زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما لمصر في شهر يونيو الماضي، كانت تمثل الزيارة الثانية للدول العربية بعد السعودية، التي استهل بها تلك الجولة او هي الاولى للشرق الاوسط ، ولا تخرج باي حال من الاحول عن معادلة «عربية اسلامية شرق اوسطية». فيما لا يمكن ان تكون زيارة اوباما للقاهرة الاولى لافريقيا، من حيث الدلالة والخطاب والطقس فيما شكلت زيارته الى غانا بعد اسابيع من الزيارة الاولى لافريقيا، لتحصل زيارة وزيرة الخارجية الامريكية هلاري كلنتون الى كينيا الاسبوع الماضي بجدارة على صفة الزيارة الاولى لارفع مسؤول في الادارة الامريكيةالجديدة لافريقيا، بعد الرئيس. والدلالة الافريقية لزيارة كلينتون تأتي من حيث الموقع والخطاب. وقد يربط محلل، ما، بين اختيار كلينتون لنيروبي اول محطة لجولتها الافريقية، وحقيقة ان كينيا هي الموطن الاصلي للرئيس الامريكي الجديد اوباما ، وقد يسعى من خلال هذا الباب اعطاء نفسه فرصاً لتحليل الزيارة،. ولكن لاشك ستعوزه المفردات والجمل المفيدة، التي تجعل من افتراضاته اشياء قابلة للتحقق نظرياً. فقد كان الخطاب قريباً من نيروبي، ولكنه ابعد ما يكون عن كينيا الدولة، وعناوينها العريضة كانت مكافحة الارهاب، ومحاربة الفقر، والتعاون الامريكي الافريقي، ودفع الديمقراطية في افريقيا الى الامام، ومهد المسؤولون في الخارجية الامريكية للزيارة بأنها « تبرز التزام إدارة أوباما وضع أفريقيا على أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث ستكون هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته أفريقيا بفاصل زمني قليل، كما رأى بيان للخارجية الأمريكية أن أفريقيا ليست على هامش الدبلوماسية الأمريكية والتجارة الدولية»، وقال البيان « بمتابعتها عن كثب زيارة الرئيس لغانا، ستظهر وزيرة الخارجية التزام الولاياتالمتحدة بشراكة مع أفريقيا تقوم على المسؤولية والاحترام المتبادل». ولكن كل هذه العناوين باتت فرعية، بل تلاشت حين استقبلت وزيرة الخارجية الأمريكية بحفاوة بالغة الرئيس الصومالي شيخ شريف احمد، وعبرت عن دعم بلادها غير المحدود للحكومة الصومالية، وأرسلت رسالة تحذير لاريتريا بوقف دعم الإرهابيين في الصومال، والإرهابيون الذين تقصدهم هم (حركة شباب المجاهدين)، بعد انشقاق حركة المحاكم الإسلامية الى مجموعتين مجموعة مع شيخ شريف تحالفت مع أثيوبيا والولاياتالمتحدة، وهي تحكم البلاد حاليا بدرجة كبيرة من الهشاشة، ومجموعة شباب المجاهدين، وهم يرفضون التعاون مع الولاياتالمتحدة وأثيوبيا ويعتبرون شيخ شريف ليس أكثر من عميل أمريكي وفصيل متقدم «للمحتل الأثيوبي»، حسب توصيفهم للتدخل الإثيوبي في الصومال العام قبل الماضي، والذي اسفر عن طرد حكومة المحاكم الإسلامية عن البلاد. نعم الزيارة معنونة باسم افريقيا، وحضرت كلينتون، خلال جولتها، في المنتدى الثامن للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنطقة جنوبيّ الصحراء الأفريقية المعروف اختصاراً باسم «أجوا» الذي عقد في العاصمة نيروبي، ولكن اذا كان لكل زيارة رسمية لها ما بعدها فإن ما بعد زيارة كلينتون الى نيروبي سيكون في الصومال. ولن تختلف السياسة الأمريكية تجاه الصومال، على ما بدا من خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكية الأولى الى أفريقيا، عن سابقتها في ذات البقعة المضطربة لعقود، مثلما لم تختلف سياستها تجاه الوضع في أفغانستان عن تلك التي انتهجتها إدارة بوش الابن الآفلة. والسبب واحد هو ان الإدارة حين تعتقد ان ارض أفغانستان من اكثر الأرضي خصوبة لنمو الأفكار « الطالبانية القاعدية»، ينسحب ذات الاعتقاد على الوضع في الصومال. وثمة اشارات غربية تربط بين حركة شباب المجاهدين والقاعدة، وهذا ما يدفع الادارة الى التعامل مع شيخ شريف احمد الى ابعد حدود ممكنة لضرب حركة شباب المجاهدين. وستضيق الخناق على اريتريا التي تقول التقارير بأنها تغذي الحركة المعارضة لشريف و«تكفره »، حتى تتأكد من انها قد ابتعدت عنها. ولكن السؤال: كيف يتحقق الدعم الامريكي لشريف ، وهو واهن بهذه الكيفية التي يبدو عليها؟. فقد فَقَد الرجل قوته الأولى التي منحتها اياه جنداي فرايزير مسؤولة الشؤون الأفريقية في الخارجية الامريكية إبان ادارة بوش، المعروفة بمهندسة اتفاقي نيروبي وجيبوتي، اللذين مهدا السبيل لدخول شريف القصر الرئاسي في مقديشو. شريف الآن في عرض حماية نفسه وليس حماية الصوماليين، المعارك لا تدور في أبعد قرية صومالية عن مقديشو، ولا في حي طرفي من العاصمة، وانما حول القصر الرئاسي، ولا يستطيع شريف الانتقال من القصر الى المطار ، حين يقرر تمثيل الصومال في الخارج إلا عبر سيارات مصفحة تتبع للقوات الافريقية الموجودة في الصومال والهشة هي الأخرى. الدعم العسكري الأمريكي المباشر لشريف، خطوة تبدو مستحيلة الآن، نظراً لحرص الأمريكيين على عدم تكرار تجربة تدخلهم العسكري في الصومال في العام 1992 ، والذي انتهى بخروجهم غير المشرف في العام 1995، عندما هزمت القوات الأمريكية الموجودة هناك شر هزيمة، سجلت في التاريخ بحبر اسود. أما الدعم المالي فهو موجود الآن، ولكن يذهب كما يذهب الماء في صحراء عتمور، في ظل دولة منهارة تترعرع فيها كل مظاهر الانهيار، وتمشي فيها الفوضى بألف ساق، يصبح فيها الحديث عن انجاز مشروعات لتنمية القدرات في شتى المجالات المنهارة، خيالاً بعيد المنال. وقد فشل الدعم غير المباشر حين اتفقت ادارة بوش مع اثيوبيا على ان تتدخل الاخيرة عسكرياً لطرد حكومة المحاكم الاسلامية وتحل محلها قوات افريقية وحكومة صومالية اخرى، وكل شئ «بثمنه»، ودخلت اثيوبيا بحماس لانها هي في الاصل لا تطيق وجود حكومة اسلامية في الصومال وحدث ما حدث، وجاءت القوات الافريقية، ولم تلتزم الادارة الامريكية على ما بدا بتعهداتها الاولى، فانهار الاتفاق، ووصلت قوات افريقية هزيلة من حيث العدد والعتاد، فتكالب على شريف شباب المجاهدين من جهة والقراصنة من اخرى، وبات في افضل توصيف له انه رئيس حبيس القصر الرئاسي. الاوروبيون يعتقدون ان قوات « الاطلنطي» التي شكلت نهاية العام الماضي من الدول الغربية لمحاربة القراصنة قد نجحت، وهذا ربما يكون خيط أمل لفرص أخرى وخطوات أخرى قد يحالفها النجاح، للملمة انهيار الصومال. الخطوة آتية ولكن السؤال متى وكيف؟ لن تكون في صالح شباب المجاهدين؟.