ذات مرة، وفي أحد منابر الخرطوم السياسية الشهيرة، قال د. على السيد عضو الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، انه لم يبق لدكتور التجاني سيسي ما يفعله تجاه دارفور غير المقابلات الدبلوماسية مع السفراء، داخل رحاب مساحة واسعة في فضاء الفضائيات.. وهذا الحديث فيه من التشاؤم السياسي ما فيه، وينبئ بأن أمور السلطة الاقليمية تنحدر نحو التلاشي، الذي ترتفع وتيرته كلما علا صوت السلطة، وصورتها على واجهة الأحداث، أو خفت. والخرطوم في سعيها لجلب السلام الى دارفور، أتت بالسلطة الإقليمية، بعد خروج مني أركو مناوي الموقع معها على اتفاقية ابوجا، وغسل يديه من الشراكة بينهما، مطلقا تعبيرا شهيرا ساخرا من حاله بأن (مساعد الحلة) أفضل منه، انهارت بعدها الشراكة بين مني والخرطوم، وماتت السلطة الانتقالية ولم تنجح محاولة رتق الخرق، وبذل قيادات جديدة بديلة لمناوي للابقاء على روح الاتفاق. وبعد لأي ،أفلحت مساعي الخرطوم نحو السلام في جمع عدد مقدر من منسوبي الحركات الدارفورية المنشقة عن قياداتها الأم، تحت مسمى (حركة التحرير والعدالة) ، التي قامت على ساقين ،هما التراضي السياسي والقبول بشخصيتي د.التجاني سيسي ، وبحر ادريس ابو قردة،والامر المنظر في هذه التشكيلة معادلة أهم مؤثر قبلي في الاقليم قبيلتا الفور والزغاوة. وهو وضع سياسي هش قابل للانفجار ، وحلت السلطة الاقليمية لولايات دارفور محل السلطة الانتقالية ، وفق وثيقة الدوحة لسلام دارفور. ويرى مراقبون ان عمر السلطة الاقليمية بمثل هذه الخلفية طال أمده من الناحية العملية وتجاوز الخوف من فيروس الانقسام والانشطارحسبما معروف عن تلك المجموعات، لجهة ان ذلك التجمع نظريا كان معرضا للانهيار في أية لحظة. وأفاد مصدر مطلع بخبايا السلطة الاقليمية(الرأى العام) ان الغضبة المبطنة ل(د. التجاني سيسي) الأخيرة من الخرطوم ليست بسبب المال ،وانما خطوة احتجاجية بسبب طرد الحكومة للمنظمة الامريكية(المعهد الجمهوري) والتى أوكل لها القيام بمهمة تدريب كوادر الحركات الدارفورية المسلحة ومساعدتها للتحول الى أحزاب سياسية ، ويتمثل تدريبها في بناء القدرات، ومناهج ادارة الحكم ونظم الادارة والمحاسبة ، وكيفية ادارة السلطة الاقليمية بشفافية ،واضحة وعادلة واضاف المصدر ان كوادر مناوي تلقت تدريبات على يد ذات المنظمة. وافاد المصدر انه تكونت لجنة على مستوى رفيع وعال وتمت إعادة المنظمة لتشرف على عملها العادي. واعتبر المصدر أن قرار طرد المنظمة تم دون الرجوع الى الجهة السياسية المختصة. وبالنسبة لمستقبل السلطة الاقليمية،يتهددها بعض المعوقات الهيكلية ، لجهة ان وثيقة الدوحة لسلام دارفور كتبت لتشمل كل حاملي السلاح، وان ثمة مناطق محجوزة لهم بما في ذلك الحركات غير الموقعة ، ومتى ما وقعت ستنال حصتها من الوثيقة، وهذا انطبق على جناح حركة العدل والمساواة التي انضمت أخيرا للوثيقة وهى في تكوينها الرئيس عسكرية تضم قيادات ميدانية لها وزن لا يمكن تجاوزه، وستنال هذه المجموعة نصيبها من السلطة حالما تصل الخرطوم.وبالنسبة للمجموعات الاخرى وعلى رأسها مني اركو مناوي افاد محمد محمد خير المهتم بالشأن الدارفوري في حديثه مع (الرأى العام)ان مستقبل مني في التفاوض مع الخرطوم من جديد أما ان يقوم على وثيقة الدوحة او ابوجا ، لجملة من الأسباب حدد محمد خير ستة منها ان القرار السياسي في حركة مناوي تتخذه القبيلة وليست هناك مؤسسات سياسية والتي لا وجود لها اصلا،لجهة ان جيش الحركة شبيه بالجيش القبلي يخضع للأوامر المباشرة من مناوي ، لذا حسب محمد خير ان العمل السياسي والديمقراطي المطلوب لتغيير النظام ليس عريقا في ذهن مناوي ، بجانب ان الهزائم الاخيرة التى مني بها جعلت خيار التفاوض مع الخرطوم هو الأقرب، ونوه محمد خير الى ان الفصيل الأخير الذي التحق بوثيقة الدوحة يضم عددا كبيرا من قيادات مناوي الميدانية ، وتتجه أجندات هذا الفصيل الى تحقيق نصر عليه والانتقام من جيشه كما فعلوا من قبل ، كل هذه التقديرات حال وجدت رافعة قبلية ضاغطة فان لا سبيل لمناوي الا العودة لطاولة التفاوض مع الخرطوم، هذه العودة وفق محمد خير ستؤثر حتما على السلطة الاقليمية لجهة امتلاك مناوي لمخزون اسلحة ضخم لم يستخدمه ، كما لايزال له عدد كبير من المقاتلين ، وبعد وفاة الحلو أصبح رقم واحد في مكون الجبهة الثورية من ناحية الجيش. فيما تسود حالة من التفاؤل السلطة الاقليمية ، لجهة النجاح النوعي الذي أحرزته في مؤتمر المانحين الاخير بالدوحة، وهي تعهدات لا تشابه اية تعهدات سابقة، وهناك التزام قاطع من المانحين ، كما ان جدولة السلطة الاقليمية لأولوياتها ساعد كثيرا في ان تمضي الأمور المالية بسلاسة ، والآن لدى السلطة الاقليمية ،(168)مليون دولار لإنفاذ المرحلة الاولى من برنامجها في فترة الأشهر الستة الأولى كما ان هياكل العمل والخطة كلها موجودة ، ولم يبق غير الشروع في انزال ذلك على الارض، بيد ان محمد خير اشار الى ان تفجير الوضع الامني سينسف كل ذلك وان عدم انضمام مناوي الى قطار السلام يظل خطرا ماثلا يرمي بظلاله على انطلاقة السلطة .