تعجبت كثيراً من القوى السياسية المعارضة التي وقعت إتفاقاً في كمبالا مع قيادة الجبهة الثورية لإسقاط النظام في الخرطوم ... وتعجبت من تملص ونكران هذه القوى المعارضة من الإتفاق الذي وقعته ونشرت الصحف السودانية والأجنبية صورهم بعد التوقيع ... وقد أمسك كل ممثل من ممثلي الاحزاب الوثيقة التي وقعوا عليها و رفعوها عالياً ... إذاً كيف ينكرون توقيعهم ... وإذا أنكروا ذلك فكيف سيحكمون ؟ إن الجبان لا يستطيع أن يحكم ... أخطر ما في هذا الأمر تحالفهم لإسقاط النظام ... إنهم أغلقوا الطريق أمام الحلول السلمية لفك الاختناق السياسي الذي تعيشه البلاد ... ومهما كانت سوءات نظام الإنقاذ كثيرة وكبيرة فإن الجبهة الثورية أكثر سوءاً بكثير وكثير جداً . كنت أتوقع أن تركز القوى السياسية التي تحالفت مع الجبهه الثورية ، وهي أحزاب جزء منها عقائدي ... وكلها أحزاب معارضة ... فلماذا لم تستطع أن تركز وتتحمل موقفها السياسي الذي اختارته بنفسها طريقاً للوصول إلى الحكم . هذا التحالف الجديد مع الجبهه الثورية اغلق كل الطرق للحلول السلمية وللانفتاح الديمقراطي . نحن نقر ... بأن لابد من حكومة ومعارضة ، لكن نريد معارضة مدنية و قوية وشجاعة ... لا تنكسر في أول موقف ... إن معظم قيادات المعارضة تعرضوا للاعتقال والمحاكمات ... فما الذي أخافهم الآن ؟... المعارضة الضعيفة لن تصل إلى سدة الحكم في أي بلد مهما كانت الأسباب ... ودائماً المعارضة الضعيفة تكون أحد أهم أسباب قوة الأنظمة الحاكمة ، لأن الشعب يرى في ضعفها قوة للنظام الحاكم ولا يراها بديلاً له . وما دامت قوى المعارضة هي التي وقعت الاتفاق مع الجبهة الثورية وقطاع الشمال ، فالافضل للحكومة طي هذا الملف والعفو عنها ... لأنها ما دامت تنصلت عن التوقيع رغم كل الإثباتات فالأفضل للحكومة العفو عنها . لكن من ناحية أخرى ... أن هذا التنصل ونكرانها التوقيع ... ما هو في تقديري إلا موقف تكتيكي ... وانحناءة لعاصفة النظام التي هبت قوية ، وليس موقفاً إستراتيجياً ... وسيظل الاتفاق بينها وبين الجبهة الثورية وقطاع الشمال قائماً وملزماً للطرفين . ورغم ضعف قوى المعارضة التي هاجرت إلى كمبالا ووقعت الإتفاقية ، إلا أنها شكلت إضافة مدنية وسياسية لتنظيمات عسكرية ... ولن يتوقف هذا التحالف بين قوى المعارضة والجبهات المتمردة في دارفور ... إلاّ إذا استطاعت الحكومة إسكات أصوت المدافع والبنادق في جنوب كردفان ... وفي الحدود مع دولة الجنوب . والتكتيك الذي إتبعته قوى المعارضة المتحالفة مع تجمع كمبالا ، هو نفس التكتيك الذي اتبعه الحركة الشعبية وحكومتها وجيشها مع السودان . أنظروا للاجتماعات المتواصلة مع الوفدين والاجتماعات المتواصلة مع الرئيسين ... كلها طلعت كلام ? كلام ... ولم يتم تنفيذ بند واحد من بنود إتفاق أديس أبابا ... والحركة الشعبية تمارس نفس التكتيك مع الحكومة ... وهي في كامل التنسيق بينها وبين قطاع الشمال والجبهة الثورية . وبدلاً من أن تترك الحكومة الحبل على الغارب لكل تنظيم سياسي كبر أو صغر حجمه وتأثيره يتفاوض مع الجهات المتمردة ليكبر حجمها ... فالأفضل لها أن تغلق هذا الطريق ... وتقوم بالتفاوض مع تلك الجهات المتمردة بنفسها للوصول إلى حلول مرضية ومقبولة للطرفين . الآن وكما سبق أن ذكرت بالأمس ... أن الحكومة في مأزق ... والمعارضة في مأزق أكبر ، ولم يعد أحد يثق في المعارضة بعد موقفها الأخير ... اتفاق تام ثم هروب منه ونفيه تماماً ... رغم الصورة التي وثقت لذلك الاتفاق . الحل يريد حكمة وحكماء ... ونفوساً صافية ... وصدوراً خالية من المرارات والأحقاد القديمة والجديدة . والله الموفق وهو المستعان