? اهتمت الفضائيات التلفزيونية ابان أيام رمضان الفائت، بتقديم برامج تثقيفية وترفيهية توجهت الى الجمهور في إطار الراهن الاجتماعي.. فكانت عروضها تناقش الكثير من الظواهر الاجتماعية، تلك الظواهر التي تتشكل في أطر ثقافية وفنية فيظنها البعض أنها موضوعات فنية تخاطب الجانب الجمالي فقط في القضايا المطروحة داخل المجتمع.. وذلك على الصعيدين العربي والسوداني. ----- ? لقد كان مظهر هذه العروض خادعاً جداً.. فقد تعامل معها الجمهور والنقاد معاً بذات الروح التي صدرت عنها هذه العروض. فقد كانت كل الفضائيات العربية بمختلف موطنها القومي الإقليمي تتنافس على السبق الإعلامي، ومن ورائها شركات الإعلان الكبرى.. حينما تجد وراء كل عمل مقدم إشارة تقول.. (إن هذا العمل يقدم تحت رعاية شركة، أو مؤسسة كذا!!). ? وهذا أدى الى نتائج كثيرة أضرت بهذه الأعمال المقدمة، مما جعلها تنحرف عن مقاصدها وتوجهاتها التي تسعى لمحاورة الظاهرة الاجتماعية والإمساك بالأسباب المنطقية التي كونتها وأدت الى ظهورها داخل الواقع الاجتماعي. إن هذا الوضع الملتبس قد أدى الى أن يقف المتلقي أمام العمل موقفاً سلبياً، وأن يتعامل مع العمل على اعتبار أنه مادة إعلامية تهدف الى التسلية والترفيه.. وليس وراء العمل أية رسالة ذات هدف اجتماعي تثقيفي. مما جعل كل (العروض الفضائية) بلا هدف أو غاية. ? ولعلنا إذا تأملنا ذات العرض (الحوار) الذي أجرى مع بعض رؤساء تحرير الصحف السودانية نجد أن الإعداد للبرنامج لم يحدد له موضوعاً.. بل منهج العرض كله قام على طريقة (الونسة) تلك المشافهة التي طبعت الحوارات والأحاديث في الثقافة السودانية بطابع البساطة والعفوية والتحلل من مسؤولية دفع الأفكار الى نهاياتها المرادة والوصول الى نتائج لهذا الكلام الذي يرسل.. مما يحول الحوار الى ثرثرة تتحدث في كل شئ دون أن تصل لشئ. مما يجعل قولهم (إنه كلام جرائد) مقولة صادقة لحد بعيد. ? إن أصل هذه المشكلة في جذورها الثقافية والاجتماعية البعيدة الغور، هي أننا لا نميل للحديث الجاد ولا للفكر الصارم.. وغالباً ما نصف الحديث الجاد بأن يتحدث بجدية فهو (يتفلسف).. وهم يقصدون بوصفهم هذا (المتفلسف) هو ذاك الكثير الإدعاء والذي يدعي أنه صاحب فكر. فهناك نوع من الزهد في سلوكنا يبعدنا عن أن نظهر بمظهر المفكر أو المتفلسف لدرجة أصبحت معها مثل هذه الصفات هي نوعاً من التظاهر المقيت حينما يدعي أحدنا صفة ليست من صفاته!! ? هناك برنامج نال رضا المشاهدين هو برنامج (أغاني وأغاني) الذي يقدمه الأستاذ الكبير السر قدور.. ورغم أهمية هذا البرنامج الوثائقية.. إلا أنه تحول بدوره الى مادة جمالية محضة تسعى للتسلية والترفيه..وكل المعلومات التي جاءت حول الأغاني لم تأت من منطلق أن الأغنية (أية أغنية) هي ظاهرة اجتماعية كاملة.. تعبر عن ظرف اجتماعي يمتلئ بكثير من حقائق الناس الذين عاشوا هذه الفترة.. (زمن المطرب سيد خليفة.. كيف يكون؟.. ولماذا هو جاء على هذه الشاكلة؟!).. (زمن سعد أبوالعلا).. وكيف أن الإعداد لم يراع مداخلات وأقوالاً أخرى.. بل كانت المعلومات ترسل وتملى إملاءً.. فهي تأتي من جهة واحدة (مقدم البرنامج) مما جعل حظ المشاركة في بناء البرنامج (بنائية البرنامج كعمل إبداعي) تفقد حيوية المشاركة الحوارية. أما المطربون فقد كان دورهم محدداً جداً.. فهم يقومون بالغناء فقط وكان يمكن أن يوجد لهم دور في هذا العرض. إلا أن العرض كان بحق (مسرح الرجل الواحد) والذي هو أستاذنا الجليل (السر قدور). ? كل هذا جعل العرض يفقد هدفه وعمقه الاجتماعي وصار عملاً للترفيه والتسلية فقط. ? أما البرامج في الفضائيات العربية فلم تكن بأحس حالاً من فضائيات النيل الأزرق والتلفزيون القومي. ? في تلفزيون (النيل لايف) المصري نشاهد برنامجاً كان قد صرفت عليه أموال طائلة من قبل الشركات المعلنة.. وصنعت له دعاية هائلة.. فكان اسمه كفيلاً بجذب المشاهد إليه دونما عناء. وأُختيرت له المخرجة السينمائية الجريئة إيناس الدغيدي.. التي عرفت باختيارها للموضوعات الاجتماعية الساخنة.. فكان موضوع الجنس وموضوع (المرأة والرجل) (الجندر) على رأس قائمة الحوار. كما كان اختيارنجوم الحوار من كبار نجوم مصر في السينما والصحافة والأدب والفكر. ? وكذلك فشلت الخطة التي من أجلها صنع البرنامج.. إذ من المفترض أن يقدم (البرنامج) مشكلات اجتماعية تتفجر داخل الحياة المصرية الآن.. حيث التطرفات في المواقف السياسية والاجتماعية بين اليمين واليسار. ولكن هذا الهدف كان قد ضل طريقه واصبحت كل القضايا المقدمة تسعى في طريق التسلية والترفيه. ? وإذا وضعنا السؤال في موضعه الجاد!!.. لماذا انحرفت الفضائيات عربياً ومحلياً عن هدفها.. وسحبت من القضايا المقدمة بعدها الاجتماعي وحولتها الى (مادة وصورة ملونة) للتسلية وتسطيح القضايا الاجتماعية المؤثرة على حياة الناس؟! ? إن الإجاية واضحة.. هي أن أغلب هذه البرامج تسندها مؤسسات تصنع المادة الفكرية والفنية لا بغرض عرض القضايا وإيجاد الحلول، إنما غرضها هو استغلال تلك الفواصل.. تلك الوقفات للإعلان عن سلعها ومنتوجاتها.. ضف الى ذلك أن المتلقي الآن وسط دوامة مشاغله وهمومه أصبح يفضل أن يستهلك المادة التلفزيونية المسلية عن تلك المادة التي تعالج قضية ما!! ? وهناك ملاحظة مهمة لماذا أصبحت برامج ال (Talk Show) هي البرامج السائدة الآن في الفضائيات؟.. ربما لأنها الأسهل إعداداً والتي تعتمد في وهجها وقوتها على النجوم.. فهي تستمد أي (البرامج) وهجها من وهج النجم!!