جون أكوت، قائد المرور في قصر الفريق سلفا كير حالياً، والعنصر الفاعل في تشريفة القصر الجمهوري بالخرطوم لمدة استمرت منذ العام 1974 وحتى العام 2011م. أكوت ترك نفسه بين أحضان رفقاء الدرب السابقين في الخرطوم من أفراد طاقم التأمين والمراسم الذي رافق الرئيس البشير إلى جوبا الجمعة الماضية. ملامح أكوت حملت فرحاً فصيحاً عبّر عن نفسه بتهدج الصوت، ومقاومة دمعة رقراقة كانت تحاول النزول لكنها تستعصم بالبروتوكول وتلوذ بشرف المهمة الرسمية حتى لا تنحدر ساخنة ومعبرة تحكي (ألم الفراق) وتستعيد (ماضي الذكريات). أكوت عمل في السودان لثلاثة أنظمة بدأت بمايو وانتهت بالإنقاذ التي أوسعته حنيناً إلى أبنائها داخل القصر الجمهوري.. فقد حكى لي عن العُشرة الطيِّبة والأيام الجميلة والمَوَدّة المتصلة التي جمعته بكثيرين في القصر. حدّثني أكوت عن شعوره الذي لا يوصف.. وأبلغني أن حنينه مازال متوهجاً للخرطوم التي عاش فيها سني عمره النضرات.. حملني تحياه (لقشلاق النيلين) الذي عاش فيه طويلاً، قال إنه يعلم بتحوله لعمارات غير أن ذاكرته مازالت تشده إلى ذات المكان. أكوت النبيل يعبر عن طبيعة العلاقة بين أبناء السودان في شماله وجنوبه.. حنينٌ مُتبادلٌ وبوح بالاشتياق للأرض والناس.. واحتفاء بذكريات عزيزة جعلته يحدثني عن علاقته المميزة بالفريق بكري حسن صالح وزير شؤون الرئاسة ويتوقف حينما يحاصره الشوق والاعتزاز بعلاقة إخاء وصفاء خالدة: (الفريق بكري ده زولنا). أكوت سألني عن الخرطوم (وناسا).. شوارعها.. ضجيجها وهدوئها.. ليلها ونهارها.. أرضها وسمائها.. فالرجل مازال ولعاً بأرض عاش فيها جل عمره وفارقها حينما وقع الانفصال مثله والملايين من أبناء جنوب السودان. حدثني أكوت عن منزله بالأزهري وفلذة لكبده استأمنها الخرطوم.. قال لي إنه زار العاصمة قريباً مستشفياً.. وقد كانت المرة الأولى بعد الانفصال.. الرجل يتمنّى أن تمضي العلاقات بين البلدين بشكل يعبر عن دواخله التي تحلم بأن نكون - الجنوبيون والشماليون - (زي ما كنا أول)، قلت له (انحنا البينا عامرة).. قال لي نحن إخوة وأكثر. حدّثني أكوت عن ذائقته التي لم تبرح بعد عشق الأكل السوداني وحكى لي عن إدمانه لغناء كبار الفنانين سيد خليفة وعثمان حسين، وقال إنّ فنانه المُفضّل الفنان أحمد المصطفى.. وبدأ يسترسل لتذكر أغنيته المفضلة، قلت له: (الوسيم القلبي رادو).. كرّرها وسرح بعيداً ربما أعادته الأغنية إلى الخرطوم جنة (رضوان).. فالجنوبيون يحبونها مثلما نعشق جوبا ونغني لها. ودّعت أكوت وأنا ألعن (سنسفيل) السياسة والأجندة والمؤامرات التي قسّمت قلب هذا الشعب إلى نصفين، وجعلت أحدهما ينزف هنا والآخر هناك.. ملامح أكوت بفصاحتها الحنينة كانت تُعبِّر عن وجدان جوبا التي استقبلتنا ب (حنو المرضعات على الفطيم). قسمات الرجل كانت تتحدّث بلسان كل من التقيناه من أبناء وبنات الجنوب، وربما عبّرت كذلك عن القيادات في البلدين وهم يفرحون هذا الشعب بزيارة فتحت باب العلاقات (ضلفتين)، ومنحت أمثال أكوت حق أن يحلموا من جديد بتواصل يوظف الانفصال كإجراء ينظم علاقات تقوم على الاحترام المتبادل وتؤسسها المَصالح المُشتركة.