لمحت عيون القرية مجموعة عمل قريبة من قريتهم تحمل ميزان قياس زاوية ميلان التربة... فانتشر فى ثوان بين أهالى القرية أنّ مستثمرأ أجنبيا اشترى قريتهم من وراء ظهورهم من السلطات لتحويل هذه القرية الى قرية سياحيّة بعد أن يتم تشريدهم... فاتخذ أهل القرية موقفا فوريّا لحماية قريتهم من الزحف الاستثمارى... فتواجهوا مع مجموعة العمل بعد تقديم فاصل من العنف الأهلى ثمّ تواجهوا مع الشرطة... وبعد المواجهتين تبيّن أنّ هذه المجموعة لا علاقة لها بتلك القرية فهى عابرة سبيل! فى يوم غير ذلك اليوم وقرية غير تلك القرية جاءت عناصر لجنة عليا لها سلطة التصرّف فى الأراضى الزراعية المهملة... فأوقف أهالى تلك القرية اللجنة وأخذوها رهينة... وانتهت الحادثة باستخدام السلطات للحد الأدنى من قوتها بتحرير الرهائن وأخذ عناصر العنف الأهلى الى الحراسة موقوفين ثمّ اطلاق سراحهم بعد شطب بلاغ الازعاج العام! عدد من الحوادث المماثلة تواجهت فيها السلطات المحلية والاهالى كان آخرها قبل يومين... فبعد أن اشتمت الأنوف فى تلك القرية رائحة كريهة منبعثة, وجّه الأهالى التهمة لأقرب مدبغة فاتّخذوا قرار اهليّا بالتخلص من المدبغة المشبوهة... احتشد أهالى القرية لتنفيذ (العمليّة) ووضعوا الحجارة على طريق المرور السريع... وانتهى الحدث بمثلما انتهى ما قبله: حضور الشرطة وتقديم هديتهم الى القرية: قنابل مطاطيّة وغاز مسيل للدموع! الرائى الى الأفق الأبعد يرى حركة الاحتجاج فى السودان آخذة فى التصاغر... فبدلا عن الخوف على أوضاع وطن صار الخوف على أوضاع قرية! هذا الاحتجاج المتصاغر سبقته علامات انتماء متصاغر... فالاحساس بالقرية يتنامى الى احساس أكبر من الاحساس بالولاية, والاحساس بالولاية يتنامى الى احساس أكبر من الاحساس بالدولة... فتحوّل الدفاع الشعبى (سرّا) الى دفاع أهلى... وربما يصبح قريبا الانتماء الى البيت أكبر من الانتماء الى القرية فيظهر الدفاع البيتى! بعثرة تحتاج لمن يجمعها... بعثرة نجمت عن سوء تفاهم بين الأطراف... مبادرة لجمع البعثرة وتطوير السلطة الى دولة حديثة... وتطوير الأهالى الى مجتمع مدنى... تجميع بعثرة وطن ومواطنين... وتوتة توتة وخلصت الحدّوتة!!