ما أن حل محمد كامل عمرو وزير الخارجية المصري بالخرطوم قادماً من أديس ابابا أمس، الا وسارع البعض للبحث في أجندة زيارته سعياً وراء الجديد بين القاهرةوالخرطوم وفي الملف الاكثر تعقيداً منذ ذهاب مبارك وقدوم الرئيس مرسي. الخرطوم الرسمية كانت في انتظار الرجل الذي لم يضع من وقتها شيئاً ليدخل في مباحثات مباشرة بوزارة الخارجية أمس ، ترأس الجانب السوداني فيها صلاح ونسي محمد خير وزير الخارجية المناوب وتناولت العلاقات الثنائية بين البلدين والإستعداد لعقد اللجنة العليا المشتركة وافتتاح الطريق البري بين البلدين ، والتعاون الثلاثي بين السودان ومصر وأثيوبيا حول مياه النيل ، ونقلت تقارير اعلامية عن ونسي قوله إنه اطلع وزير الخارجية المصري على التطورات الاخيرة مع دولة الجنوب خاصة وان مصر تحتفظ بعلاقة طيبة مع دولة الجنوب ويهمها تحقيق الامن والاستقرار بين البلدين. ثاني خطوات مبعوث القاهرة تبليغه رئيس الجمهورية الرئيس البشير رسالة شفهية من نظيره المصري د. محمد مرسي تتعلق بمسار العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، وكشف ونسي عن ان اللجنة الفنية المكونة من الدول الثلاث حول سد النهضة تواصل عملها للتأكد من سلامة اجراءات قيام سد النهضة مبينا ان المشاورات التي اجراها وزير الخارجية المصري باديس ابابا والتي تمخض عنها بيان رسمي تصب في مصلحة الدول الثلاث من خلال التأكيد على ان لا تتضرر أية دولة من هذه الدول . وأضاف ونسي ان اجتماعات اللجنة العليا بين السودان ومصر ستلقي بظلال ايجابية على مجمل علاقات التعاون بين البلدين مبينا ان افتتاح الطريق البري سيكون له اثره على التواصل بين الشعبين الشقيقين فضلا عن التبادل التجاري ونقل البضائع. من جهته، قال وزير الخارجية المصري في تصريحات صحفية عقب اللقاء إن زيارته للسودان تأتي في اطار العلاقات الوثيقة والتعاون البناء بين البلدين ، وكشف عن انعقاد اللجنة العليا بين السودان ومصر برئاسة رئيسي البلدين في الخامس من يوليو القادم بالقاهرة مبينا ان الاجتماعات سيسبقها اجتماع الخبراء في الثالث من يوليو والاجتماع الوزاري في الرابع منه. وأشار إلى انه تم الاتفاق على بدء اجتماع اللجنة الفنية لوزراء الموارد المائية في الدول الثلاث ( مصر و اثيوبيا و السودان ) للنظر في توصيات لجنة الخبراء الدوليين وذلك لتجاوز اي آثار ستلحق بدول المصب سواء أكانت اثارا بيئية أو اي آثار اخرى . وأضاف : (سيجتمع وزراء الموارد المائية للدول الثلاث في أسرع وقت خلال الايام القليلة القادمة وستقوم مصر بتوجيه الدعوة لعقد هذا الاجتماع)، وأكد الوزير المصري الاتفاق على ان يكون هناك مسار سياسي الى جانب المسار الفني بين وزراء الخارجية في الدول الثلاث وذلك حتى يتحرك المساران في اتجاه يخدم مصالح الدول الثلاث ، واضاف: ( مشاوراتنا في اديس ابابا أكدت أن اثيوبيا لاتنوي مطلقا الاضرار بالامن المائي لكل من السودان و مصر واكدت على انها ستحافظ على المياه التي تصل لكلا البلدين). ويرى مراقبون أن الزيارة جاءت في سياق طبيعي بمفردات بروتوكولية لترتيب أجندة أجتماعات الرئيسين في اللجنة الوزارية العليا في يوليو المقبل، وان حاجة القاهرة للخرطوم في ملف النهضة أمر تم تجاوزه للاتصال المباشر بين القاهرةواديس ابابا. بينما أعتبر د.صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أن الزيارة تتجاوز النظرة التقليدية للزيارات المتبادلة بين وزيري خارجية دولتين جارتين، وتوقع أنها تأتي في سياق استعراض ثلاثة ملفات وصفها بالمهمة وذات أولوية لقاهرة المعز، بدءاً بالتجهيز لاجتماع اللجنة الوزارية العليا التي يترأسها الرئيسان مرسي والبشير والتي ستنطلق أعمالها نهاية الشهر الجاري وبداية الشهر المقبل، باعتبار أن ذلك ملف أول ، واضاف ل(الرأي العام): (بالاضافة لحرص مصر على تنسيق الموقف تجاه أثيوبيا مع السودان في ظل تباين المصالح بين الخرطوموالقاهرة ازاء سد الالفية ، فالخرطوم لها تداخل سكاني مع أثيوبيا وحدود مشتركة ومصالح امنية تجعلها أقل عدائية وحساسية بعكس القاهرة) واعتبر د. صفوت أن أهم واخطر الملفات التي ربما تحاط بالسرية الموقف المصري والتصعيد في مواجهة سوريا وقطع العلاقات مع دمشق، بحثاً عن تأييد للموقف المصري خصوصاً وأن السودان يتمتع بعلاقات ايجابية مع طهران بالتالي لن يوافق أو يمرر التصعيد المصري تجاه سوريا بفعل ظلال ايران في الملف ما يفرض على القاهرة شرح الموقف وابعاده ومبرراته ومحاولة ايجاد منطقة وسطى.. واستبعد د. صفوت فانوس أن يكون للقاهرة اي دور في فتح ملف التوترات السودانية الجنوبية، وقال( القاهرة ومنذ فترة مبارك وبعد ثورة يناير لا دور لها في الملف السوداني ومجئ الزيارة في هذا التوقيت يرتبط فقط بمبررات ترتيبات اللجنة العليا واجتماعاتها المقبلة بين الرئيسين). مفارقة حاجة القاهرة لدعم الخرطوم، بدت الابعد في فرضيات الكثيرين، لجهة أنها تكسر التصور التاريخي عن كون الخرطوم حديقة مصر الخلفية، وبوابتها الامنية الجنوبية، وتوقع محللون الا يخرج الاجتماع سوى بترتيب الاجندة الرئاسية وتنوير للخرطوم بالموقف المصري. بينما رجح البعض أن يكون الهدف من الزيارة هو محاولة لامتصاص الآثار السلبية المترتبة على التصعيد الاعلامي وبعد الناشطين في نقد موقف الخرطوم ليس إلا ، وأنها ليست ذات معنى سياسي اكبر باعتبار أنها لن تغيير في الاصرار الاثيوبي شيئاً ولن تقلل من مصالح الخرطوم واستفادتها من السد مثقال ذرة. من القاهرة أعتبر الخبير في الشأن السوداني د. هاني رسلان، زيارة محمد كامل للخرطوم طبيعية ، باعتباره قادما من أديس ابابا حيث بحث ملف الخلافات المصرية الاثيوبية حول سد النهضة ، ما يفرض على القاهرة تنوير الخرطوم بما تم باعتبارها الطرف الثالث واحاطتها علما بالرؤية المصرية، وقال ل(الرأي العام) إن الزيارة تقليدية بعد انتزاع ملف السد من وزارة الري المصرية وخضوعه المباشر لرئاسة الجمهورية المصرية ما يجعل الخارجية تتولى ملف التفاوض حوله وفيه. واستبعد رسلان أن تكون الزيارة كمحاولة حكومية مصرية لامتصاص غضبة الشارع المصري ازاء مضي اديس ابابا في مشروعها دون التفات، وأضاف: (الزيارة ليست لتهدئة الرأي العام المصري وانما تأتي في سياق اهمية الملف الحقيقية، فسد النهضة ليس قضية تنموية وأمناً مائياً، بقدر ما أنها قضية ذات ابعاد سياسية واستراتيجية تتجاوز الفني والتنموي. وتأتي الزيارة للخرطوم حسب ما ورد في حديث رسلان ل (الرأي العام) في سياق الملف تعبيراً عن جوهر سياسة القاهرة بالسعي نحو التعاون والحلول الوسط، والتي لا تتحقق الا عبر التفاوض). وقطع رسلان الذي يرأس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات أن التوتر الهائل الذي حدث في الملف كان جراء السياسة الخشنة التي أظهرها الجانب الاثيوبي والتي صبرت عليها القاهرة طويلا، واضاف(تحويل مجري النهر في مثل هذه الظروف ادى لتفجر الغضب ، وكان لابد من الاستجابة لهذا الغضب من قبل الحكومة المصرية من حيث ادارة الملف، لكن من الناحية الاستراتيجية فان مصر ظلت على مبدأها القائم وشعارها في عدم الاعتراض على مبدأ السد ، وانما الاعتراض على مبدأ المواصفات، ولا اعتراض على التنمية لكن الاعتراض على الاضرار بمصالح الآخرين). رسلان، بدا مدركاً لوضوح الصورة فيما يقوله مؤكداً أن كل ذلك لا يمكن حله الا بالتفاوض وان الامر هو كيفية بداية التفاوض ، أما النجاح من عدمه فهو أمر متروك للمتفاوضين والتفاوض نفسه. ورفض اعتبار الملف السوري جزءاً من الهم المشترك في زيارة وزير خارجية القاهرة للخرطوم، وقال الاعلان عن الجهاد وقطع العلاقات أمر يخص جماعة الإخوان ولا يعبر عن الدولة المصرية لجهة غياب أية مؤسسة من مؤسسات الدولة وقت صدور الحديث أي أنه يمثل مرسي كإخواني لا كرئيس مصر- على حد قوله.