و سياسات الحزب , لكن هذه المحاولات كثيراً ما تأتي بنتائج عكسية . و لا داعي لإلباس هذا الكيان الذي شب على التقليدية ثوب حداثة لا يناسبه , بل قد يضره ,, و التقليدية ليست شراً مطلقاً .