ظل طوال الليل يفكر فى هذا القرار المصيرى الذى سوف يتخذه، نعم لابد أن يقوم ببيع (عربة التاكسى) ويقوم بشراء فيزا يسافر بها إلى أحدى دول الخليج، لم يعد التاكسى يدر ربحاً يذكر بعد أن امتلأت العاصمة بمختلف انواع وسائل النقل التى تسير على أربع وثلاث وإثنتين، ايجار البيت، مصاريف المدارس، حق الأكل والشراب، الجمرة، الموية، النفايات، قال وهو يخاطب نفسه: - والله إلا أكون حاوى! بعد أن قام بغسيل العربة وتلميعها أتجه بها نحو الدلالة، لم يكن الايراد يسمح له بإصلاح ماكينة العربة التى إنطلقت (الدخاخين) منها لتغطى سماء (الدلالة) كما لم يكن يسمح بعمل (سمكرة) للنتوءات والكدمات التى تنتشر كالبثور على (البودى) والتى كانت تتناسق تماماً مع (الفرش) الجلدى المهترئ الممزق الذى أكل عليه الدهر وشرب ومع كل ذلك وبعد جهد جهيد قام (أحد السماسرة) بإقناع أحد المشترين الذى قام بدفع مبلغ يكفى فقط للتذكرة و(شراء) الإقامة بعد خصم أتعاب (السمسرة). بعد جهد مضن قضاه (عوض) بين (الجوازات) و(المغتربين) ووكالات السفر غادر وهو يمنى نفسه بتغيير واقعه المؤلم الذى كان يعيشه، عند وصوله إتجه مباشرة لبيت (العزابة) كان عاشر تسعة فيه وسابع ستة (ينتظرون فرصة عمل) ورابع ثلاثة يمتهنون (السواقة) . بعد أن وضع (شنطته) فى أحد أركان الغرفة الضيقة التى تعتق سماؤها بدخان السجائر قام بتحية الجميع الذين كانوا منهمكين فى لعب (الكوتشينة) بينما رائحة (حلة العدس) تنبعث من المطبخ القريب . - هسه الواحد يا جماعة ما بلاقى ليهو شغل وكده؟ قالها مخاطبا الجميع وهم منهمكون فى إدخال أيديهم فى صحن فتة العدس الكبير. - والأخ شغال شنو؟ - سواق معاى رخصة عامة. - (أحدهم ضاحكاً): وأنت قايلنا يعنى (جراحين)! - (فى إندهاش): كيف يعنى؟ - الناس الشايفهم ديل كلهم سواقين وقاعدين عطالة ما لاقين شغل وأنا أولهم! مرت أيام، واسابيع، و شهور وسنون إشتغل فيها (عوض) بعض (الشغلانيات) الهامشية التى كانت تسمح له (مرات مرات) بدفع (الشيرينق) لحلة (العدس) وتوابعها، لم يستطع (سيد البيت) الإنتظار فكان (الإخلاء) حيث أقامت (فاطمة) زوجته ومعها الأولاد فى حجرة ضيقة فى منزل (والدها) الذى يسكن فيه بقية أخوتها.. تراكمت عليه (الديون)، أصبح عبئاً ثقيلاً على (بيت العزابة)، إنتهت صلاحية (الجواز) كما إنتهت صلاحية (الإقامة) مما جعله عرضة لحملات التفتيش و(الكشات) وأفقده الأمل فى الحصول على أى عمل، ساءت حالته النفسية لدرجة بعيدة، أصبح لا يغادر تلك الغرفة الضيقة، فى ذلك اليوم وبينما الجميع منهمكين فى لعب (الكوشتينة) وحلة (العدس) على (النار) تنبعث منها ذات الرائحة، احس (عوض) بجوع شديد فهو لم يدخل جوفه شئ من (الأمس)، أدخل يده فى (كيس الرغيف) فوجده (خاليا)، قام بالنزول إلى البقالة القريبة التى عند إشارة (المرور)، عند الضوء الاحمر توقفت (العربات) ليقوم (عوض) بعبور الشارع، حانت منه إلتفاتة إلى وجه ذلك الشخص الذى يجلس على المقعد الخلفى للسيارة الفارهة التى تقف عند الإشارة، نعم إنه أحد شيوخ الأمارة الذين يراهم على صفحات الصحف وأخبار التلفاز، إتجه بسرعة نحو العربة طرق على الزجاج: - والله سموك اقامتى منتهية وجوازى منتهى و... - قام الشيخ بتناول دفتر (الشيكات) أدخل يده فى جيبه لم يجد (القلم)، قام بسؤال (السائق) الذى لم يكن معه أيضاً (قلم)، هرع (عوض) إلى بقية العربات التى كانت تقف فى (الإشارة) وهو يصيح: - معاك قلم .. معاك قلم.. إلا أن (إشارة المرور) سرعان ما تحولت إلى اللون الأخضر! كسرة: وأنت تقف عند إشارة المرور إذا رأيت شخصاً يتنقل بين (العربات) فى سرعة وإنزعاج وهو يسأل (معاك قلم) فأعلم أنه كان مواطناً شريفاً أودت به (رداءة الحال) إلى هذا (المآل)!