قد يأتي المطر في هيئات مختلفة ، فمرةً هاجمتي الأمطار في أحد ضواحي الكدرو ببحري وأنا أتوجه لمنزل خالي فارس كباشي ، لم تكن تشبه ما رأيته من هطول ، ليست هطول هو هجوم ، تغضب السماء وترغي ولا تزبد ثم تكسو الدنيا سحباً كظلمات القبر وربما أشد ، تصعب الرؤية في البداية ثم تصبح مستحيلة ، للحظة ظننت أني أحلم ، فقدت الإتجاه الذي كنت أسير فيه وشرعت في الدوران حول نفسي ، أهو القبر دخلته فجأة ؟ ومتى سيأتي عزرائيل لبداية التحقيق ؟ هل يكون السؤال في اليوم الأول أم سيترك لي وقتاً أستجمع قواي لأجيب كما أريد ، المنطق يقول أنه لا يمكن مساءلتي الآن وأنا في هذه الحالة من الإرتباك ، لكن ربما لعزرائل منطق ٌ آخر. تمنيت في تلك اللحظة ألا يأتي عزرائيل الآن ،أحتاج للحظات ألتقط فيها أنفاسي لأُجمِل أقولي بعض الشيئ ، ليست من العدالة أن يتم سؤالي الآن . لم يأت عزرائيل ولم أرى مخرجاً أهرب به من القبر، حكمة الله لا أستطيع سماع صوتٍ لأحد كأن كل من في الطريق دخل قبره برجليه . جلست على الأرض فصادفت شيئاً صلباً يشبه ود اللحد تحسسته فإذا هو جدار لم يرتفع من الأرض إلا حوالي المتر ، سندت ظهري عليه في إنتظار المجهول ، عشر دقائق ، نصف ساعة ، خمسة وأربعين دقيقة ولا يأتي عزرائيل ، ربما لن يأتي فلماذا لا أنفد بجلدي وأبحث عن مخرجٍ . حملت حقيبة يدي ونفسي الفزِعة واخترت إتجاها كما اتفق ومضيت فيه ، خبطت رأسي بشيئٍ صلب فإذا هو جدار منزل ، تابعته وأنا أتحسسه بيدي حتى وصلت لبابٍ دفعته فانفتح ولجت بالداخل وأنا أردد : السلام عليكم ، بأعلى صوتي ، رددتها عدة مرات فجاءني صوت إمرأة: منو ؟ أجبت : أنا سلمى بنت أخت فارس كباشي ، كان الفرح يدور في الظلمة المطبقة مع بصيص ضوءٍ يتراءى في مكان ما من الحوش ، جاءتني المرأة هي تحمل مصباحاً في يدها ، طيب أهو ما زلت حية بدليل وجود المرأة والمصباح ، كانت كلما اقتربت مني ازدت إطمئنانا بأنني لا زلت حية ، قالت المرأة : كُر على يا بتي المطرة لاقتك في الشارع ؟ ، أين هي المطرة ، هذه ليست مطرة هذا يوم القيامة ، أجبتها : آآي والله أول مرة أشوف مطرة ذي دي ، قالت : أجي مطرتكم ما كدي ؟ . ومنذ تلك المطرة العجيبة وأنا أحرص أن أنتظر المطر في بيتنا حتى لا أرى وجهه الآخر ، فلكل شيئٍ في هذه الدنيا وجهٌ آخر لا نرغب في رؤيته.