بدأ ملف العلاقات مع الجنوب يخف من التوترات المتصاعدة منذ صدمة الانفصال في الشمال وزيف الكبرياء الذي تلبس الحكام الجنوبيين ، فقد غطت سحابة من اللطف هذا الاسبوع سماء الخرطوموجوبا ، وكان ابرز عطاءها اعلان الدكتور نافع قرار حكومة الجنوب بابعاد ثلاثة من أكبر المشاغبين من اراضيها وهما الحلو وعقار اللذان يشعلان حربا في مناطقهم القبلية للحاق بدولة الجنوب المنفصلة وثالثهما (عرمان) الذي يقوم بالتنسيق مع حركات دارفور المسلحة وحكومة الجنوب. هذا الطرد لم يأت من فراغ ، فبالاضافة للهزائم العسكرية التي لحقت بقوات اولئك الثلاثة فقد نجحت الدبلوماسية السودانية في سعيها وسط دول البحيرات باستصدار قرار منها بفرض عقوبات على اية دولة تأوى حركات مسلحة معارضة لدولة أخرى .. ولا شك ان دولة الجنوب كانت ستكون اول من يطالها هذا القرار ويؤدي الى عزلتها وهو القرار الذي يكتسب ابعادا اخرى لمصلحة حكومة السودان عندما قام وزير الخارجية علي كرتي منذ ايام بتمليك اجتماع مجلس السلم والامن الافريقي مستندات ووثائق تثبت دعم دولة الجنوب للجبهة الثورية وقطاع الشمال وهما عصب المعارضة الشمالية التي تسعى لاسقاط حكومة الخرطوم بالسلاح. ومن الاجواء اللطيفة التي سادت منذ يومين بين الدولتين المتنافرتين اظهار جوبا لحسن نواياها في المفاوضات الخاصة بالنفط عندما قامت حكومة سلفاكير بتسديد 236 مليون دولار من مستحقات الخرطوم لرسوم عائد عبور النفط و ادى هذا لانخفاض سعر صرف الدولار ويلتقي هذا مع استجابة الرئيس البشير لمساعي وزير خارجية اثيوبيا بتمديد مهلة الاسبوعين المحددة لاغلاق انبوب النفط. لاشك ان هذا التجاوب من هنا او هناك لارساء قاعدة قوية تقوم عليها اتفاقيات التعاون المشترك في كافة المجالات بين حكومة السودان وحكومة الجنوب كما حددتها اتفاقية السلام ، لا يعود فقط للمساعي الافريقية ، ولكن يبدو انه كان حراكا في الردهات الخلفية او الهواتف الساخنة بين الخرطوموجوبا بان تشهد الايام القادمة تعاملا شفافا وصولا لما تتطلع إليه الدولتان من تعاون وتكامل يضع حدا للمناوشات العسكرية والمواجهات السياسية الساخنة التي ربما تقود إلى حرب شاملة بين الدولتين . ولاشك ان تزامن اعلان الرئيسين البشير وسلفاكير لتشكيل حكومتين جديدتين سيأخذ في الاعتبار هذه الشفافية في العلاقات التي بدأت ملامحها بابعاد (باقان) احد أكبر صقور توتر العلاقة بين دولتي النيل الابيض ، وما تبع ذلك و سريعا بابعاد اصدقائه عرمان والحلو وعقار من تلك البلاد. يبقى ان نشير الى ما قاله علي عثمان النائب الاول للرئيس في الفاشر بان البشير يقوم بتصميم رؤية شاملة لحل كل مشاكل البلاد عامة ودارفور خاصة ، وما قاله الرئيس بان هذا العام سيكون آخر عام من المعاناة في جنوب كردفان وذلك عندما زار اسرة احد الشهداء بدار السلام بالخرطوم .. وما قاله الدكتور نافع بان الحملة المشتركة بين البرلمان و الجهاز التنفيذي سيكون لها اثر كبير على الاوضاع السياسية والامنية وكسر نصال الاعتداء ، فكل هذا يؤكد ان مناطق التمرد اصبحت قاب قوسين او ادنى من السلام الشامل، وكل هذا قد يقود الى مفاوضات متسارعة من المتمردين ويقول البعض انها بدأت فعلا.