أصاب الرئيس سلفا كير ميارديت كبد الحقيقة عندما قال إن دعاة الحرب لن يخسرون شيئاً في حال إندلاع الحرب لأن أسرهم وأبناءهم يقيمون بأمريكا وأستراليا. سلفا، الذي كان يتحدث أمام الآلاف من المواطنين في لقاء جماهيري بثه تلفزيون الجنوب، قدم مرافعة متماسكة عن الاتفاق الأخير ، وهاجم المشككين في جدوى التوقيع على المصفوفة بضراوة نادرة. سلفا كير، لم يكتفِ في الواقع بالقول إن الذين يعملون على بث الشائعات ودق طبول الحرب بين الدولتين لا يخسرون شيئاً ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال إن دعاة الحرب ليس لديهم ارتباطات بالدولتين ولا يعرفون التداعيات الكارثية حال نشوب القتال، وأشار بيديه إلى الجماهير التي جاءت لتسمعه قبل أن يقول: (في حال نشوب الحرب فأنتم الذين تدفعون الثمن وليسوا دعاة الحرب الذين تقيم أسرهم بدول مثل أمريكا وأستراليا). حديث سلفا كير القوي، يكتسب قيمة مضاعفة ليس لأنه رئيس لدولة الجنوب فحسب، وإنما لجهة أن سلفا كان مقاتلاً سابقاً خاض الكثير من المعارك، ووقف بنفسه على الآثار الكارثية للحرب.. آثار لا يمكن لعاقل أبداً أن يسعى لتكرارها، أو يسعى لإشعال فتيل الحرب إلا إذا ضمن أنه وأسرته في مأمن من الحريق، بينما الذين يدفعون الثمن غالباً هم البسطاء من أبناء الشعب الطيبين، رغم أنهم في الغالب لا ناقة لهم ولا جمل في ذلك النوع من الحرب العبثية. سلفا، قال هذه المرة ما يمليه عليه واجبه كرئيس دولة مسؤول، يضع مصلحة شعبه نصب عينيه، ويعمل على طي صفحة الحرب بعد إبعاد جنرالاتها وتهيئة الأرض لتنفيذ اتفاقيات التعاون التي تصب في مصلحة الشعبين في السودان والجنوب . حديث سلفا القوي هذا، سيجلب له بعض الاستياء ممن ينطبق عليهم الوصف ب (دعاة الحرب)، وربما أحرج بعض قادة الحركة الشعبية ودولة الجنوب من غير دعاة الحرب ولكن لديهم أبناء بأمريكا وأستراليا. فمن خلال معرفتي بالكثيرين من قيادات الحركة الشعبية في الجنوب أستطيع أن أقول ليس كل قادة الحركة الذين تقيم أسرهم في الجنوب هم ليسوا دعاة سلام ، كما أن ليس كل القادة الذين لديهم أسر في الخارج هم دعاة حرب، وإن كانوا يشكلون أغلبية في هذا الصنف الأخير. من الآخر، الاتفاقات الأخيرة على المصفوفة بين الخرطوم وجوبا، ولدت وهي في وضع صحي غير مطمئن، فهي بحاجة إلى كثير من الرعاية حتى تمنح قُبلة الحياة. ودعاة الحرب، مثلما هم موجودون في الجنوب، فهم في بلادنا كذلك أوضح، ولا يقلون تربصاً ربما بإجهاض الاتفاق ، لأن مصالحهم تقوم في الأساس على الاستثمار في الأزمات، والتكسب من وراء الدماء. ولذلك، لابد من حسمهم بقوة حتى تطيش ضربتهم، وتخطئ رصاصاتهم القاصدة المصوبة نحو نحر الاتفاق.