الخرطوم..خبر حزين لمواطني بحري    سلطة النص: من فيسبوك إلى صياغة التاريخ:    بقرار من إدارة ترامب.. "ناسا" تخفي تقارير عن التغير المناخي    الإفراط باستخدام الهواتف المحمولة يضعف مهارات تعلم اللغة عند الأطفال    الأمل جلاد المريخ    المَنَاعَة المُكْتسَبَة مِن الهَزيمَة    إبراهيم عثمان: تقدم.. المعبر والمستقر لحلفاء الميليشيا!    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الفدرالية العرجاء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: على هامش معارك ام صميمة..    مليشيا "الشفتة" الإثيوبية تهاجم 3 قرى في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (... جودو)    رصاصة طائشة تنهئ حياة حارس الرفاق الابيض    استقالة مدرب الأهلي الأبيض    غرامتها 600 ألف يورو .. الحكومة تلاحق لامين يامال: ما فعله ب"الأقزام" جريمة كراهية    اعتصام في حلة يونس غرب بربر احتجاجاً على أحواض السيانيد ومخاوف من كارثة بيئية    اتحاد الكرة السوداني يحسم جدل مباراة الهلال الخرطوم والأمل عطبرة    شاهد بالفيديو.. أمسكها من "وسطها".. الفنان طه سليمان يدخل في وصلة رقص مثيرة مع راقصة مصرية وساخرون: (جبتها وارمة يا سلطان)    الجندي المجهول.. من هو كايسيدو الذي أطاح بكبرياء سان جيرمان في النهائي؟    ميلان الإيطالي يعلن تعاقده مع لوكا مودريتش    شاهد بالفيديو.. بشريات العودة تتوالى.. المحطة الأوسطى بحري تعود لطبيعتها لأيام ما قبل الحرب    شاهد.. قائد كتائب البراء بن مالك يظهر في استراحة محارب مع نجله ويكتب له: (من أجلك أتحدى العالم..يا قطعة من قلبي، ويا أغلى من نفسي) والجمهور يتفاعل: (هذا الشبل من ذاك الأسد)    بعد خسائر بملايين الدولارات.. "شارع الحرية" بالخرطوم يستعيد نشاطه    ترمب: بيليه هو الأعظم في التاريخ وشاهدته بأميركا    شاهد بالفيديو.. مشجعة الهلال الحسناء "سماحة" تهاجم اللاعب أطهر الطاهر: (ظالم وشليق.. عامل فيها نمبر ون وجيت الطيش)    شاهد بالصورة.. الفنانة ريماز ميرغني تخطف الأضواء بإطلالة سودانية خالصة    أقوى 5 جيوش بحرية على مر الزمان؟    الأزرق… وين ضحكتك؟! و كيف روّضتك؟    مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع    عاجل..اندلاع حريق جديد في مصر    5 طرق بسيطة لاكتشاف تطبيقات التجسس على جهازك    المباحث الجنائية المركزية ولاية الخرطوم تكشف غموض جريمة مقتل مواطن ونهب هاتفه بالحارة 60 وتوقف المتهم    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    إتحاد الغرف الصناعية يجدد الدعوة الى تكوين مجلس أعلى للتنمية الصناعية    كنانة ليست مجرد شركة أو مصنع لإنتاج السكر والإيثانول    شاهد بالفيديو.. تجار شارع "الحرية" بالخرطوم يستعدون لفتح محلاتهم التجارية بعد اكتمال الترتيبات وبدء وصول البضائع وأكثر من 80 تاجراً يعلنون جاهزيتهم للإفتتاح بعد أيام قليلة    ((مختار القلع يعطر أماسي الوطن بالدرر الغوالي)) – غنى للعودة وتحرير مدني وغنى لاحفاد مهيرة – الدوحة الوعد الآتي (كتب/ يعقوب حاج أدم)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الخرطوم توقف عدد من المتهمين بجرائم النهب بمحلية كرري    د.ابراهيم الصديق علي يكتب: إلى البرهان : من القولد إلى البطانة..    3 طرق لإخفاء تحركاتك وخصوصياتك عن "غوغل"    أم درمان.. سيولة أمنية وحوادث عنف بواسطة عصابات    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    قد يكون هنالك طوفان ..راصد جوي يُحذر من ظاهرة "شهيق الأرض": تغيرات كوكبية قد تهدد المياه والمناخ    هبة المهندس مذيعة من زمن الندى صبر على الابتلاء وعزة في المحن    المباحث الجنائية بولاية الخرطوم تضبط متهمين إثنين يقودان دراجة نارية وبحوزتهما أسلحة نارية    حريق سنترال رمسيس بالقاهرة.. 4 قتلى واستمرار عمليات التبريد    حريق بالقاهرة يعطّل الاتصالات ويصيب 22 شخصًا    نانسي عجاج: لستُ من ينزوي في الملماتِ.. وللشعب دَينٌ عليّ    بشرط واحد".. فوائد مذهلة للقهوة السوداء    بالفيديو.. شاهد لحظات قطع "الرحط" بين عريس سوداني وعروسته.. تعرف على تفاصيل العادة السودانية القديمة!!!    عَودة شريف    مصر تغلق الطريق الدائري الإقليمي بعد حوادث مميتة    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الفدرالية العرجاء في السودان
نشر في باج نيوز يوم 15 - 07 - 2025

إن التمترس خلف جدران الآيديولوجيا والمرجعية الفكرية والانتماء السياسي في مواجهة الآخر وعدم الانفتاح عليه، إضافة إلى أنه يصيبك بداء الجمود الفكري ووهم أنك وحدك تمتلك الحقيقة، فإنه يضيع عليك فرصة إدراك ما هو خير وربما الأفضل عند الآخر لصالح الوطن والمجتمع، ولصالح تطور فكرك أنت شخصيا.
ظلت هذه الخاطرة تصول وتجول في ذهني طوال لقائي الأول مع القامة الوطنية الراحل إبراهيم منعم منصور وكلما تصفحت مذكراته التحفة التي أهداني نسخة منها ولا أدري ماذا فعلت بها جحافل التتر وهي تجتاح منزلي بعد الحرب. قلت له في ختام ذلك اللقاء الأول، وهو قول رددته كثيرا في كتاباتي، للأسف، ظلت النخب السودانية تتصارع حد الاقتتال حقبا طويلة، دون أن تنتبه بأن الوطن كله أصبح في مهب الريح، وأن خطرا داهما يتهددنا جميعا، وأن ما يجمعنا في الحد الأدنى الضروري للحياة، أقوى مما يفرقنا، وأنه آن الأوان لمراجعة القناعات، ولكيما نلتقي بجدية وإخلاص لصياغة واقع جديد في السودان.
في العام 2019، ذهب الأستاذ محمد شومينا المحامي إلى القامة إبراهيم منعم منصور طالبا مزيدا من التوضيح لانتقاداته المعلنة لفهم وممارسة حكومة الإنقاذ للنظام الفدرالي، ودور الصندوق القومي لدعم الولايات، وما ذكره الراحل في مذكراته واصفا الحكم الفيدرالي بأنه كطائر له جناحان أحدهما السلطة والثاني الثروة، وأن الخلل في توزيع الموارد من شأنه تشجيع الهامش على مطالبات الانفصال. وقد مدّني الأستاذ شومينا مشكورا بملخص إجابات الأستاذ منعم منصور، ورأيت أن أشاركها مع القراء في الذكرى الخامسة لرحيله التي ستحل بعد يومين، في السادس عشر من يوليو/تموز، لما لها من مغزى وبلادنا يتهددها التفكك والتشرذم.
يقول الراحل المقيم إن نجاح الحكم الفيدرالي يكمن في توزيع عائدات الموارد والثروة وتحديد الصلاحيات المالية بطريقة عادلة بين المركز والولايات، ووفق صيغة موائمة لبلادنا وليس نقلا عن تجارب بلدان أخرى لا تعاني من مشكلة التنمية وتفاوتها. فمثلا، قادة الإنقاذ كانوا مصرين على جعل الفولة عاصمة لغرب كردفان فى حين أن النهود هي الأفضل لها اقتصاديا. وعندما سألت المرحوم الترابي عن السبب أجاب بأن البترول سيكون فى الفولة ولا نريد أن يذهب عائده بعيدا! هذا قصر نظر في معنى الحكم الفيدرالي. نعم السلطة والثروة هما جناحا الفيدرالية، واقتسامهما العادل هو الأساس لأي حكم فيدرالي، وصحيح أن الصراع كان دائما يتمحور حول السلطة، لكن في أي دولة، لن يقوم حكم فيدرالي قويم يرضى عنه الهامش الفقير ما لم تعالج مسألة اقتسام الثروة وفق معايير واضحة وآلية مقبولة. وللأسف، دوما يتم خداع نخب الهامش بالسلطة. والإنقاذ كانت تعرف نقطة الضعف هذه، لذلك ظلت تمنح نخب الهامش السلطة لإقامة ولايات ومعتمديات وتهنئهم بأنهم تسلموا السلطة. وعندما يفيق هؤلاء من فرحتهم، يكتشفون بأنها سلطة بلا موارد، وحتى الموارد القليلة التي تعطى لهم يتم تبذيرها في العربات والاحتفالات والمرتبات والمخصصات دون رقيب أو حسيب، فيحدث عجز في ميزان الدخل والمنصرف ليتم فرض ضرائب باهظة وجبايات لسد هذا العجز، فيتذمر مواطن الهامش من هذا التضييق، ويتطور تذمره إلى الاحتجاج وحمل السلاح وربما المطالبات بالانفصال.
أما صندوق دعم الولايات، فهو أساس ترسيخ الحكم الفيدرالي، ومن أهم أهدافه معالجة آثار الحروب واستقطاب الدعم الخارجي والداخلي لمشروعات تأهيل البنيات الأساسية في الولايات. ولكن قيادة الإنقاذ، كما يقول الراحل، كانت تستخدم الصندوق للسيطرة على الولاة إذا أراد أحدهم أن يشق عصا الطاعة، وذلك من خلال عدم تمويل الولاية وبالتالي فشل الوالي حتى وإن كان له برنامج هادف وتنموي. ويقول، إنه حاول إصدار قانون لمفوضية اتفاق السلام الشامل أسوة بما هو موجود فى كل العالم حتى تكون لها القوة في مخاطبة الأجهزة الحكومية والحصول على المعلومات وتنفيذ بنود الاتفاقية نفسها، لكن الاقتراح وجد مقاومة من قادة الإنقاذ، وأن علي عثمان عندما طرح عليه تمثيل سبعة ممثلين فى المفوضية من الجنوب، رفض وقال «كمان الجنوبيين عايزين يتحكموا فى الشمال» وأصابه الذهول والتوتر الشديد عندما نُبه بأن هذا منصوص عليه في الاتفاقية!
واختتم الراحل إبراهيم منعم منصور حديثه إلى الأستاذ شومينا قائلا إن النظام الفيدرالي في عهد البشير تحوّل إلى غطاء شكلي لسلطة مركزية فاسدة، مما فاقم من انعدام الاستقرار وزعزعة الوحدة الوطنية، ودلل على ذلك بمجموعة من الحيثيات، منها:
على الرغم من أن السودان كان يُدار رسميًا بنظام فيدرالي، إلا أن السلطة الفعلية كانت مركزة في يد الحكومة المركزية في الخرطوم. أما الولايات فكانت تعاني من ضعف الصلاحيات المالية والإدارية، مما حدّ من قدرتها على تقديم خدمات فعالة أو تنفيذ سياسات مستقلة.
التوزيع غير العادل للسلطة والموارد حيث تم تهميش العديد من الولايات الطرفية، مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وكانت الموارد الطبيعية، كالنفط والمعادن، تُدار من المركز دون مشاركة عادلة للولايات المنتجة، مما زاد من الاحتقان والتوترات وتغذية الاحتجاجات المسلحة.
التسييس وتعيين حكام الولايات من قبل الرئيس البشير ومن الحزب الحاكم دون انتخابات محلية حقيقية، مما أدى إلى إضعاف الشرعية المحلية وانتشار الفساد والمحسوبية.
تجاهل النظام الفيدرالي لاحتياجات المناطق المهمشة، مما فاقم النزاعات، واستخدام القوة العسكرية لقمع المطالب المحلية بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للاستياء.
كانت الولايات تعتمد على التمويل المركزي، الذي كان يُوزع بطريقة غير شفافة، ولم تكن هناك آليات فعالة للمحاسبة أو الرقابة على الإنفاق العام المحلي مما شجع الفساد.
انعدام المشاركة الشعبية، حيث لم تكن هناك حكومة محلية حقيقية قائمة على الانتخابات الحرة، مما أفقد النظام الفيدرالي أحد أهم أهدافه، وهو تمثيل إرادة المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.